بقلم: د. عبد الحليم العشوش
في سنوات دراستي الأولى في الجامعة الاردنية وبالإضافة إلى تخصصي الرئيس في الشريعة الإسلامية كان هناك مايسمى بالتخصص الفرعي فاقبلت على دراسة العلوم السياسيه وقد تتلمذت على أيدي مهره في ذلك الوقت اذكر منهم الاساتذه غازي ربابعه وابداعاته في القضيه الفلسطينيه وحسني الشياب في طرحه القومي المتزن وذياب مخادمه في دراسته المتخصصه في القضيه الفلسطينيه وقد كلفني آنذاك ببحث حمل عنوانا لماذا نرفض السلام مع اليهود ومحمد مصالحه واسلوبه الشيق في سرد بنية النظام السياسي في الأردن وعبد الله نقرش وحبه لعبد الناصر ومادته العالم العربي في العلاقات الدوليه وآخرين لاتحضرني اسماءهم ولعل من ذكرت كان لهم صوله وجوله في تخصصاتهم وانتماءاتهم الفكريه وكانوا في ذات الوقت أصحاب توجه إسلامي وقومي وقومي ناصري ووطني وغيرها من التوجهات الفكريه..
اذكر من المواد التي درستها في ذلك الوقت مادة للأستاذ الدكتور محمد مصالحه اسمها النظام السياسي في الأردن وفي محاضراتها تم إشباع المادة حديثا حول ديمقراطية ١٩٨٩ بعد هبة نيسان.
في مجلس العام ١٩٨٩ ظهرت أولى خطوات الإصلاح السياسي بأن وصل نخبة من ابناء الوطن سواء ممن كانوا في خط النهج الحكومي او خط المعارضة ففاز آنذاك أساتذة لي أيضا من كلية الشريعه وقد كانت تزخر آنذاك الكلية بابراهيم زيد الكيلاني وهمام سعيد ومحمد ابو فارس ومحمد الحاج واقطاب معارضه آخرين كليث شبيلات واحمد عويدي العبادي وفخري قعوار.
ماميز ذلك المجلس باقتدار ان غالبية من وصل المجلس كان يحمل فكرا ولم يكن فارغا ولذلك شهدنا كيف تصبب احد دهاة السياسة مضر بدران عرقا حيث كان جلسة الثقه التي لم تبق ولم تذر شيئا الا وتم الحديث عنه.
سمعنا في ذلك المجلس كل شي، حوربت الأحكام العرفية واجتثت من جذورها نوعا ما ، كان المجلس يجسد ديمقراطية حقيقية، ادركنا حينها اننا أمام مجلس نيابي حقيقي أعاد لنا الاذهان حقبة الخمسينيات، كنا ننتظر جلسات ذلك المجلس لنستمع إلى الراحل يوسف العظم صاحب مقولة كيف ستنهض دولنا وهي تخشى تجمعات الثلاث أشخاص وبسام حدادين يوم ان كان أشد المعارضين، الجميع اتفق على رجل دوله ليتبوأ رئاسة المجلس، شخصية وطنيه وهو المرحوم سليمان عرار.
لم تكن الحكومات آنذاك تضيق ذرعا بالعلن بمن انتقدها، ولم تفصل قوانين تكمم الافواه كقانون الاجتماعات العامه وقانون الجرائم الإلكترونية، شهدنا طروحات لو تمت لكنا ننافس الان اعتى الديمقراطيات في العالم، كان لدى صاحب القرار جدية في تقويم النهج السياسي والديمقراطي، تنافس الجميع لتقديم صوره ولا أبهى عن الواقع السياسي رافقه تشكيل حكومة برلمانية، لطبيعة المرحلة آنذاك وظروف الحرب التي خشي منها الجميع، وقد تشكلت تلك الحكومه من بعض اقطاب المعارضه فتسلم ابراهيم زيد الكيلاني وزارة الأوقاف وأبدع في بث الهمم إبان حرب الخليج فاعاد التلفزيون الأردني يوم ان كان واجهة اعلامية قوية ننتظر فيها اخبار الثامنه مساء بكل شغف أعاد مرارا وتكرارا خطب المرحوم الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني قبل أن نشهد تضييقا فيما بعد على الجمعة وخطبها وهي التي تأتي مطبوعه ليس على الخطيب سوى قراءتها.
تسلم آنذاك د. عبد الله العكايله ود. عدنان الجلجولي ويوسف العظم ومحمد فارس الطراونه وزارات عدة عبروا فيها عن قناعاتهم الفكرية، لم تكن احوالنا الماديه جيده لكنها كانت مستوره، رغم الحصار العربي وكوبونات الدعم، لكننا كنا نتنفس عبير الديمقراطية إلى حد ما،
لقد انتقل هذا الحراك الديمقراطي الذي شهد له القاصي والداني إلى اروقة الجامعات، فنشط الحديث عن لجنة تحضيرية لاتحاد عام لطلبة الاردن، كم أحببنا مناكفات ليث شبيلات وطاهر المصري في الإفطار الرمضاني الأول ومن الجامعة الاردنيه، كم كنا نترقب بشغف سجالات سياسيه، ومقالات صحفيه نتابعها باستمرار كنا نترقب اسبوعيه المرحوم زياد ابو غنيمه في شيحان، وننتظر ماذا تكتب منى شقير في الدستور، كانت ايام ولا أجمل قبل أن نشهد تراجعا في قانون الانتخاب وكيفية الاقتراع…
بدأنا كدولة اردنية آنذاك قيادة وشعبا خطوات حقيقية نحو الإصلاح السياسي الذي معه تصلح جميع المجالات الاقتصاديه والاجتماعيه وغيرها مما نحتاج للبناء.
كيف بدا التراجع في نهجنا ومن أين… يتبع في الحلقة الثانية
رئيس جمعية المحامين الشرعيين الأردنيين
عضو رابطة علماء الاردن
عمان
٢٠٢٠/١١/٢٨