وطنا اليوم:في عامي 2007 و2008، كان الكثير من الشبان السوريين يسافرون إلى لبنان أو دولةٍ أخرى، ويعملون هناك لعامين أو أكثر، ثم يعودون ومعهم نحو 10 آلاف دولار (500 ألف ليرة سورية حينها).
كان هذا المبلغ كفيلًا بتحصيل واحدٍ من أهم شروط الحياة بالنسبة للشاب السوري في حلب وهو المنزل مهما كان حجمه أو مدى شعبية المنطقة التي يوجد فيها، إذ إن المنزل المستقر كان شرطًا للزواج وإتمام الحياة في العادة الأصيلة داخل المدينة.
حتّى وفي حال استبعاد فكرة العمل خارج البلاد، فإن العمل داخل سورية كان كفيلًا بتأمين منزل مناسب للإمكانيات المالية ولكن في هذه الحالة تزيد سنوات العمل لتأمين المبلغ ذاته انطلاقًا من رخص أجور اليد العاملة في البلاد.
أمّا اليوم، فأصبح اقتناء أرخص منزل في حلب يحتاج إلى متوسّط راتب الموظّف أو العامل لنحو 10 أعوام متتالية على الأقل، وهذا يشمل المنازل الرخيصة التي تقع في مناطق المخالفات أو المناطق الشعبية الرخيصة.
من أبرز أسباب هذا الواقع هو الانخفاض الحاد لقيمة الليرة السورية، فقد أصبحت نحو 4000 ليرة تعادل اليوم دولارا واحدا، بينما كان كل دولار يعادل أقل من 50 ليرة، على ما يوضّح إيهاب الزين، وهو صاحب مكتب عقاري (سمسرة) في حي الشعار في حلب.
وقال الزين : “في الماضي كان شراء منزلٍ في منطقة شعبية أمرٌ متاح لأكثر من نصف الشبّان في مدينة حلب، ولا سيما أولئك الحرفيين الذين لديهم حرفة تدرُّ لهم دخلًا جيّدًا، ولكن اليوم انتهى هذا الأمر”.
ويرى أنه في السابق لم تكن هناك فجوة بين متوسّط الدخل الشهري وثمن المنزل، مضيفًا: “في السابق كان متوسّط الدخل 25 ألف ليرة سورية، وثمن المنزل الصغير في منطقة شعبية نحو 600 ألف ليرة، أما اليوم فمتوسّط الدخل أصبح 100 ألف ليرة شهريًا، ولكن المنزل الصغير ذاته أصبح سعره بين 13 – 15 مليون ليرة سورية في الحد الأدنى”.
وشرح أن هذا الواقع أدّى إلى ركود في سوق العقارات في مدينة حلب بشكل عام، وفي بعض الأوقات أدّى إلى تجمّده، وهو ما انعكس سلبًا على مكاتب السمسرة والمقاولين الذين انصرفوا بحثًا عن مهنٍ أخرى يحصّلون من خلالها قوت يومهم.
يحاول الشاب السوري عمّار، الذي يعمل منذ أربع سنوات بدوامين في اليوم الواحد، تجميع ثمن منزل في حلب، ولكنّه يفشل حتّى الآن، ويقر الشاب بخطئه لأنّه احتفظ بمدّخراته بالليرة السورية دون تحويلها إلى ذهب أو عملة أخرى، ما أدّى إلى هبوط قيمتها بشكلٍ كبير، وخسارته أكثر من نصف قيمة مدخراته.
يقول عمار : “في الوضع الطبيعي لم يكن شراء منزل صغير في حلب شاقًّا إلى هذه الدرجة، إذ كان يتطلب العمل لعدة سنوات مقابل الحصول عليه، ولكن الآن أصبح شبه مستحيل، حيث يتطلب العمل لأكثر من 10 سنوات”.
الفكرة الرئيسية التي كان يسعى عمار لتحقيقها تتمثّل في شراء المنزل، لأن ذلك سوف يضمن تأمين مأوى لأولاده، ولا سيما بعدما وصل عمره إلى 40 عامًا.
ويوضّح أنّه في نهاية المطاف أزال هذه الفكرة من رأسه نهائيًا، ولا سيما بعد التصاعد السريع لأسعار المنازل في الأشهر الأخيرة تزامنًا مع هبوط الليرة السورية.
حاول الشاب السوري عمّار، الذي يعمل منذ أربع سنوات بدوامين في اليوم، تجميع ثمن منزل في حلب، ولكنّه يفشل حتّى الآن
تمكّنت الخمسينية هالة، التي تعيش وحيدةً مع ابنتها الشابّة، من شراء منزل “رخيص” في حي الميسر، شرق حلب، ولكنّها اكتشفت بعد الشراء أن البناء متصدّع ولا يُنصح بالسكن فيه بسبب الخوف من انهياره في أي لحظة.
وخلال السنوات الماضية، سقطت عشرات المباني السكنية في حلب جرّاء تصدّعها على أثر الغارات الجوية الروسية العنيفة التي تعرّضت لها المدينة، ولا سيما بالقنابل الارتجاجية فائقة القدرة التدميرية.
تشرح هالة: “دفعت كل ما أملك للحصول على هذا المنزل، عندما وجدته للمرّة الأولى سارعت لشرائه، لأن سعره كان رخيصًا، وأخبرني مالكه بأنّه يريد البيع من أجل السفر، ولكنّني لم أكن أعرف ما سيواجهني”.
دخلت الخمسينية اليوم في متاهة واسعة تتعلّق بتوقيت إزالة المبنى وآلية التعويض، وهي عملية قد تستغرق سنواتٍ طويلة.