هيئة النزاهة وحوكمة القطاع العام

23 ديسمبر 2024
هيئة النزاهة وحوكمة القطاع العام

وطنا اليوم_بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينة

تحدثت في المقال السابق عن العدالة والنزاهة نهج كل مسؤول وموظف، وهو توجيه ومطلب ملكي سامٍ وعلى جميع الدوائر الالتزام به والعمل بموجبه. وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد مشكورة نظمت احتفالاً بهذا تحت رعاية دولة رئيس الوزراء بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الفساد، حيث أفاد عطوفة رئيس مجلس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الدكتور مهند حجازي عن تراجع حجم قضايا الفساد بنسبة 41% عن العام الماضي، وهذا إنجاز كبير وغير مسبوق يسجل للهيئة.

أما على صعيد التحديث الإداري، أضاف الباشا أن الهيئة تعمل من أجل الوصول إلى إدارة نزيهة شفافة مستندة إلى توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أعز ملكه، بضرورة ارتقاء الإدارة العامة الكفؤة والقادرة على تقديم الخدمات النوعية للمواطنين بعدالة ونزاهة، ومستندة أيضًا إلى أحكام قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم “13” لسنة 2016 وتعديلاته، وبالذات نص المادة الرابعة منه، التي حددت أهداف الهيئة بالعمل على ضمان الالتزام بمبادئ النزاهة الوطنية ومكافحة الفساد، من خلال تفعيل منظومة القيم والقواعد السلوكية في الإدارة العامة، وضمان تكاملها، وكذلك التأكد من أنها تقدم الخدمة للمواطنين بجودة عالية وبشفافية وعدالة، إضافة إلى التأكد من التزامها بمبادئ الحوكمة الرشيدة ومعايير المساواة والجدارة والاستحقاق وتكافؤ الفرص، وغير ذلك من المبادئ التي تصب في نهاية المطاف في خانة الالتزام بسيادة القانون وخدمة المواطنين.

وفي هذا المقام، فإن مجلس الهيئة يحث موظفي الدولة على أن يكونوا على درجة عالية من الشجاعة باتخاذ القرارات، لأن الأيادي المرتجفة والمترددة تعيق إنجاز الخدمات المطلوبة منهم، وتهز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة. فالإدارة الكفؤة الجريئة التي تمارس عملها وفقاً للتشريعات الناظمة هي التي تكون قادرة على اتخاذ القرارات بشفافية، ليساهم ذلك في دفع عجلة التنمية وخلق فرص الاستثمار. فلا للتردد، ولا للأيدي المرتجفة، ولا للفساد، ونعم للنزاهة وسيادة القانون.

كما تضمن الاحتفال بشقه الثاني حوارًا حول الحوكمة وتطوير القطاع العام، وهذا العنوان جاء استجابة وترجمة لنداء جلالة الملك عبدالله الثاني وتوجيهاته الملكية في نفس خطاب العرش السامي حيث تحدث: “ولا بد من الإسراع في تحديث القطاع العام، وصولًا إلى إدارة عامة كفؤة وقادرة على تقديم الخدمات النوعية للمواطنين.”

ولذلك، عندما نتحدث عن حوكمة القطاع العام، فإنه يجب على الحكومة من خلال وزارة القطاع العام أن تعمل على تحديث القطاع العام تجاوبًا مع مطلب جلالة الملك من خلال تحسين مستوى الإدارة عبر تبسيطها بما يفضي إلى سرعة إنجاز المعاملات الإدارية في كافة وزارات ومؤسسات الدولة الأردنية دون تعقيدات، وأن تتجاوز ثقافة البيروقراطية التي تعودنا عليها بوضع العقبات والمعوقات أمام المواطن لإنجاز معاملته بسهولة ويسر وبسرعة قدر الإمكان، بعيداً عن ثقافة الدوران من مكتب إلى مكتب، وترحيل إنجاز المعاملة من يوم إلى آخر.

وهذا طبعًا يحتاج، كما تحدث جلالته، إلى إدارة عامة كفؤة وقادرة على تقديم الخدمات النوعية للمواطنين. تنفيذ هذا المطلب يقع على عاتق مسؤولية المؤسسات الرقابية التي يتوجب عليها تفعيل دورها الرقابي بكل جدية وحيادية ونزاهة، من خلال جولات تفتيشية للتأكد من قدرات القيادات الإدارية، وكفاءتهم، ومدى انسجام قدراتهم وتخصصاتهم مع المواقع التي يتولونها، ومدى التزام القيادات الإدارية العليا بتطبيق معايير النزاهة والشفافية والعدالة في اختيار القيادات الوسطى ضمن مبدأ المنافسة المفتوحة لمن هم أهل لها، أو يجد في نفسه الكفاءة والخبرة في إدارة هذا الموقع بكل كفاءة واقتدار.

وكلنا يعلم أن هناك الكثير من الترقيات والتعيينات المكشوفة والمفضوحة على أساس الواسطة والمحسوبية والمعارف، ومثل هذه التعيينات تكون بمثابة قوى الشد العكسي لإنجاح منظومة التحديث والتطوير الإداري بما يحسن مستوى الخدمات النوعية المقدمة للمواطنين. كلنا يلحظ يوميًا حجم شكاوى المواطنين من هذه الناحية، وحجم الأخطاء التي تقع وتتسبب بخسائر إما بشرية أو مادية، وحجم وعدد اللجان التي تشكلت للتحقيق بهذا الخصوص ولم تخرج علينا بأي توصيات.

احتفال هيئة النزاهة ومكافحة الفساد كان عبارة عن تظاهرة احتفالية تبعها جلسة إقليمية حول الحوكمة وتطوير القطاع العام، شارك فيها متحدثون من خمس دول عربية وهم مدراء عامون لمكافحة الفساد في بلدانهم مثل مصر وفلسطين ولبنان وتونس والأردن. تحدثوا عن تجارب بلدانهم بالحوكمة وتطوير القطاع العام ومكافحة الفساد في بلدانهم.

هذه التظاهرة تجربة تثري التشابك بين البلدان الإقليمية لتبادل الخبرات والمعارف في هذا المجال. فالفساد الإداري لا يقل أهمية عن الفساد المالي، لأن الفساد المالي هو الاعتداء على المال العام للدولة دون وجه حق مشروع، والذي هو مال الشعب في النهاية، بينما الفساد الإداري هو التعدي على حقوق الموظفين سواء من حيث التعيين أو الترقية أو أي حقوق إدارية أخرى.

وختامًا، أقول لقد حان الوقت للمؤسسات الرقابية أن تخرج عن صمتها في دورها الرقابي ومحاسبة أي تجاوزات أو أي تعسف باستعمال السلطة أو الصلاحيات بكل جرأة وجزم، حتى نصل إلى المبتغى الملكي المنشود بإدارة كفؤة ضمن معايير العدالة والنزاهة الوطنية. فالهيئة ماضية بعزم وتصميم للوصول بالأردن إلى بيئة نزيهة خالية من الفساد بشتى أشكاله.

وللحديث بقية.