وطنا اليوم:أجج الدمار الهائل الذي لحق بمحطة التوليد الكهربائي بشمال الخرطوم، والذي جاء بعد أقل من 24 ساعة من قصف مصفاة النفط الرئيسية بمنطقة الجيلي، المخاوف من المآلات الكبيرة الناجمة عن التدمير الكبير للبنية التحتية نتيجة الحرب المستمرة في البلاد منذ منتصف أبريل 2023.
ووفقا لتقديرات غير رسمية فإن خسائر الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمنشآت العامة منذ بداية الحرب في السودان تتراوح بين 120 إلى 150 مليار دولار حتى الآن.
ويزيد الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية والمنشآت والممتلكات العامة والخاصة في الخرطوم ومناطق أخرى من البلاد من الأعباء الاقتصادية والمالية المترتبة عن الحرب، في وقت تتدهور فيه الأوضاع الاقتصادية في البلاد بشكل مريع حيث يتراجع الناتج القومي بقرابة النصف، كما تآكلت العملة الوطنية بشكل كبير حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا فوق 1800 جنيه مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب.
دمار كبير
في أحدث عملية قصف تطال المنشآت العامة، تعرضت محطة بحري الحرارية التي تسهم بنحو 17% من إنتاج البلاد للكهرباء والمقدر بنحو 1900 ميغاواط، صباح السبت، لحريق هائل دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه في وقت تشهد فيه الخرطوم تبادلا عنيفا للقصف بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ومنذ بداية الحرب فقد السودان أكثر من 70% من طاقة إنتاج الكهرباء، والتي كانت أصلا تغطي فقط نحو 60% من احتياجات البلاد المقدرة بـ3500 ميغاواط.
ومنذ اندلاع القتال العام الماضي، تعيش معظم أحياء الخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى ظلاما كاملا، حيث تعرضت محطات الإنتاج وشبكات الإمداد إلى تدمير كبير، كما أدى الضغط الزائد على الأحمال القليلة التي لا تزال تعمل إلى خروج مناطق عديدة من الخدمة أيضا.
وإضافة إلى تعطل الخدمات المتعثرة أصلا بسبب نقص الكهرباء؛ تتزايد المخاوف من أن يفاقم انقطاع الكهرباء من المشكلات الصحية الكبيرة التي تعاني منها البلاد حيث تشير تقارير إلى ارتفاع معدلات الوفيات في المستشفيات لأسباب تتعلق بنقص الكهرباء.
قطاعات واسعة
إلى جانب الخسائر البشرية بين المدنيين، التي تقدرها بيانات الأمم المتحدة بأكثر من 16 ألف حالة وفاة؛ وعشرات الآلاف من الجرحى؛ فقد أحدثت الحرب دمارا هائلا في البنى التحتية في البلاد، فإلى جانب خسائر المجهود الحربي وتدمير الترسانة العسكرية والمقدرة بنحو 500 مليون دولار شهريا، فقد شملت خسائر الحرب بنى أساسية مادية كالجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمباني العامة والقطاعات الإنتاجية والصناعية والأسواق، إضافة إلى دمار منازل وممتلكات المواطنين، وتكلفة التدهور والتلوث البيئي.
والحق القصف الجوي والمدفعي المكثف دمارا جزئيا وكليا بنحو 15% من المباني السكنية و40% من الأسواق و60% من المباني والمنشآت الحيوية بالعاصمة، من بينها القصر الرئاسي وأجزاء من القيادة العامة للجيش وعدد من المتاحف والمباني التاريخية والوزارات والهيئات الحكومية والخاصة التي احترق بعضها بالكامل.
وتعرضت أكثر من 70% من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا الحكومية والأهلية في الخرطوم لتخريب كلي أو جزئي.
ووضع الدمار الكبير الذي تعرضت له المستشفيات والمنشآت العلاجية القطاع الصحي أمام خطر الانهيار الكامل بعد خروج أكثر من 80% من المستشفيات عن الخدمة تماما، وقدر وزير الصحة حجم التمويل اللازم لإعادة تأهيل القطاع بنحو 11 مليار دولار.
وتعرضت البنية الصناعية في البلاد؛ إلى دمار وتخريب كامل، واعتبر خبراء أن القطاع الصناعي هو الأكثر تأثرا حيث تشير التقديرات إلى فقدان نحو 80% من وحداته الانتاجية بعد الاضرار الكلية والجزئية التي لحقت بأكثر من 600 مصنع، منها 400 في الخرطوم وحدها، وفق بيانات اتحاد اصحاب العمل السوداني.
وبعد الحرب خرج أكثر من 70% من فروع البنوك العاملة في البلاد والبالغ عددها 39 بنكا حكوميا وتجاريا.
وفقا للخبير الاقتصادي وائل فهمي فإن إصلاح الدمار الذي لحق بالبنى التحتية العديدة والمنشآت العامة يحتاج إلى أكثر من 120 مليار دولار إذا توقفت الحرب الآن، مقدرا إجمالي خسائر الحرب حتى الآن بأكثر من 500 مليار دولار بدون عمل تقديرات للدمار التي يمكن تكون قد أحدثته الهجمات التي وقعت خلال الفترة الأخيرة.
وأوضح فهمي أن الخسائر لا تتوقف على دمار البنى التحتية والمنشآت الإنتاجية فقط، بل يضاف إليها الإنفاق العسكري الضخم والذي اقترب، وفق مصادر دولية، من 200 مليار دولار بعد عام، دون الثلاثة اشهر الإضافية على عام الحرب. وأضاف “تتعرض البيوت والأسواق والمصانع والمنشآت المدنية والحربية، وخطوط البترول والكهرباء والمياه والمستشفيات والمؤسسات الخدمية لدمار واسع في ظل الحرب الحالية”.
تداعيات سياسية وقانونية
يتزايد الجدل حول الدوافع السياسية والعسكرية التي تقف وراء عمليات التدمير التي تطال البنية التحتية والتداعيات القانونية التي يمكن أن تنجم عن تلك العمليات.
ويشير الأكاديمي والمحلل السياسي الأمين بلال إلى تزايد معدلات استهداف البنية التحتية الحيوية منذ اندلاع الحرب مما عرضها للتدمير بشكل كامل سواء بقصد أو عن طريق الضربات العشوائية من طرفي الحرب.
ويقول “إهلاك البنية التحتية يأتي بسبب إصرار أطراف الحرب على تحقيق النصر العسكري ولو كلف ذلك إهدارا للموارد البشرية والمادية”.
واعتبر بلال أن استهداف البنى التحتية الحيوية جريمة كبرى، ليس فقط باعتباره تصعيداً نوعياً يُطيل أمد الصراع ويُعرقل جهود التسوية السياسية المتوقعة، بل لأنه يحول التجاذبات والاتهامات المتبادلة بين أطراف الحرب في شكل خطاب قائم على تجريم كل طرف للآخر، مما يعني صعوبة إثبات المتورط منهما.
ومن جانبه، ينبه الخبير القانوني هشام أبوريدة إلى أن القانون الدولي ينص في حالة النزاعات المسلحة الحديثة على اتخاذ التدابير الاحتياطية اللازمة في الهجوم.
ويوضح “تنص المادة 57 من البروتوكول الدولي الإضافي على قاعدة تمنع استهداف المدنيين أو الأعيان المدنية بما في ذلك البنية التحتية والمنشآت العامة”.
تبعات
بسبب الحرب انكمش الناتج القومي بأكثر من 40%، وتقلصت الإيرادات العامة بنحو 80% لتعتمد على طباعة النقود مع غياب التمويل الدولي، في ظل انهيار المصارف والمشاريع الإنتاجية التي يعتمد عليها الاقتصاد المحلي في تمويل الإيرادات.
وفقا لما وصفها الخبير الأممي ووزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي بالتقديرات الواقعية فإن الحرب جرفت 20% من الرصيد الرأسمالي للبنية الاقتصادية التحتية المقدر بنحو 550 مليار دولار.
تتفاقم خسائر البنية التحتية أكثر بسبب ثقل مساهمة الولايات الأكثر تأثرا بالحرب في الناتج المحلي الإجمالي، وهي العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة ودارفور وكردفان وسنار والنيل الأبيض حيث تتركز فيها معظم قواعد الإنتاج والبنى الأساسية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد السوداني.
تعاني أكثر من 60% من مناطق البلاد شحا كبيرا في إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الاتصالات بعد أن دمر القتال الكثير من المنشآت والشبكات الرئيسية.