ستراتيجيكس يكتب: العناصر النادرة والاستراتيجية في الأردن بين الفرص المتاحة والتحديات الماثلة

3 أغسطس 2023
ستراتيجيكس يكتب: العناصر النادرة والاستراتيجية في الأردن بين الفرص المتاحة والتحديات الماثلة

وطنا اليوم: يسعى الأردن لإحداث تحول حقيقي في قطاع التعدين، من خلال محاولة استكشاف “العناصر الأرضية النادرة والاستراتيجية”، وتطوير عمليات التنقيب والتعدين والصناعات التحويلية للعناصر اللافلزية. في وقت تكتسب فيه العناصر النادرة والاستراتيجية مكانة كبيرة في الجيوسياسية العالمية بوصفها ركيزة “الثورة الصناعية الرابعة” القائمة على الأتمتة والتقنية والذكاء الاصطناعي والتحول الأخضر والتكنولوجيا العسكرية، حتى باتت تلك المعادن تكافئ النفط الذي كان عماد الثورة الصناعية الثالثة، والكهرباء في الثورة الصناعية الثانية وطاقة البخار في الثورة الصناعية الأولى.

ومن شأن دخول الأردن لسوق المعادن النادرة والاستراتيجية، أن يضمن له مقعداً في “صناعات المستقبل”، ويُعيد تعريف قوته الجغرافية ومكانته الجيوسياسية ودوره الاستراتيجي على الصعيد الإقليمي والدولي في ظل التركيز المحدود لانتشار تلك المعادن حول العالم وارتفاع الطلب عليها بشكل غير مسبوق. لكن ذلك مرهون بمعالم خريطة المخزون الأردني من تلك المعادن، واعتماد استراتيجية شاملة لضمان وصول الأردن إلى الريادة في قطاعات المناجم والمعادن، والتي تتطلب التغلب على العديد من التحديات المحلية والخارجية.

توسع الأردن في قطاع التعدين حاجة مُلحة
منذ أولى الاكتشافات للمعادن الأرضية في الأردن عام 1903، كانت غالبية عمليات التنقيب والتعدين ترتكز على المعادن اللافلزية والطينية من فوسفات وبوتاس وملح وكربونات الكالسيوم والزيوليت والسليكا والحجر الجيري ومنتجات المحاجر. وقد نما قطاع التعدين بشكل كبير إذ بلغت صادراته حوالي 145 مليار دينار أردني خلال السنوات العشرين السابقة. ولم تكن المعادن النادرة والاستراتيجية تلقى اهتماماً في عمليات التنقيب والتعدين، حتى أدرجت رؤية التحديث الاقتصادي، قطاع المعادن بأنه ذو قيمة صناعية عالية، سيتم العمل على مضاعفة مساهمته من الناتج المحلي الإجمالي، ورفع قدرته التصديرية إلى 5 مليارات دولار بحلول العام 2033.

ومن هنا؛ أصبح استكشاف الثروات المعدنية وتحديد العناصر النادرة والاستراتيجية منها ودراسة جدواها الاقتصادية وثم استخراجها؛ أمراً بالغ الأهمية نظراً للمرحلة الصعبة التي يمُر بها الاقتصاد الأردني، ولا سيما في ظل العديد من “الدراسات العملية والتخمينية” التي توصلت إلى وجود وُفرة من الثروات المعدنية في الأردن، وهي النتائج التي تسعى الحكومة اليوم للتأكد من حقيقتها وجدواها الاقتصادية.

فقد عمدت الحكومة على تقسيم المملكة إلى ثمان مربعات تعدينية، في شمال وجنوب ووسط البلاد، ووقعت وزارة الطاقة والثروة المعدنية مع شركات متخصصة في التنقيب والاستكشاف لإجراء الدراسات الجيوكيميائية والتنقيبية الخاصة في العناصر النادرة والعناصر الاستراتيجية من ذهب ونحاس وليثيوم، فمنذ العام 2022، وقعت الوزارة الطاقة والثروة المعدنية عشر مذكرات تفاهم منها:
– مذكرة تفاهم مع القوات المسلحة الأردنية مطلع العام 2022، للتنقيب عن العناصر النادرة والاستراتيجية وتُركز في عملياتها على استكشاف الليثيوم في منطقة دبيديب جنوبي المملكة.

– مذكرة تفاهم مع الشركة العربية للتعدين في يناير 2022، للتنقيب عن الليثيوم في منطقة لسان بالبحر الميت.

– مذكرة تفاهم مع شركة تجانس لتملك وإقامة المشاريع التجارية في أبريل 2022 لوضع خارطة تحدد اهم المعادن التي يمكن الاستثمار فيها.

– مذكرتي تفاهم مع شركة سولفيست التركية في أبريل ويونيو 2022، للتنقيب عن خامات النحاس والذهب في منطقة أبو خشيبة جنوبي المملكة.

– مذكرة تفاهم مع الشركة الأردنية المتكاملة للتعدين والتنقيب في يونيو 2022، لاستكشاف النحاس في منطقة ضانا.

– في يناير 2023 وقعت مذكرتي تعاون مع الشركة العربية للتعدين، للتنقيب عن الليثيوم في منطقة فينان بوادي عربية، وعن الذهب في منطقة جبل مبارك في العقبة.

– بدأت وزارة الطاقة في يناير 2023 التنقيب عن العناصر الفلزية في منطقة سمرة الطيبة في وادي عربة.

– في يوليو 2023 وقعت مذكرة تفاهم مع شركة البوتاس العربية لاستكشاف توفر معدن الليثيوم من مناطق عمل الشركة.

الفرصة السانحة لقطاع التعدين في الأردن
كُشف مطلع العام 2023؛ وفق تصريحات وزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة، عن نتائج واعدة لعمليات التنقيب عن العناصر النادرة والاستراتيجية من النحاس والليثيوم والذهب بالإضافة إلى الزنك والرصاص في جنوب المملكة. إذ أشارت الاختبارات الأولية عن توفر تراكيز عالية للعناصر الفلزية في منطقة سمرة الطيبة. كما أظهرت نتائج شركة “سولفيست” عن وجود احتياطيات من النحاس في منطقة أبو خشيبة تقدر بنحو 117 ألف طن، وقد تتجاوز المليون طن مع توسيع عمليات الاستكشاف، وهناك آمال واعدة بوجود تراكيز عالية من الليثيوم في منطقة دبيديب، وتُرشح عدد من الدراسات أن البحر الميت يحتوي ما يقرب من 9% من احتياطات الليثيوم غير المعالج عالمياً.

ومن شأن الاستمرار في تحقيق تلك النتائج، ثم المضي قدماً في استخراجها، أن يضع الأردن على خارطة التعدين العالمية، ويساعده على تحقيق تنمية اقتصادية وتكنولوجية لعقود قادمة. فتلك العناصر اليوم مماثلة لحالة النفط قبل عقود مضت؛ تتسابق الدول لاستخراجها والتفوق في استخدامها.

من حيث المبدأ؛ جاء اهتمام الأردن في العناصر النادرة متأخراً مقارنة بدول أخرى تنتجها منذ عقود، أما من حيث التوقيت؛ فإن اللحظة الجيوسياسية الراهنة تتيح لدول جديدة دخول سوق العناصر النادرة وذلك لعدة عوامل من بينها:

أولاً: تشتد الحاجة للعناصر النادرة لوقوعها في قلب التحول التقني والأخضر وتحديداً عنصري الليثيوم والنحاس، فالأول يعد مكون أساسي في الصناعات الخضراء مثل السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية، والنحاس يعتبر حجر الزاوية في الكهرباء والصناعات التكنولوجية من هواتف وحواسيب وغيرها. ويعتقد أنه في ظل زيادة الطلب أن يواجه كل من الليثيوم والنحاس نقصاً في المعروض بواقع 50% و80% على التوالي بحلول العام 2030. ووفقاً لدراسة صادرة عن جامعة لوفان الفرنسية، فقد تواجه أوروبا خلال السنوات الـ 15 القادمة “نقصاً حاداً” في الليثيوم والنحاس.

ثانياً: تنخرط الدول الغربية لا سيما الحليفة للأردن والتي تجمعها اتفاقيات تجارة حرة وشراكات اقتصادية معها ببرامج للتحول الأخضر، فقد أصدر الاتحاد الأوروبي في عام 2022 قانوناً يُحظر بموجبه بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالوقود بدءاً من عام 2035. ويستهدف قانون “خفض التضخم الأمريكي” الذي وقع عليه الرئيس جو بايدن في 2022، خفض انبعاثات الكربون بنسبة 40% بحلول العام 2030، ويوفر تمويلاً يبلغ 369 مليار دولار لدعم سياسات المناخ وأمن الطاقة.

ثالثاً: توفر المنافسة الجيوسياسية العالمية لا سيما بين الولايات المتحدة والصين، الفرصة لدول مثل الأردن بالاستفادة من مساعي الدول المتقدمة في البحث عن تنويع مصادرها من العناصر النادرة والاستراتيجية، خاصة بعد أن اختبرت الدول الأوروبية مخاطر الاعتماد على الغاز الروسي إبان الأزمة الأوكرانية، ومعاناتها في تلبية الطلب المتزايد في شتاء ذلك العام. ولذلك يُمكن ملاحظة سعي الدول الغربية إلى توطين قطاعات المناجم والتعدين وتنويع وارداتها منها، فقد أدرجت إدارة الرئيس بايدن سيطرة الصين على سوق المعادن النادرة ضمن تقييمها السنوي للتهديدات عام 2023. ويرجح أن تكتسب تلك الخطوات زخماً مضافاً في ضوء التوترات الجيوسياسية مع الصين بشأن تايوان. فيما تمنع “الاستراتيجية الأوروبية للمعادن الحرجة” دول الاتحاد استيراد أكثر من 65% من تلك المعادن من مصدر واحد.

رابعاً: تقلصت السيطرة الصينية على سوق العناصر الاستراتيجية من 90% إلى 60% حالياً، وهو ما خلق فجوة في السوق قد تستمر لسنوات. لكنها تفسح المجال واسعاً أمام دول جديدة للمشاركة في ملئ الفراغ الناتج عن تراجع الصين.

خامساً: تقدم الولايات المتحدة حوافز للشركات المستوردة للعناصر النادرة والاستراتيجية من البحث عن الأسواق الحليفة لواشنطن، وتلك التي تربطها معها اتفاقيات تجارة حرة، حيث يقدم قانون “خفض التضخم الأمريكي 7500 دولار، لمن يقتني مركبة كهربائية تكون مصادر المعادن النادرة المستخدمة في تصنيعها إما محلية أو من قبل الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، مما يضع الأردن الذي يمتلك اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة منذ عام 2000 في مرتبة متقدمة مُقارنة بدول الاتحاد الأوروبي واليابان التي لا تجمعهما اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة.

مع ذلك؛ ينطوي استخراج العناصر النادرة والاستراتيجية على تحديات عدة، من جهة تكلفة استخراج تلك العناصر وما إذا كانت ستعود بقيمة مضافة إلى الاقتصاد الأردني، ومن جهة عواقبها البيئية وتداعياتها على المجتمعات المحلية، وهي تحديات على الأردن التعامل والتعاطي معها قبل الحديث عن فوائد عوائد عمليات التنقيب والتعدين.