وطنا اليوم – ما لا يقوله في الشكل والمضمون والتوقيت استطلاع الجامعة الأردنية الجديد المعلن ظهر الثلاثاء أهم وأخطر بالمدلول السياسي مما تقوله أرقام الاستطلاع نفسه علنا إذا ما أخذت بالاعتبار الحسابات الاقتصادية والمعيشية والأسئلة الحائرة في وجدان الرأي العام تجاه مرحلة بدأت فيما يبدو الحكومة الحالية تتعرض للضغط وأحيانا للنهش فيها.
أرقام وبيانات مثيرة أعلنها مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية بمناسبة مرور عامين ونصف على تشكيل حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة.
وقد تبقى تلك مجرد أرقام لكن عند تسييسها يمكن رصد مفارقات توحي بأن مراكز القوى في الدولة والمؤسسات الأكاديمية قد لا تكون متفقة على مساحات التقييم والتشخيص وقد يذهب بعضها باتجاه الضغط لصالح آلية تغيير وزاري.
بكل حال بعض الأرقام والبيانات صادمة خصوصا تلك التي يقر فيها باسم الشعب الأردني 75% من أفراد العينة المستطلعة بحثيا بأن المجتمع الأردني ليس سعيدا وهو أمر سبق أن أثار انشغالات الأردنيين تماما وعدة مرات بسبب معدل التعاسة.
بالمقابل يفتي الاستطلاع بأن 63% من الأردنيين يقدرون بأن رئيس الوزراء الحالي غير قادر على تحمل المسؤوليات و69% منهم غير متفائلين بالحكومة الحالية.
يسأل خبراء: هل توجيه أسئلة من نمط يقود إلى هذه الخلاصات الرقمية مجرد محطة علمية محايدة أم محاولة ضغط لطرق مفاصل الطاقم الوزاري الحالي ودفع القرار لتغييره؟
طبعا من الصعب التكهن بإجابة على مثل هذا السؤال خصوصا في ظل الحقيقة الرقمية المقابلة التي يقرر فيها 87% من المستطلعة آراؤهم أنهم يشعرون بالأمن في المجتمع ومقابل هؤلاء 60% غير متفائلين بمستقبل الاقتصاد.
أرقام تقول الكثير خصوصا وهي تصدر عن مركز الدراسات الأعمق والأهم والمعتمد في معادلات رسم السياسات وبعد نحو 6 أشهر من مواجهة سابقة على أرقام أقل حدة بين الحكومة والمركز نفسه.
الصدمة الرقمية الأكبر تلك التي يظهر فيها أن 1% فقط من الأردنيين يفكر في الانضمام للأحزاب السياسية.
وهو رقم أكثر من بائس ويعكس أزمة حقيقية في العقل الجمعي للرأي العام ويبرز بدراسة علمية بعد أكثر من عام وعدة أشهر من الضخ السياسي والاستهلاكي الإعلامي لإقناع الشارع بأن البلاد تتجه نحو مسيرة حزبية قوامها مشروعا تحديث المنظومة السياسية والتمكين الاقتصادي.
قد تعكس أرقام الاستطلاع مواجهة خفية بين بعض مراكز القوى في الدولة وقد تعبر عنها لكن عند تسييس لغة الأرقام يمكن التوصل إلى خلاصة فكرتها بأن العمل البحثي يضغط باتجاه تحميل حكومة غير محظوظة، وتشكلت في ظرف الفايروس كورونا الاستثنائي، مسؤوليات أكبر من صلاحياتها وفرصتها.
أغلب التقدير أن الحكومة الآن وجراء تعقيدات سياسية وإقليمية واقتصادية وتحديات داخل الطاقم جبهتها أضعف من أن تشتبك مع الاستطلاع أو ترد على الأرقام، لكن الاستطلاع المثير يقرع بعض الأجراس الوطنية بصرف النظر عن نواياه تجاه الحكومة أو رسائله بخصوصها.
شعور الأردنيين عموما وبنسبة كبيرة بالتعاسة أو بأنهم غير سعداء محطة واجبة الوقوف والتأمل.
واقتصار النسبة التي تهتم بالعمل الحزبي رغم كل ضجيج التحديث على 1% فقط رسالة أعمق للدولة تقول ضمنا بأن المشكلات أكبر بكثير ما يتخيله صناع القرار أو مما يفرد على طاولتهم لأن هذا الرقم يؤسس لنقص حاد ومرعب بالسياق في مصداقية الخطاب التحديثي الرسمي وإن كان مختصا بجزئية العمل الحزبي.
القدس العربي