هل ستتطور الحرب الأوكرانية لنووية؟ أم هو مجرد تهديد تكتيكي لبوتين؟

22 سبتمبر 2022
هل ستتطور الحرب الأوكرانية لنووية؟ أم هو مجرد تهديد تكتيكي لبوتين؟

د. حسين البناء

اختتم الرئيس الروسي أمس خطابه بتهديد واضح حيث قال: “روسيا تمتلك قدرات نووية تتفوق حتى على ما يمتلكه حلف الناتو، سوف نستخدم كل قدراتنا العسكرية في حال تهديد وحدة روسيا وشعبها، هذه ليست مزحة” … جاء ذلك بعد إعلان التعبئة الجزئية لتجنيد قوة الاحتياط في روسيا.

لقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية السلاح النووي ضد اليابان عام 1945 لإنهاء الحرب العالمية الثانية بأي ثمن، وهذا يجعل الأمر جزءًا متوقعًا من حروب العالم، ولا يمتلك أحد حق منح أو منع ذلك على أحد في العالم دون غيره، في ذات الوقت الذي تبدو فيه هيئة الأمم المتحدة مختطفة من اللاعبين الكبار، ولا يؤمل منها منع احتلال أي دولة ولا تحرير أي أحد في هذا العالم، والشواهد كثيرة عبر العقود الماضية.

حارب الاتحاد السوفييتي لعشرين عامًا في أفغانستان، وبذات المدة حاربت الولايات المتحدة هناك، وكذلك في العراق، فقضية استمرار أي حرب لعقد أو أكثر لهو من الأمور الواقعية ما دام الهدف قائمًا لم يتحقق.

في ضوء ذلك، فمن الجيد التنبه أن الاتحاد الأوروبي والعالم يعلم يقينًا بأن روسيا ذاهبة لضم إقليم دونباس وإجراء استفتاء فيه بأي ثمن ومهما بلغت الخسائر الروسية.

الحقيقة أن الغرب يحارب روسيا على الأرض الأوكرانية وعلى حساب دماء الشعب الأوكراني كضحية لقيادته التي تغفل طبيعة القوى والمصالح الدولية، والانضمام للناتو كان صاعق الاشتعال الأخير في صراع القوى.
بذات الوقت فإن الجميع يعلم بأن روسيا لن تسمح بهزيمتها أو تقسيمها أبدًا ولن تتردد بإحراق الكون قبل حدوث ذلك والسلاح النووي يضمن الحسم، أما العقوبات الاقتصادية ضد روسيا فقد تؤخر التقدم على الأرض لكنها لن تمنع التقدم في الخطة؛ فهناك ملفات حرجة كسعر النفط والغاز والحبوب والأسمدة يتم التعويل عليها في إدارة الأزمة من طرف موسكو.

إن حرب استنزاف روسيا وتبديد قدراتها مع طول مدة الحرب هو أمر وارد، لكن روسيا تمتلك من الموارد والطاقات الكافية لتعويض الخسارة بسرعة، وعلى العكس فإن إطالة أمد الحرب سيدفع ثمنه الشعب الأوكراني الطيّب كضحية لصراع عالمي أكبر من أوكرانيا ذاتها.

لا أفق مشاهَد لنهاية الصراع سوى بضم دونباس لروسيا بعد استفتاء سيؤيد ذلك، وما دام (فلاديمير بوتن) رئيسًا، وعقلية (ألكسندر دوغين) تسكن الكرملين، فلا مجال للتراجع أو عودة الزمن لما قبل غزو أوكرانيا، فالحرب بدأت وهي قابلة للتطور كحرب نووية متى شعرت موسكو بأنها وصلت لطريق مسدود وأن انهيارها بات واردًا في ظرف ما، الغرب لا يخسر شيئًا اليوم سوى كلفة الطاقة ورفاه الشعوب الأوروبية في الشتاء القادم، وهو يقامر بأوكرانيا كضحية يفترض أن تبقى طرفًا محايدًا في صراع قديم بين قوى العالم المتنافسة.

موسكو تراهن اليوم على فصل شتاء قاسٍ سيضغط على صاحب القرار الأوروبي الحريص على دفء ورفاه الناخبين لديه، وتراهن على الردع النووي حتى لا يذهب الغرب بعيدًا في تحطيم إرادة الكرملين، أما الغرب فإنه يراهن على استنزاف وهزيمة روسيا عبر إمداد واسع للسلاح النوعي تجاه كييف، وفي كل السيناريوهات فإن الإنسان الأوكراني سيدفع الثمن، وليس من الوارد القبول بفشل أهداف بوتين في دونباس، وبأي ثمن.

د. حسين البناء
أكاديمي وكاتب بالاقتصاد السياسي
الأردن