الخبير موسى الصبيحي
حذارِ من عواقب التقاعدات المبكرة يا حكومة.!
يجب أن يكون لمجلس الأمة بشقّيه الأعيان والنواب موقف حازم من سياسة الحكومة والمؤسسات العامة في الإحالات القسرية على التقاعد المبكر لموظفي القطاع العام.
الموضوع لم يعد شأناً حكومياً، بل هو موضوع يمسّ العديد من أبناء المجتمع واستقرارهم، ولقد قلت وحذّرت عشرات المرات من خطورة هذه السياسة التي أودت حتى الآن بما يزيد على (27) ألف موظف عام خلال الست سنوات الفائتة إلى مهاوي التقاعد المبكر المخفّض رغماً عنهم، وأودت بجزء منهم إلى مهاوي الفقر بشقيه المطلق والمدقع.!
سياسة التقاعدات المبكرة المفرِطة التي انتهجتها الحكومات الأردنية الثلاث الأخيرة بصورة صارخة قادت وستقود حتماً إلى عدة نتائج وعواقب:
أولاً: إفقار أعداد كبيرة من المواطنين “الموظفين وعائلاتهم” بسبب تراجع دخلهم من راتب الوظيفة ومكافآتها إلى راتب التقاعد المبكر المخفّض مدى الحياة، حيث يفقد معظمهم ما بين 30% إلى 50% من دخله، في وقت هم بأمسّ الحاجة فيه إلى تعزيز دخلهم بسبب تزايد التزاماتهم المعيشية وإنفاقاتهم على التعليم الجامعي لأبنائهم وأقساط القروض السكنية وغيرها.
ثانياً: زيادة الاحتقان النفسي لدى ضحايا التقاعد المبكر القسري، بسبب شعورهم بالظلم، وما ينجم عن ذلك من غضب وعدم رضا، وإضعاف شعلة الانتماء في نفوسهم ونفوس أفراد أُسرهم.
ثالثاً: زيادة معدّلات البطالة في المجتمع، فالذين حُرموا من وظائفهم وأعمالهم مبكراً سيلجأون إلى البحث عن فرص عمل جديدة وإنْ بأجور أقل من أجل تعويض ما فقدوه من دخلهم، مما ينافسون به غيرهم من المتعطلين عن العمل.
رابعاً: إلحاق أضرار بليغة بالمركز المالي لمؤسسة الضمان الاجتماعي بسبب زيادة حجم نفقاتها التأمينية بصورة كبيرة، وفقدانها اشتراكات الآلاف من الموظفين الذين لا يتم عادةً تعيين آخرين بمثل أعدادهم.
خامساً: وكنتيجة للنقطة السابقة، سيؤدي استمرار هذه السياسة إلى اضطرار مؤسسة الضمان والحكومة إلى إجراء تعديل جذري على قانون الضمان لتصويب المركز المالي والحيلولة
دون حصول أي عجز في المركز.
سادساً: وعطفاُ على النقطة أعلاه سوف يتم تقديم تعديلات جوهرية من المتوقّع أن تتسم بتشديد شروط استحقاق المنافع التأمينية وربما تكون بعض التعديلات قاسية، مما يصعب تقبّلها مجتمعياًِ.
سابعاً: تخفيض الفوائض المالية التأمينية السنوية التي يتم تحويلها إلى صندوق استثمار أموال الضمان، وهذا بدا ملموساً بوضوح في السنوات الثلاث الأخيرة.
ثامناً: عطفاً على النقطة السابقة، فسوف تتأثر تبعاً لذلك نشاطات صندوق استثمار أموال الضمان وتنخفض عائداته ويقل صافي دخله السنوي، وتقل نسبة النمو في موجوداته بسبب تضاؤل الفوائض التأمينية المحوّلة له من المؤسسة.
تاسعاً: عطفاً على النقطة السابقة، سيتأثر الاقتصاد الوطني سلباً بتقلّص النشاط الاستثماري لأكبر صندوق استثمار في المملكة، وتبعاً لذلك ستقل احتمالات استحداث المزيد من فرص العمل الجديدة، ويتأثر أيضاً النمو الاقتصادي سلباً على مستوى الدولة، الأمر الذي يتعارض مع رؤية التحديث الاقتصادي ويعرقل هدف استحداث (100) ألف فرصة عمل سنوياً للأردنيين.
عاشراً: إضغاف الثقة بمؤسسة الضمان نتيجة التعديلات المستمرة على القانون، وما ينجم عن ذلك من زيادة في حجم ظاهرة التهرب التأميني وعدم الامتثال لأحكام القانون من الأفراد العاملين والمنشآت.