بقلم عبدالهادي راجي المجالي
…. شاهدت خالد الكركي في جاهة الإسبوع الماضي ..بدا نحيلا ، والعمر رمى بظلاله على وجهه السمح الجميل …
تحدث في جاهة نجل (ابن عمنا) الدكتور محمد المعاقبة ، قال كلاما مؤثرا ومؤلما ..وخالد : قد تنتحر البلاغة في الكتب ، لكنها تبقى حية على لسانه .
هل ما زال المتنبي حبيبك ؟ ورفيق الصبا ودرب الكرك …
اسمح لي أن اعاتبك يا سيدي ، لقد ورطتنا في اللغة والتاريخ والحب ، ورطتنا في غرام الأردن ثم انسحبت …كنا نظن عبر كلامك وخطاباتك أن المتنبي امتطى فرسه (الصقلاوية) وسيأتي من الكرك ويربطها على الدوار الثالث ، كنا نظن أن منصور كريشان وحمد الحنيطي ، وصالح شويعر سيطلون عبر قناة المملكة ذات صباح ، ويمنحوننا درسا في أصول الفداء وحب البلد …كنا نظن لكثرة ما قاتل الكلام في خطاباتك ولكثرة ما ألقيت من بذار اللغة الجامحة الشرسة في أرواحنا ..أن حابس سيعود لمنزله على دوار الداخلية ، وسيزرع باب المنزل بالبنادق وصور المعارك التي خاضها …
ورطتنا يا خالد ، ورطت جيلا كاملا …لم أكن أعرف أن للبلاغة ضحايا إلا في زمنك ….وأنا من ضحايا بلاغتك .
أي مكان أرتقي ..؟ اليست هذه للمتنبي ، لوجاء المتنبي في عهدنا لارتقى (البزنس بارك) وأقام شركة في الأعمال الريادية ، ولباع فرسه والترس والرمح ، ودفع ضريبة مسقفات على أشعاره ، ولربما في متن النشرة الإقتصادية لقناة المملكة أفردوا خبرا مفاده أن ( أبي تمام) ..كاذب محترف ، فالسيف ليس أصدق أنباء من الكتب …بل ارتفاع السهم في بورصة عمان هو الأصدق ، وسعر متر الأرض في دير غبار أصدق ، وثمن ستائر قصور عبدون أصدق …
لو أخبرتنا يا خالد أيام الجامعة ، أن زمنا سيأتي ..تطل فيه الناس على الوطن من شبابيك المنافع والمصالح والتوزير ، وليس من شبابيك القصيدة والدم والتاريخ ..والبندقية ، لو أخبرتنا بذلك لما تورطنا في اللغة …ولذهبنا للخليج ونحن فتية وأسسنا شركات عقارات ، وفتحنا دكاكين كبيرة لبيع البخور والتمر والعطر ..
قلت لنا أن دم الشهداء : أرجوان …ماذا عن أبناء الشهداء يا خالد ، اليس دمهم أرجوان أيضا ؟ ما زالوا ينتظرون الراتب ..أطمئنك ، ومازالوا ينتظرون علاوة الشهيد ، ويراقبون كل يوم دورهم في ديوان الخدمة المدنية …
قلت لنا يا خالد أن سنوات شبابك كانت من الصبر والرضى ، وكنا نريد لشبابنا أن يكون مثل أيامك وأنت تقاتل لأجل المعرفة والحياة ، لكن سنواتنا تغيرت ..صارت سنوات (السوشيال ميديا) ، هل تعرف يا خالد (مكس) ؟…. إذا سألت اي شاب أردني عنه سيعرفه ، ويخبرك عن مهاراته في الحياة ، وعن سفره وطلاقه وأشهر تدويناته…ولكن إذا سألت شبابنا عن وادي التفاح ، سيقولون لك أنه يشتهر بإنتاج التفاح ..لن يعرفوا نابلس ، ولا صالح شويعر ..ولا المعركة التي قرر فيها صالح نحر دباباتهم على تراب ( ف ل س ط ي ن) ..
غريب قلبي في هذا الوطن ، وملامحي مستوردة …ولغتي صدأ إبريق شاي هجرته (نيران الونس) ، كان بإمكانك يا ابن دمي ..أن لا تجتاحنا بهذا الهوى الأردني الذي استبدلوه الان بالرقم والداتا شو والمشاريع الريادية ..والبوليفارد ، واستبدلنا العمر بتطبيق اسمه (كليك) …تخيل لو أن سيف الدولة كان يقوم بتحويل العطايا للمتنبي عبر (كليك) …؟
أنا مثلك ، لكني أختلف عنك أني أصبت بالترهل الوطني ، والدرب صار مجرد خيبات من خيبات يبلله الطين والمطر والضياع ، ..أنا مثلك سحرتني اللغة العربية والشعر ..كنت أظن أن توظيفها في حب الوطن عبادة ، واكتشفت أني الملحد الوحيد في محراب (الوطنيين الجدد) …أنا الملحد الوحيد يا خالد …فهؤلاء الوطن لديهم مختلف عما في قلوبنا ، الوطن لديهم (سي في) ..وشهادة من نيويورك ، وسفارات تفتح أبوابها ، وشركة في البزنس بارك ، وجملة تطرح في المجالس : ( وأنا شو مدخلني في اللي بصير ب غ ز ة ) …
أشكوك لله ، أشكوك إلى أمل دنقل ، وعبدالرزاق عبدالواحد ، أشكوك لسميح القاسم ومحمود درويش وحبيب الزيودي …والجواهري ، أشكوك لبدر شاكر السياب ..هؤلاء كانوا سادة اللغة والرفض ، ورطتنا بهم أيضا يا خالد ..وكنا ننظر للشعر الذي نزفوه من دمهم ، أنه عقيد ونهج حياة ..
يا خالد اغتلتنا جميعا باللغة الجامحة ، وبقيت أنت وحدك على قيد اللغة ..سامحك الله .
عبدالهادي راجي المجالي