دولة الجزائر من الرمز الى اللغز

18 ثانية ago
دولة الجزائر من الرمز الى اللغز

د. عادل يعقوب الشمايله

ما دفعني أن اكتبَ عن الجزائر هو حُبٌّ قديم كملفٍ قديم مركونٌ في زاويةٍ منسية. حبٌ يمنعني من اتلافِ الملف ولكن ليس لدي من المبررات والدوافع والاسباب او الفائدةِ للإبقاءِ عليهِ في ركنهِ المغبر.
حُبٌّ لا اتنكرَ لهُ ولن أندمُ عليهِ، ولكنني بدأتُ أقيمهُ وأتحفظُ عليه.
تعيش الجزائر اليوم حالة من التحديات الاقتصادية والسياسية العميقة، التي تعكس طبيعة العلاقة المعقدة بين مواردها الطبيعية وإدارتها السياسية. يعتمد الاقتصاد الجزائري بشكل شبه كامل على النفط والغاز، اللذين يشكلان نحو 90% من صادرات البلاد وحوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل الاقتصاد هشًا وحساسًا لتقلبات أسعار الطاقة في الأسواق العالمية. ورغم محاولات التنويع الاقتصادي، فإن الفساد المستشري والبيروقراطية المعقدة يعيقان نمو القطاع الخاص ويحدان من فرص الاستثمار المحلي والأجنبي.

ويظل الفساد أحد أكبر التحديات التي تواجه الجزائر، إذ يؤثر بشكل مباشر على الخدمات العامة وفرص العمل، ويزيد من شعور المواطنين بالإحباط. البطالة، خصوصًا بين الشباب، تبقى مرتفعة، إذ تصل في المدن الكبرى إلى نحو 25–30%، مع انتشار واسع للعمل غير الرسمي، ما يزيد من هشاشة الاقتصاد الاجتماعي.

من الناحية السياسية، الجزائر رسمياً جمهورية رئاسية، إلا أن الجيش والأجهزة الأمنية يحتفظون بنفوذ كبير يمارس تأثيره الفعلي على صنع القرار، ويظهر هذا النفوذ بوضوح في إدارة المؤسسات الرسمية والتحكم بمسار الإصلاح السياسي. رغم احتجاجات حركة “الحراك” في 2019، التي أدت إلى استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لا تزال السلطة الفعلية مركزة لدى النخبة الحاكمة، فيما الشعب يظل محدود القدرة على التأثير.

على الصعيد الخارجي، يبدو أن فرنسا تمارس دورًا مستترًا وواضحًا في الجزائر، سواء عبر التحالفات السرية مع الأجهزة العسكرية الجزائرية أو من خلال استغلال الموارد الطبيعية، ما يعزز الإحساس بأن فرنسا تهيمن على ثروات الجزائر وتنهبها، رغم المسرحيات السياسية والخلافات الظاهرية التي تُعرض على الشعب لإيهامه باستقلالية القرار الوطني.

كما تلعب الجزائر دورًا معقدًا في الصراعات الإقليمية، خاصة في الخلافات المصطنعة مع المغرب، التي غالبًا ما تكون مبالغًا فيها لتصرف الانتباه عن القضايا الداخلية الكبرى مثل الفساد والبطالة. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الجزائر تدير ظهرها للعالم العربي أحيانًا، متبنية سياسات قريبة من المصالح الأوروبية على حساب التضامن العربي التقليدي، ما يعكس أولوياتها الاستراتيجية بعيدة عن الانحياز العاطفي للقضايا العربية.

وبالنسبة للقضية الفلسطينية، تظل مواقف الجزائر الرسمية ذات طابع شعاراتي وخطابي أكثر منها عملي. فالجزائر تقدم دعمًا إعلاميًا وسياسيًا محدودًا يهدف إلى التدغدغ العاطفي للرأي العام الفلسطيني، لكنها لم تقدم دعمًا ماليًا أو عسكريًا ملموسًا أو تسليحيًا يؤثر على ميزان القوى على الأرض، ما يضع مصداقية موقفها في سياق شكلي أكثر من كونه مؤثرًا فعليًا.

أما العلاقة مع مصر، فهي تتسم بحساسية سياسية واضحة، نابعة من اختلاف السياسات الإقليمية وتنافس النفوذ التاريخي في القارة الإفريقية والمغاربية. هذه التوترات غالبًا ما تكون استراتيجية وسياسية أكثر منها شخصية، وتظهر أحيانًا في التصريحات الرسمية أو الإعلامية دون أن تتحول إلى صراع مفتوح.

ختامًا، الجزائر تواجه تحديات مزدوجة: اقتصاد هش تحت وطأة الاعتماد على النفط والغاز، وفساد متجذر يعيق التنمية، ونفوذ خارجي مستتر يحد من سيادتها الفعلية، وخلافات إقليمية واستراتيجية مركبة. مع استمرار البطالة بين الشباب وتراجع مساحة الحريات السياسية، تبقى البلاد أمام اختبار حقيقي لإصلاح مؤسساتها، وإدارة مواردها الوطنية بما يخدم مصالح الشعب بدلًا من النخب أو الأطراف الخارجية، وبناء مستقبل أكثر استقرارًا لأجيالها القادمة.