حين يتنازع العرب… يربح الآخرون وتخسر الأمة أمنها واقتصادها

14 أغسطس 2025
حين يتنازع العرب… يربح الآخرون وتخسر الأمة أمنها واقتصادها

محمد علي الزعبي

لم يعد المشهد العربي اليوم بحاجة إلى كثير من التدقيق لاكتشاف حجم الشرخ الذي أحدثته الخلافات العربية – العربية في بنية العمل السياسي العربي. هذه الخلافات، التي تتراوح بين صراعات مكتومة وأخرى معلنة، لم تضعف فقط القرار العربي المشترك، بل أفرغت منظومة العمل العربي من مضمونها، وأفقدتها القدرة على التنسيق الفاعل في مواجهة التحديات المتسارعة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

في زمن تتغير فيه التحالفات الدولية بسرعة، وتتشكل فيه موازين قوى جديدة، يجد العرب أنفسهم غائبين عن طاولة التأثير الحقيقي، بل وأحيانًا رهائن لأجندات غير عربية تتحكم في مسارهم. غياب التنسيق السياسي جعل القرار العربي هشًا، يفتقر إلى وحدة الموقف في ملفات مصيرية، من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إلى الأزمات الإقليمية المتفجرة في اليمن وسوريا وليبيا والسودان، حيث تقف الدول العربية على ضفاف متقابلة، كل منها ينظر من زاويته الضيقة، دون إدراك أن النار التي تحرق بيت الجار ستصل إليه عاجلًا أو آجلًا.

الأزمة السورية تحولت إلى ملعب مفتوح للقوى الدولية والإقليمية، في ظل انقسام عربي حاد حول سبل الحل، ما سمح لفيلق القدس الإيراني، وتركيا، وروسيا، والولايات المتحدة، بفرض وقائع جديدة على الأرض. وفي اليمن، ما زالت الحرب تدور بلا أفق واضح، بينما ينقسم الموقف العربي بين دعم العمليات العسكرية والدعوة للتسوية السياسية، وهو انقسام أضعف قدرة العرب على حسم الملف أو حتى تحييد أخطاره. أما في ليبيا، فقد عرقلت الانقسامات العربية إمكانية تشكيل موقف موحد، لتبقى البلاد رهينة حكومتين متنافستين ومليشيات مسلحة، وسط تدخلات خارجية مباشرة. وفي السودان، يتعمق النزاع الداخلي وسط عجز عربي عن فرض وقف شامل لإطلاق النار، تاركًا المجال مفتوحًا أمام القوى غير العربية لإدارة المشهد.

اقتصاديًا، كان الثمن فادحًا. فبدل أن يكون التكامل الاقتصادي العربي سلاحًا في مواجهة الأزمات العالمية، تفتتت الأسواق، وتعطلت المشاريع المشتركة، وبقي حجم التجارة البينية لا يتجاوز 10% من إجمالي التجارة الخارجية العربية، بينما تظل الاقتصادات العربية رهينة لتقلبات الخارج. ومع غياب التنسيق، تصبح أي أزمة دولية – من الحرب في أوكرانيا إلى تقلبات أسعار الطاقة – كفيلة بإرباك الاقتصادات العربية وإضعاف استقرارها المالي.

الأمن القومي العربي كذلك أصبح الحلقة الأضعف، وغياب الاستراتيجية المشتركة في التعامل مع التهديدات – من الإرهاب، إلى النفوذ الأجنبي، إلى الحروب بالوكالة – جعل العواصم العربية تتحول إلى ساحات صراع بالوكالة، أو إلى متفرج عاجز أمام أحداث تهدد مصير المنطقة برمتها.

إن الأمة التي تترك جراحها مفتوحة، وتسمح للخلافات أن تتحول إلى سلاح بيد الآخرين، إنما تدفع بنفسها نحو هاوية التاريخ. وإذا لم يتحرك العرب اليوم برؤية موحدة، فإن الغد لن ينتظرهم، وستُكتب فصول المنطقة بمداد غير عربي، وبأقلام لا تعرف معنى الأمن القومي أو كرامة الأمة. الفرصة ما زالت قائمة، لكن النافذة تضيق، وكل يوم تأخير يضيف حجرًا جديدًا في جدار الانقسام، ويزيل حجرًا من أساس البيت العربي.