الدكتور: رشيد عبّاس
على نفس الطاولة التي يجلس عليه القاضي عادة ما تجد مطرقة وميزان, وعند النظر والتأمل في هذه الأدوات لاشك انك ستغوص في أعماق العلاقة الوثيقة ما بين تلك المطرقة والميزان, وقد حاولت منذُ فترة طويلة تحليل هذه العلاقات العميقة بين هذه الأدوات, إلا انني في كل مرة كنت أكتشف أن وجود الميزان بجانب المطرقة أو العكس ضروري وضروري جدا, وقد نصل من هذه العلاقة إلى أن إصدار الحكم العادل تماما كالنجم الثاقب المضيء الذي يثقب نوره، فيخرق السماوات وينفذ حتى يُرى في الأرض، ويقال ان النجوم الثاقبة تُشَكِّل ثلث مجموعة النجوم العادية, ويمكن ربط قضية النجم الثاقب بأقسام القضاة المعروفة (اثنان في النار، وواحد في الجنة), وبهذا يكون وجود المطرقة والميزان على مكاتب هؤلاء القضاة هو وجود أخلاقي وقيمي في آن واحد.
تقول بعض الروايات التي قمتُ بتتبعها والاطلاع على مضمونها, تقول: أن «مطرقة» القاضي الحالية اُستخدمت في المحاكم منذُ عصور طويلة, ولكنها لم تكن حينها تستعمل كأداة لإدارة الجلسات والحفاظ على ضبط النظام العام فيها, وإنما كان لها دور آخر تقوم به في حالة الحكم على شخص متزوج بالإعدام حيث كانوا يكسروا خاتم زواجه بهذه المطرقة قبل تنقيذ الحكم كدليل على انتهاء حياته الزوجية, وبقيت هذه المطرقة تتوارثها الأجيال إلى أن أصبحت أداة توضع على طاولة القضاة لإعلان بدء الجلسات وانتهاءها, إضافة إلى إدارة الجلسات وضبط النظام فيها كي يستمع الحضور للحكم العادل الذي يخرج من كفتي الميزان.
سابقا تم تصوير العدالة بامرأة معصوبة العينين تحمل سيفا بيد و«ميزان» باليد الأخرى, حيث تلعب المرأة دوراً فعّالاً وحيوياً في بناء المجتمع، فهي اللّبنة الأساسيّة للمجتمعات المتقدمة، وهي كالبِذرة الّتي تُنتج ثماراً تصلُح بصلاحها وتفسد بفسادها, فهي من تَبني الأجيال لِينهضوا بحضارتهم، ويصنعوا مستقبلاً واعداً لبلادهم, وبسبب هذه الأهمية الكبرى للمرأة كانت هي سيدة العدل وأصبحت رمزا له في كافة أصقاع الأرض، ففي داخل قاعات المحاكم على مستوى العالم توضع هذه الصورة للمرأة المعصوبة العينين التي تمثل العدالة لتذّكر العاملين بقطاع القضاء بالعدل للجميع، فإذا كانت البشرية منذ عهود سحيقة قد اتخذت من المرأة أعلى صورة للعدالة، فما الذى جعل دورها يتلاشى في معظم المجتمعات المعاصرة بهذه الصورة؟
ويبقى السؤال الأهم, لماذا يرمز للعدالة بامرأة معصوبة العينين وتحمل بيد ميزان, وبالأخرى سيف؟ الأر ﻟﻠﻌﺪﺍﻟﺔ ﺑﺈﻣﺮﺃﺓ ﻣﻌﺼﻮﺑﺔ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻴﺰﺍﻧﺎً بيد والسيف باليد الأخرى، قد يعني أن العدالة تقتضي المساواة بين ﺍﻟﺨﺼﻮﻡ ﺩﻭﻥ أﺩﻧﻰ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻨﻬﻢ، أﻣﺎ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﺬﻱ تحمله ﻓﻴﻪ إﺷﺎﺭﺓ إﻟﻰ إﺣﻘﺎﻕ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮن, ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﺮﺍﺩﻋﺔ ﻟﻠﺠﺎﻧﻲ ﻭﺍﻷﻗﺘﺼﺎﺹ ﻣﻨﻪ ﻟﺘﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ إﻟﻰ ﻧﺼﺎﺑﻬﺎ, ﻭﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ إﻋﺎﺩﺓ ﻛﻔﺘﻲ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺘﻴﻦ ﺑﻌﺪ أﻥ أﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻤﺠﺮﻡ ﺟﺮﻳﻤﺘﻪ ﻓﺴّﺒﺐ ﺍﺧﻼﻻً ﻓﻴﻬﺎ، ﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺇﻣﺮﺃﺓ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺭﺟﻼً ﻓﻬﻲ ﻟﻺﺷﺎﺭﺓ ﺃﻧﻪ ﺭﻏﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻭﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ, ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻛﻮﻥ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ في الغالب ﺃﺭﺣﻢ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺮﺟﻞ.
العالم اليوم يعيش حالة من الفوضى والظلم الشديدين, فهو اشبه ما يكون بالغابة.. قويّها يأكلُ ضعيفها, وغنيها يتحكم بفقيرها, وعالمها يتحكم بجاهلها.. أتعرفوا لماذا؟ لأن المطرقة والميزان غائبتين عن سطح الطاولة, أو أصبحا على طاولة القضاة في جميع أنحاء العالم روتين جمالي ليس له أية معنى أو أية دلالة أخلاقية أو قيمية تُذكر,..انه قضاء مسلوب الإرادة على هذه الارض الملوثة!
وبعد, اعتقد جازما أن فيروس كورونا مدعوا لإعادة مكانة مطرقة العدل وميزانها الى طاولة القضاة, ومدعوا أيضا لمسح أثار الفوضى والظلم على الارض, وتحقيق العدل عليها..كيف لا وكل شيء أيصبح (عن بعد) إلى ان نغير ما بأنفسنا
تقول بعض الروايات التي قمتُ بتتبعها والاطلاع على مضمونها, تقول: أن «مطرقة» القاضي الحالية اُستخدمت في المحاكم منذُ عصور طويلة, ولكنها لم تكن حينها تستعمل كأداة لإدارة الجلسات والحفاظ على ضبط النظام العام فيها, وإنما كان لها دور آخر تقوم به في حالة الحكم على شخص متزوج بالإعدام حيث كانوا يكسروا خاتم زواجه بهذه المطرقة قبل تنقيذ الحكم كدليل على انتهاء حياته الزوجية, وبقيت هذه المطرقة تتوارثها الأجيال إلى أن أصبحت أداة توضع على طاولة القضاة لإعلان بدء الجلسات وانتهاءها, إضافة إلى إدارة الجلسات وضبط النظام فيها كي يستمع الحضور للحكم العادل الذي يخرج من كفتي الميزان.
سابقا تم تصوير العدالة بامرأة معصوبة العينين تحمل سيفا بيد و«ميزان» باليد الأخرى, حيث تلعب المرأة دوراً فعّالاً وحيوياً في بناء المجتمع، فهي اللّبنة الأساسيّة للمجتمعات المتقدمة، وهي كالبِذرة الّتي تُنتج ثماراً تصلُح بصلاحها وتفسد بفسادها, فهي من تَبني الأجيال لِينهضوا بحضارتهم، ويصنعوا مستقبلاً واعداً لبلادهم, وبسبب هذه الأهمية الكبرى للمرأة كانت هي سيدة العدل وأصبحت رمزا له في كافة أصقاع الأرض، ففي داخل قاعات المحاكم على مستوى العالم توضع هذه الصورة للمرأة المعصوبة العينين التي تمثل العدالة لتذّكر العاملين بقطاع القضاء بالعدل للجميع، فإذا كانت البشرية منذ عهود سحيقة قد اتخذت من المرأة أعلى صورة للعدالة، فما الذى جعل دورها يتلاشى في معظم المجتمعات المعاصرة بهذه الصورة؟
ويبقى السؤال الأهم, لماذا يرمز للعدالة بامرأة معصوبة العينين وتحمل بيد ميزان, وبالأخرى سيف؟ الأر ﻟﻠﻌﺪﺍﻟﺔ ﺑﺈﻣﺮﺃﺓ ﻣﻌﺼﻮﺑﺔ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻴﺰﺍﻧﺎً بيد والسيف باليد الأخرى، قد يعني أن العدالة تقتضي المساواة بين ﺍﻟﺨﺼﻮﻡ ﺩﻭﻥ أﺩﻧﻰ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻨﻬﻢ، أﻣﺎ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﺬﻱ تحمله ﻓﻴﻪ إﺷﺎﺭﺓ إﻟﻰ إﺣﻘﺎﻕ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮن, ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﺮﺍﺩﻋﺔ ﻟﻠﺠﺎﻧﻲ ﻭﺍﻷﻗﺘﺼﺎﺹ ﻣﻨﻪ ﻟﺘﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ إﻟﻰ ﻧﺼﺎﺑﻬﺎ, ﻭﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ إﻋﺎﺩﺓ ﻛﻔﺘﻲ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺘﻴﻦ ﺑﻌﺪ أﻥ أﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻤﺠﺮﻡ ﺟﺮﻳﻤﺘﻪ ﻓﺴّﺒﺐ ﺍﺧﻼﻻً ﻓﻴﻬﺎ، ﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺇﻣﺮﺃﺓ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺭﺟﻼً ﻓﻬﻲ ﻟﻺﺷﺎﺭﺓ ﺃﻧﻪ ﺭﻏﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻭﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ, ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻛﻮﻥ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ في الغالب ﺃﺭﺣﻢ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺮﺟﻞ.
العالم اليوم يعيش حالة من الفوضى والظلم الشديدين, فهو اشبه ما يكون بالغابة.. قويّها يأكلُ ضعيفها, وغنيها يتحكم بفقيرها, وعالمها يتحكم بجاهلها.. أتعرفوا لماذا؟ لأن المطرقة والميزان غائبتين عن سطح الطاولة, أو أصبحا على طاولة القضاة في جميع أنحاء العالم روتين جمالي ليس له أية معنى أو أية دلالة أخلاقية أو قيمية تُذكر,..انه قضاء مسلوب الإرادة على هذه الارض الملوثة!
وبعد, اعتقد جازما أن فيروس كورونا مدعوا لإعادة مكانة مطرقة العدل وميزانها الى طاولة القضاة, ومدعوا أيضا لمسح أثار الفوضى والظلم على الارض, وتحقيق العدل عليها..كيف لا وكل شيء أيصبح (عن بعد) إلى ان نغير ما بأنفسنا