محمد داودية
عندنا مشكلةٌ حقيقية، تضرب بعمق، مخرجات حواراتنا الوطنية اسمها المغالاة ! مغالاةٌ في الموالاة. ومغالاة في المعارضة !!
فأيّ نقدٍ لأداء النظام السياسي والحكومة ومؤسسات الدولة، يقابَلُ بهبةٍ ممن يعتقدون ان النظام والحكومة ومؤسساتنا فوق النقد، فيتهمون المنتقدين بأنهم حاقدون مشبوهون مندسون …
وأي اطراء وإشادة بأداء النظام السياسي والحكومة ومؤسسات الدولة، يُقابَل أصحابُها بسيلٍ من الأحكام النمطية الجاهزة: شبيحة، منتفعون، كُتاب التدخل السريع…
إن كل اشكال المغالاة والتهويل والتقليل، هي تعصبٌ وضيقُ أفق وفقرٌ سياسي وهشاشةٌ معرفية.
ونتيجة ذلك، إلحاق أفدح الأضرار بالتقدم والإصلاح والتنمية.
ويُلاحِظُ كلُّ ذي عينين، أن موجة الإدراجات والكتابات وأشرطة الفيديو المتكاثرة، ومعظم الندوات، تركز بقصد (وبلا عفوية)، على السلبيات فقط، التي أَعترفُ انها موجودة وكثيرة وتحتاج إلى نقد وكشف وفضح حتى.
ونلاحظ أن المحتوى الذي يتسيّد ما نقرأ ونسمع ونشاهد، هو التبخيس والتخسيس والتشكيك والتفكيك والانتقاص من الإيجابيات والإنجازات والمبادرات، التي أَعترفُ انها كثيرة ووفيرة ويحتاج منجزوها إلى التقدير والثناء والتوقير.
وتعلمون ان أحد عوامل رفع “دوز” النقد، هو حصد الشعبوية وتحقيق “أشياء اخرى!” وبالطبع سيرتفع الصوت واللهجة والمحتوى مع اقتراب الماراثون الانتخابي.
ونلاحظ ان إشاعة روح الإحباط والقنوط، والهدم واللطم، والسواد والحِداد، تجري بشكل مركز بهدف نزع ثقة المواطن بوطنه.
ومِن الغفلة ان لا نشك في الدوافع والروافع !!
إنه مخطط طويل المدى لإظهار اننا دولة هشة ضعيفة تعجز عن التصدي لأية مشكلات.
فليعلم من لا يعلم، ان بلادنا صلبة قوية قادرة، لا تتوقف عن التجدد والتكيف والحركة.
وهذه البلاد تطبق قاعدة “إن أسوأ حل، هو افضل من عدم البحث على حل”.
ويطمئننا ان “قوات النخبة” المثقفة الأردنية اليقظة، والقوة الإعلامية الأردنية الناعمة، التي تتوزع على الصحافة والإعلام والثقافة، ليست أكياسَ تدريب، ولا نشافات تأخذ ما يقذف إليها ممن يجهد ويجيد صناعة وتزيين وصياغة الإفك والإشاعة، يُلبسها لَبوسَ وثوبَ الوطنية والحرص، وكأنها الحقيقة المطلقة المؤكدة !
وقديماً قيل:
“ما زادَ على حدّه، انقلب إلى ضدّه”.