التعليم الأردني في ميزان التقويم والتصنيف الخارجي ( 4-5 )

21 مارس 2023
التعليم الأردني في ميزان التقويم والتصنيف الخارجي ( 4-5 )

الدكتور محمود المساد – خبير تربوي

الحلقة رقم ( 4)

تعرضنا في الجزء الثالث  من سلسلة هذه المقالات (3-5 ) إلى معيار الاختبارات الدولية الذي أثّر كثيرا في الواقع المجتمعي الذي يحتضن النظام التربوي التعليمي، حيث بات واقع هذا المجتمع لا يسرّ، وتفشى فيه الكثير من المشكلات التي قادت إلى تراجع المجتمع في قطاعاته المختلفة الحكومية منها والخاصة. 

وأكّدنا أيضا في المقال السابق على أن نتائج اختبارات الطلبة في الاختبارات الدولية ( العلوم، والرياضيات، والقرائية )، تدنت عموما في الأردن، والدول العربية عن المتوسط العالمي من جهة، وعن المتوسط الذي أحرزته – والحديث هنا عن الأردن – في السنوات السابقة، وبالتحديد تراجعت نتائج الطلبة في مادة العلوم من 422 في عام 2006 إلى 415 في عام 2009، وفي مادة الرياضيات تراجعت نتائج الطلبة من 405 في عام  2009 إلى 399 في عام 2012، كما تراجعت نتائج الطلبة في القرائية من 386 في عام 2012 إلى 380 في عام 2015 . ( أنظر جدول رقم 3 في المقال السابق رقم ( 3-5 ).

وعَودا إلى موضوع مقالنا الحالي رقم ( 4 ) حول المعيار الخامس المتصل بجودة التعليم، حيث يشارك  الأردن فيها معظم دول العالم؛ استنادا إلى جملة من المعايير التي تكوّن مفهوم الجودة شكلا ومضمونا، فقد لمسنا أن واقع التعليم في الأردن قبل جائحة كورونا وفي أثنائها وما بعدها لم يختلف كثيرا في المؤشرات العامة الدالة على مستواه، فقد تبين لنا أننا لم نكن قبلها بخير، ولم نكن خلالها بوضع يستوعبها ويتكيف معها – بل كانت مرحلة كورونا كاشفة لواقع التعليم المتراجع، ولم نستطع حتي الآن ( 2023 ) أن نضع البرامج والمشاريع الفاعلة لتحسين الوضع القائم، وإن تم وضعها من أي جهة أخرى، فإننا لا نحسن إدارتها ومتابعتها، وتحقيق أهدافها بالدرجة التي خطط لها. ونعرض تاليا للمعيار الخامس في الحكم التقويمي التصنيفي لواقع التعليم في الأردن على النحو الآتي:

المعيار الخامس: التصنيف العالمي لجودة التعليم – لدول عربية ودول عالمية – مشاركة في التقويم استنادا لمعايير محدّدة تشكل شكل الجودة ومضمونها، بحسب تعريفها الإجرائي. 

تُجري العديد من المؤسسات والهيئات العالمية تقويمًا سنويّا لقياس مستوى جودة التعليم في مختلف دول العالم، وتختلف المعايير والأسس المعتمدة في قياس جودة التعليم من مؤسسة لأخرى، إلا أن معظم التركيز في قياس جودة التعليم يدور حول حجم المعلومات المقدّمة في المنهج الدراسي، إضافةً إلى الطرق والأساليب المعتمدة في إيصال المعلومة للطلبة ودرجة تطورها. 

  من المهم أن ندرك بأن مفهوم جودة التعليم هو مفهوم اجتماعي، وهذا يعني بأن ما نعنيه بجودة التعليم يعتمد على كيفية قيامنا، نحن المجتمع، بتحديد ما نقدره على أنه تميّز في التعليم، على نحو متزايد، حيث يتم قياس جودة التعليم اعتمادًا على مستوى أداء الطلبة في التقويمات الدولية. على سبيل المثال، أصبح البرنامج الدولي لتقويم الطلبة (PISA) التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبرنامج دراسة التوجهات الدولية العلوم والرياضيات (TIMSS) التابع للجمعية الدولية لتقويم التحصيل التربوي، والدراسة، ومدى التقدم في القراءة، مؤشرات مُهمة عالميّا للحكم على جودة التعليم لأي نظام تعليمي.

 يتخذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي  UNDP، في تقريره عن التنمية الإنسانية العربي، بعنوان: “خلق الفرص للأجيال القادمة”، نهجا مختلفا تماما في تأطير موضوع جودة التعليم. ويعرض التقرير التوجهات الاستراتيجية العامة لإصلاح التعليم على أساس 10 مبادئ أساسية مثل: احترام كرامة الفرد، ومنح الأسبقية للإبداع، وتحسين فرص الحصول على فرص تعليمية متساوية. ويقترح بأن تعزيز نظام التعليم في المنطقة يتطلب القيام بإجراءات في ثلاثة مجالات هي: تعزيز القدرات البشرية، وإيجاد تآزر قوي بين التعليم والمنظومة الاجتماعية والإقتصادية، ووضع برنامج لإصلاح التعليم على المستوى القومي العربي. وفي هذا الخطاب المتمحور حول الإنسان، فإن تحسين جودة التعليم ليس الهدف الأساس في استراتيجية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وإنما هو أداة لتعزيز القدرات البشرية عن طريق تخصيص المزيد من الموارد في مجال التعليم والاستخدام الأكثر كفاية للموارد. ولعل أكثر ما يميز منهج تقرير التنمية الإنسانية العربية هو التركيز على القومية العربية، والتعاون العربي. ويؤكد كذلك على ضرورة تضافر الجهود العربية عن طريق دعوة الدول لوضع المنافسات الوطنية جانبا، وبناء إطار تعاوني في مجالات مثل تطوير المناهج الدراسية، وإنتاج الكتب المدرسية، وتدريب المعلمين.

يقول تقرير البنك الدولي: “يجب على الدول أن تستثمر في مجال تقويم التعليم؛ لأن مثل هذا الاستثمار هو الأساس في إيجاد تحسّن ملموس ومستدام في جودة التعليم.” ويكمن فحوى هذا النهج في أنه – ومن أجل الوصول إلى تحسينات حقيقية في جودة التعليم – يتوجب على الدول العربية أن تعتمد تدابير موضوعية وموحدة، وأن تعمل المدارس تحت شروط السوق التنافسية. وفي الوقت نفسه، فإن الأهداف التعليمية الأخرى مثل الوصول العادل والمساواة في الحصول على الفرص التعليمية تحظى بتركيز أقل بكثير…

ويمكننا – بل علينا – أن نتوسع في النظرة الإنسانية لجودة التعليم بتبني نهج العدالة الاجتماعية في تطبيقها، ومراقبة نموّها كما خطط لها – وذلك عن طريق الاعتراف بأن البلدان تختلف من حيث الدخل، ومستويات الفقر، والفرص التعليمية، وفرص الحصول على التعليم، ومسارات التنمية والاقتصادات السياسية.  ويعدّ منهج العدالة الاجتماعية متجذرا في فهم الحواجز والفوارق المختلفة التي تواجهها الجماعات في المجتمع، في سبيل الحصول على تعليمٍ عالي الجودة، في الوقت الذي يتم فيه فتح المجال لوجهات نظر بديلة لتبرز عن طريق النقاش العام. 

وبالتدقيق في الهدف النهائي من التعليم، ومن كونه مجوّدا وفقا للمعايير المحدّدة التي يصدقها مؤشرات مضبوطة، تؤكد تحققها بهدف تحقيق جودة التعليم، يجب علينا أن نكون أكثر شمولا في منهجنا. فإذا ما اخترنا تعريف جودة التعليم وفقا للمخرجات التعليمية، كما يتم قياسه في الاختبارات والتصنيفات العالمية، عندها سنكون قد اخترنا تعريفا ضيقا، قد يؤدي إلى أشكال مقيّدة للتفكير في صياغة السياسات، وكذلك تعريفا للجودة يعتمد على مخرجات التعلم قد يحد أيضا من التفكير الإبداعي فيما يخص المشاكل والإمكانات الأساسية. نحن بحاجة للتأكد من أن نهجنا المتعلق بجودة التعليم يجسّد الطبيعة متعددة الأبعاد والمعقدة للتعليم والتعلم، وليس تمثيل ذلك بشكل كاف من خلال نهج ذي تأسيس محدّد يعتمد على مخرجات التعلم، والاختبارات المعرفية، والتحليلات الإحصائية لا غير.

  وتجدر الإشارة بهذا الصدد، إلى أن نهج العدالة الاجتماعية في جودة التعليم يجب أن يؤكد على الطبيعة المعقدة للتربية، والتعليم، والتعلم، ويسعى للسيطرة على هذا التعقيد من خلال الاعتماد على وجهات نظر متعددة التخصصات، وخلط أساليب البحث الكمية والنوعية، فضلا عن النظر للبيئة الحاضنة للنظام التربوي التعليمي، وثقافة المجتمع التي تدعم هذا النظام، وتعزّز التطوير الحداثي المتجدد للتشريعات التي تؤطر للعمل على تنفيذ محترف لهذا النظام على أرض الواقع في الميدان التربوي الحقيقي وفقا لهذه النظرة الشاملة.

وعليه؛ فإن التصنيفات العالمية لجودة التعليم تُعَدُّ من أهم الإحصاءات التي تحدد مدى تقدم الدول، حيث يُعَدُّ التعليم أحد أهم الركائز الأساسية التي تعتمد عليها كل دولة من أجل المضيّ قدُمًا؛ لذلك تحتاج السلطات المختصة في كل دولة إلى تطوير الموارد والمناهج المستخدمة في تعليم الطلبة، حتى تتمكن جميع البلدان من تحديد جودة التعليم الذي تقدمه لطلابها، وحتى مراقبة التقدم مقارنة بالدول الأخرى. ويتوافر في العالم عدة تقويمات تصنيفة خاصة بالتعليم. وقد اعتمد في هذه الدراسة مؤشردافوس لجودة التعليم لعام 2023. ويُعَدُّ مؤشر دافوس العالمي هو أحد الإحصاءات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، والتي تستخدم مقياسا لجودة التعليم في مختلف الدول على المستوى العالمي. وضمن هذا التصنيف، هناك عدد من الدول العربية التي كانت في طليعة هذا التصنيف وتنافس مع الدول الأوروبية في التنمية، بينما يرصد هذا المؤشر أفضل طرق التدريس الحديثة؛ لرصد المعايير الدولية وخطة تطوير المناهج لمعرفة التقدم الذي تحرزه الدول. 

أمّا تصنيف الدول العربية في جودة التعليم فمن المعروف أن الدول العربية من بين الدول التي يوجد فيها معدل تعليمي مرتفع للغاية ، وهذا يرجع إلى الاهتمام الكبير بالتعليم في جميع الدول العربية، لذلك من الضروري معرفة ترتيبها العالمي من أجل المقارنة والسعي لتطوير الذات عن طريق دراسة التجارب الناجحة في الأنظمة المتصدرة للتصنيف ، ونقل هذه التجارب بعد تكييفها ومواءمتها للدولة الحاضنة أو نقل بعض نقاط القوة لتدعيم وتطوير بعض نقاط الضعف في الأنظمة المنقول إليها. وتعد أبرز مقاييس معايير جودة التعليم الآتي :- 

  • جودة المناهج والمحتوى التعليمي.   
  • جودة البنية التحتية. 
  • كفاية الإطار التربوي والإداري. 
  • جودة التعليم والتدريب المستوى الأمثل للموارد البشرية والمالية.
  • الانطباع الإيجابي للمستفيدين من المدرسة.

وبحسب إحصاءات المنتدى الاقتصادي في دافوس، فقد جاء تصنيف الدول العشرة الأولى على المستوى العالمي، والدول العشرة الأولى على المستوى العربي في التصنيف نفسه 2023  من حيث جودة التعليم على النحو الآتي، علمًا أنه تم استبعاد بعض الدول العربية من التصنيف. 

جدول رقم ( 4 ) 

ترتيب الدول العشرة الأولى على دول العالم، وترتيب الدول العربية العشرة الأولى فيما بينها، التي خضعت جميعا للتقويم والتصنيف؛ وفقا لمعاير جودة التعليم: 

الرقم دول العالم الدول العربية
أمريكا قطر
بريطانيا الإمارات
ألمانيا لبنان
كندا البحرين
فرنسا  الأردن
سويسرا السعودية
اليابان تونس
استراليا الكويت
السويد المغرب
هولندا عُمان

ولا يخفى على أحد أن الدول العربية تولي اهتمامًا كبيرًا للتعليم، حيث أنتجت أنظمتها التعليمية العديد من العلماء والأطباء والمهندسين اللامعين الذين خدموا ويخدمون شعوبهم بكفاية وإخلاص. ولهذا السبب، أظهرت الأبحاث العالمية أن كثيرا من الدول العربية نهضت بقوة، ولحقت بركب العالمية والتفوق، وبعضها تراجع في ترتيبه التصنيفي أمام التحديات الكثيرة المالية والبشرية، وبعضها الآخر ما زال يتلمس طريقه نحو النهضة والتطور. 

وللمزيد من التوضيح، نعرض لترتيب الدول العربية وتصنيفها -عربيّا وعالميّا – على النحو الآتي؛ وفقا لمؤشر دافوس للعام 2023 م.

جدول رقم ( 5 )

الترتيب العالمي أسماء الدول العربية ترتيب الدول العربية
4 قطر
10 الإمارات
25 لبنان
33 البحرين
45 الأردن
54 السعودية
84 تونس
97 الكويت
101 المغرب
107 عُمان

ترتيب الدول العربية العشرة الأولى عربيّا وعالميّا في تقويم دافوس وتصنيفه لجودة التعليم للعام 2023