وطنا اليوم – ثمة صفحة مجهولة لم تفتح تفاصيلها بعد حول الأسباب التي دعت جماعة الإخوان المسلمين للتراجع عن قرارها بعدم خوض انتخابات رئاسة الجمهورية المصرية مباشرة وترشيح عبد المنعم أبو الفتوح المقرب منها في انتخابات الرئاسة التي تلت ثورة مصر.
ومناسبة الحديث هنا هو ما يثيره المسلسل المصري”الاختيار ٣” من أسرار عصفت بمصر بعضها عرفناه، وبعضها الآخر لا يزال طي الكتمان في صفحات لم يفتحها أحد، حتى أركانها الرئيسيين لم يكشفوا النقاب عنها، ولم يقل أحد منهم ما الذي جرى؟ وكيف جرى؟ ومن الذى حرف بوصلة الإخوان من الزهد في المشاركة الى قرار المشاركة بمرشح إخواني من صلب الجماعة ومن قياداتها بعد أن أعلنت سابقا أنها لن تفعلها لأنها بكل وضوح لم تكن مستعدة لتسلم دفة القيادة في مصر لأسباب لعل في مقدمتها عدم خبرتها، وعدم استعداد الشعب المصري نفسه للنظر الى رئيس يحكمه من الإخوان المسلمين.
والقصة تبدأ من هناك حين انتصرت الثورة المصرية، وحين تنحى مبارك، وحين صار الجيش المصري هو صاحب السلطة التي يديرها من خلف رجل مدني ظل ينتظر لحظة إجراء الانتخابات الرئاسية ليرتاح من عبء السلطة.
ولم تفضح الأسرار إلا على مأدبة عشاء في منزل القيادي الإسلامي البارز المرحوم عبد اللطيف عربيات في مدينة السلط حين كان المرشح الأول للاخوان المسلمين د. عبد المنعم ابو الفتوح يزور الأردن مشاركا في مؤتمر طبي، فدعاه د. عربيات لمأدبة عشاء في منزله حضرها عدد محدود من القيادات الاسلامية البارزة منهم سالم الفلاحات، وصالح العرموطي، وعبد المجيد الذنيبات، ومراد العضايلة، ورئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري وآخرون.
والرواية هنا لطاهر المصري نفسه الذي كان يجلس على الطاولة يستمع ويشهد ويناقش ويعلق.
يقول المصري في مذكراته عن تلك الجلسة التي فاضت بالأسرار في مذكراته (الحقيقة بيضاء) إن” نقاشاً مستفيضاً حول ما يجري في مصر من تطوّراتٍ وأحداثٍ أدّت إلى عزلِ محمّد مرسي من قِبَلِ القوّاتِ المسلّحةِ المصريّةِ وإيداعه السّجن”.
ويضيف المصري “بناءً على طلبِ عَرَبيّات شرحَ ما جرى، بدأ د. أبو الفتوح بوصفِ الأوضاعِ في مصر، مهاجِمًا النّظامَ المصريَّ بسببِ سياساتِهِ وتنكيلهِ بالمصريّين، لمجرّدِ أنّهم من الإخوان المسلمين – على حدِّ وصفه – ثمَّ ٱنتقلَ إلى نقدِ الإخوانِ المسلمين نقدًا عنيفًا، متحدّثًا عن نقضِهم لتفاهماتٍ كثيرةٍ تتعلّقُ بخوضِهم الانتخاباتِ أو عدمِ خوضِها”.
ويضيف المصري ” قال أبو الفتوح إنّ الجماعةَ قرّرتْ أن لا تسعى لاستلامِ الحكمِ مباشرةً لأنّها غيرُ جاهزةٍ لذلك، فرشّحَتْ أبا الفتوح لرئاسةِ الجمهوريّةِ كونه الأكثر قربًا من الجماعة، ولكن من دون أن ينتسب رسميًا إليها، وتمَّ الاتّفاقُ معه على هذا الأساسِ، وترشّحَ للانتخابات”.
ويستطرد المصري في روايته عن أبو الفتوح قائلاً “إن السّيناتور الأمريكيّ الجمهوريّ اليمينيّ جون ماكين (John McCain) كان يزورُ مصر في تلك الفترةِ، والتقى العضوَ البارزَ في الجماعةِ خيرت الشّاطر، الّذي خــرجَ مباشرةً من الاجتماعِ إلــــى مكتبِ الإرشادِ، قائلًا لهــم: ” لماذا لا نخوض الانتخابات مباشرة ما دام الامريكان لا يمانعون ذلك” .
“وبعد نقاشٍ ــ يقول ابو الفتوح بحسب رواية المصري ــ استجابَ مكتبُ الإرشادِ لخيرت الشّاطر، وقرّرَ خوضَ الانتخاباتِ بمرشّحِ من الإخوان المسلمين، وكان الشّاطر هو المرشّح، وتخلّى سريعًا عن د. أبي الفتوح، لكنْ، بعد التّرشيحِ قامَ خيرت الشّاطر بسحبِ ترشيحِهِ لاعتباراتٍ قانونيّةٍ، وتمَّ استبدالُهُ سريعًا بمحمّد مرسي “.
ويقول المصري ” بينما كنت أستمعُ إلى هذا السّردِ أُصِبْتُ بحالةٍ أشبه بالذّهولِ، وتدخّلتُ بسرعةٍ معلّقًا على ما سمعتُهُ وقلتُ: “أرجوكم لا تتحدّثوا بتلك الرّوايةِ نهائيًّا، هل ستفسّرون للنّاسِ أنّ جماعةَ الإخوان المسلمين، الجماعةَ الأكبرَ في العالَمَين العربيِّ والإسلاميِّ، كانت على وشكِ خوضِ انتخاباتٍ ناجحةٍ لتحكمَ أكبرَ بلدٍ إسلاميٍّ، ثمّ يأتي سيناتور أميركيٌّ محافِظٌ ومقرّبٌ من إسرائيل ليغيّرَ وجهةَ نظرِها، وليحصلَ ما حصلَ فيما بعد؟ هذه الحادثةُ تؤكّدُ أنّكم لا تستفيدون من تجاربِكم أو حتّى من تجاربِ الآخرين”.
وهنا ــ يقول المصري ــ ” هاجمَ سالم الفلاحات د. عبد المنعم قائلًا له: “لا يحقُّ لك أن تحكمَ بما ذكرتَهُ، والإخوان المسلمون في مصر يختلفون عنهم في الأردنّ”.
كان اتفاق الإخوان مع د. أبو الفتوح لترشيحه لانتخابات رئاسة الجمهورية باتفاق بين نائب المرشد العام للإخوان المسلمين آنذاك المهندس خيرت الشاطر وبعلم قيادة الجماعة بعد ان كانت الجماعة قد تعهدت في وقت سابق بعدم التقدم بمرشح منها للمنصب.
وتحرك أبو الفتوح بناء على هذا الاتفاق قبل أن يلتقي خيرت الشاطر بالسيناتور الأمريكي جون ماكين ليخرج الشاطر من ذلك الاجتماع وقد قلب ظهر المجن لاتفاقه السابق، ولحليفه د. أبو الفتوح، ليدعو لاجتماع سريع لقيادة حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الاخوان ويقنعها بالتراجع عن ترشيح ابو الفتوح وخوض الانتخابات مباشرة وبمرشح من قيادات الإخوان وكان بالطبع هو المرشح الوحيد، بعد أن أطلع قيادته على موقف الولايات المتحدة الأمريكية وعدم ممانعتها ترشح أحد قيادات الإخوان بل ووصوله لسدة الرئاسة في مصر.
اقتنعت القيادة في حزب الحرية والعدالة بمقولات وتطمينات خيرت الشاطر، وأعلنت نفض يديها من اتفاقها السابق مع . د. أبو الفتوح، لتعلن في الحادي والثلاثين من شهر آذار (مارس) 2012 ترشيحها لنائب المرشد العام للجماعة المهندس خيرت الشاطر لانتخابات الرئاسة، بعد أن صادق مجلس شورى الجماعة على القرار في اجتماع قيل إنه استمر 6 ساعات متواصلة.
وبررت الجماعة قرارها في بيان قالت فيه إنها قررت التراجع عن قرارها السابق بعدم الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية وقررت ترشيح خيرت الشاطر، الذي كان قد تحرك سريعاً بناء على تعهدات السيناتور جون ماكين وقدم استقالته من موقعه كنائب للمرشد وعضو في مكتب الارشاد.
ولم يكن محمد مرسي حتى ذلك الوقت في واجهة الدور الذي سيلعبه لاحقاً كبديل لزميله الشاطر، فقد صرح مرسي باعتباره زعيماً لحزب الحرية والعدالة قائلاً “قررنا في الاجتماع الطارئ (لمجلس شورى الجماعة) الذي عقد في وقت سابق اليوم أن يكون لنا مرشح فى انتخابات الرئاسة… اختيارنا لخيرت الشاطر تم بالاتفاق بين الجماعة والحزب ونعلن ذلك ونتحمل المسؤولية عنه”.
لكن رياح الشاطر لم تحمل طموحاته إلى النهاية فقد حالت مشكلته القانونية دون استمرار ترشيحه، ولم يكن أمام الجماعة غير البحث سريعاً عن بديل جاهز ولم يكن غير محمد مرسي..