حينما يُوَسّدُ الأمر لأهله

7 يونيو 2021
حينما يُوَسّدُ الأمر لأهله

د. خالد الوزني

السجال بين أولوية الاصلاح، الاقتصادي أم السياسي، أم حتى الاجتماعي، كان بالنسبة للكثيرين، وأنا معهم، مثار جدلٍ كبير. فكل أهل اختصاص يعتقدون أن مجالهم هو الأولى بالبداية. بيد أن التجارب العالمية أثبتت بأختصار شديد، أن الاصلاح السياسي القائم على التعددية وتداول العمل الحكومي بين الاحزاب، هو المفتاح الرئيس لكل أنواع الاصلاح الأخرى. فالتكوين الانساني للاستحواذ على السلطة والحُكم يسيطر عليه حب البقاء في السلطة وفي السيطرة. ولكي يتحقق ذلك فعلى من يفوز بأي انتخابات تؤدي إلى تشكيل حكومة وممارسة السلطة، كما في الولايات المتحدة، وبريطانيا، والعديد من الدول الديمقراطية، يكون همه تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية التي يرنوا اليه الناخبون. أي أن الاصلاح السياسي المؤدي إلى الانتخابات المؤدية للسلطة لن يؤتي أكله ويستمر إلا أذا حقق الفائزون بالسلطة، أو بالحكومة، الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي يرغب فيها الناخبون الذين هم من يحدد من يستمر، أو يعود، أو يستلم زمام الأمور في الحكومات والحُكم. ولعل أهم ما يرنوا إليه المجتمع هو:- الوظائف، والاستقرار النقدي، والنمو الاقتصادي، والتنمية المحلية، فإن تحقق ذلك على يد أحد الاحزاب المنتخبة فسيتم التجديد، وإلا فالخروج من المعادلة عبر صناديق الانتخاب هو النتيجة الحتمية. والأوراق النقاشية الملكية، والأحديث الملكية المتعددة، أشارت دوماً إلى أهمية وجود حزبين أو ثلاثة، قوية وقادرة إلى الفوز بثقة الناس وتحقيق طموحاتهم.

        بيد أن صياغة، وتصميم، وإخراج، شكل ومضمون الاصلاح المأمول يجب أن يتم عبر فقهاء دستوريين، ذوي خبرة بالتطورات الديموقراطية المرغوبة حول العالم، وعلى علم كامل بتكوين المجتمع الأردني وتطلعاته على مستوياته المختلفة، ولعل على رأسها تطلعات القيادة، وفي مقدمتها أيضاً طموحات الناس والمجتمع العادي. ذلك كله يحتاج إلى فقهاء دستوريين، من ذوي الخبرة العالمية، نعم، ولكن ايضاً، من ابناء البلاد ومن ترابها وقراها وتكوينها. ولديهم الأفق الاستشرافي التطويري، الذي يعلم ويحقق في متطلبات الحاضر، وآفاق المستقبل المحلي والإقليمي والعالمي، والذي سيقوده شباب وفتيات اليوم، وهم يمثلون الأن أكثر من 60% من المجتمع. وعلى أن يكون ضمن فريق العمل مجموعات مختلفة من السياسيين والعلماء والأكاديميين، من مختلف التخصصات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فقهاء الدستور من أمثال المرحوم عبد الرزاق السنهوري، الذي يعتبر قامة مصرية عربية ساعدت في مراحل ومنعطفات مهمة من تكوين العديد من الدول العربية على الوصول على تعديلات دستورية قبلتها الشعوب، هم النوعية المطلوبة اليوم. والأردن به من الفقهاء الدستوريون من يمكنه قيادة أي فريق، ومن يمكنه أن يعكس تجدد النهج وتجديد الطريقة، دون أن يكون بالضرورة من القامات السياسية التي لعبت أو تلعب ادواراً أنية. المجتمع يرنوا إلى مكونات علمية، وقامات مجتمعية، جديدة ومتطورة وشفافة. والمعروف أن لدى الأردن من هذه القامات الكثير في المواقع العملية والأكاديمية والعلمية وفي شتى مجالات القانون، والسياسة، وعلم الاجتماع، والاقتصاد، والادارة.

وأخيراً وليس آخراً، فإن الاصلاح عملية، أي انه منهج عمل مستمر لا يقف عند حد معين، ولا وقت معين، وهو هيكلي وتثبيتي، أي أنه يقوم على تغيرات هيكلية تحتاج إلى الوقت لنصل إلى نتائجها، ولكنه أيضاً به من المفاصل الآنية التي يشعر بها الناس خلال أيام أو شهور قليلة وتثبت قناعتهم ببدء المسيرة، ومستقبل نتائجها. وهو في النهاية تشاركي، لا يقوم على الاستبعاد والاقصاء، بل على المشورة والتلاقح الفكري، وتبادل الأراء. وهو ينتهي بمسودة توافقية تُرسم لها خارطة طريق واضحة، ذات اوقات زمنية محددة، وآلية متابعة وتقييم شفافة، وفريق متابعة وتنفيذ يرتبط بأعلى مستويات الحكم في الدولة، وأعلى قنواتها التشريعية.