الانتخابات والمنافسة الشريفة

30 أكتوبر 2020
الانتخابات والمنافسة الشريفة

ديمة الفواعير

مع بدء العد التنازلي لعملية الاقتراع في الانتخابات النيابية، ومع الانتشار المحموم للحملات الدعائية والإعلانية للمترشحين في مختلف مناطق البلاد، يتبين لنا وقبل أن يسوِّق كل مترشح نفسه أمام الجمهور وقبل أن يروج كل منهم لبرنامجه الانتخابي، مدى نزاهة كل مترشح، وهذا هو الأهم.

اليوم بدأنا نسمع عن انتشار إشاعة هنا ضد مترشح من مترشح منافس، كما بدأنا نسمع عن تخريب بعض الإعلانات وتمزيق صور بعض المترشحين حتى ولو كانت في حدود ضيقة وبسيطة، هذا الأمر وارد جداً في كل الانتخابات وفي كل دول العالم، لأن المنافسة لا تخلو في نهاية المطاف من كل هذه الانفعالات والغرائز وإرادة الفوز، والمترشح القوي هو من يدعو ويروج لنفسه ولبرنامجه الانتخابي دون الحاجة للاعتداء على غيره من المترشحين الآخرين. فإذا رأيتم  مترشحاً يحاول أن يضرب منافسيه من تحت الحزام فهو ليس بالشخص المؤتمن على مستقبلكم ولا على سمعة ومستقبل المجلس.الفائز الحقيقى فى اي منافسة انتخابية هم اهل الدائرة، وذلك عندما تنتهى فترة نيابة من حاز على ثقتهم وتكون كافة الحلول المقترحة قد نجحت فى القضاء على اغلب مشاكل الدائرة، وهذا لا يتحقق ابداً بالمنافسة الإنتخابية التى تمتاز بالشراسة المبالغ فيها، فهى تترك جرحا غائرا فى نفوس المتنافسين، نتيجة للجوءهم لأساليب متدنية فى المنافسة، ستنتهى بفائز واحد فقط ابضاً ولكن بدائرة مشتتة، فيها نسبة من الناخبين يتم اقصاءهم من المساهمة والتعاون مستقبلا مع المرشح الفائز، نتيجة للتسفيه من اختياراتهم وتشويه مصداقية المرشح الذى نجح فى الحصول على ثقتهم، ولكنه لم يوفق فى اقناع الأغلبية من اهل الدائرة.

التنافس الشريف ليس إختيار بل هو توجه انسانى وحضارى طبيعى، يحذو حذوه كل من ارتقى بالممارسة السياسية وتفهم جوهرها ولم يختر ان يقتات على الفتات من منافعها، فالممارسة السليمة تحقق الفائدة وتعظمها لكافة عناصر المنظومة، وليس لشخص واحد قد ينتفع لحظيا ولكن سريعا ما تلفظه الفطرة الإنتخابية السليمة.

إننى أدعو الجميع إلى تبنى هذه المبادرة والعمل على تفعيلها ونشرها، وليكن لجميع المرشحين ميثاق شرف خلال العمليات الإنتخابية، يرتقى بالممارسة الديموقراطية فوق الأهداف الشخصية والمحدودة إلى آفاق المصلحة القومية العليا.
المشاحنات قد تحدث لأسباب بسيطة لكن تضخمها العصبية وحب التفرد ووجود النزعة العنصرية والعشائرية المغروسة في البعض الذين يطمحون بأن تتمركز عشيرتهم على عرش السيطرة، فينشرون الفرقة بين الناس ويثيرون نزعة بين العشائر بأن هناك أشخاصا يهددون امنهم ووجودهم واستقرارهم، فتظهر هنا عملية التعاضد للدفاع عن العشيرة.
وليس بيننا من ينكر ان المشروع الأصلاحي، اعطى مساحة واسعة للحراك السياسي الانتخابي، من اتجاهات سياسية ومذهبية وايدلوجية، ما كان لها ان تتوفر لولا وجود نظام ديمقراطي، ليس فيه خطوط حمراء امام كل من يريد المشاركة في العملية السياسية، بشرط ايمانه بالوطن. ورغم ان المنافسة الشريفة هي تحفيز للأفراد على التفوق، وهي من صميم العملية الديمقراطية، الا انها يجب الا تنسينا ان جميع المتنافسين، هم شركاء في المشروع الوطني، سواء حققوا الفوز او لم يحققوه، وان استغلال الديمقراطية والحرية بطريقة سيئة، تؤثر بالسلب على العملية الانتخابية ككل، وتخل اولا بالضوابط والأعراف الدينية، وثانيا بالقوانين والضوابط والمعايير الموضوعة والمتفق عليها اخلاقيا.
حب الناس هو الميراث الحقيقي الباقي من اي عمل سياسي او انتخابي طالما بقيت المناقشة شريفة بعيدة عن المخاصمات والاستقطاب والوعود الزائفة وان اهم ما يشغلنا خلال مارثون الانتخابات هو كيفية تفعيل قنوات التواصل مع المواطنين وكسب مزيد من الثقة والاحترام المتبادل معهم لان هذا الاحترام هو الباقي والدائم بينهما الانتخابات ومقاعد المجالس النيابية زائلة لا تدوم.