رُبَّ نملة أحيت أُمة..!!

11 مايو 2021
رُبَّ نملة أحيت أُمة..!!

 

بقلم : سهل الزواهرة

 

أُمةٌ اختَصرَت نَفسَها بإِرادَتِها و رّكَّبَتْ ضَعفَها ضَعفًا أَصبَحَ مَثلًا للسُقوط و مَثارًا للتَّندُر بينَ الأُمم، أَضاعتْ مَفاتيح دار النَدوة و باعت مِعراجَ الأرض لِملعوني السماء بِثَمنٍ بَخس بِسُخرة البقاءِ و التَّبرُك بِشواطىء مُدنٍ سُرقَت حُروفها و تَعبرنت بعد أن هجَرَ أهلُ لُغَتِها لُغَتهم و أنفتَهُم و استبدَلوها بأَوثانٍ أَعجمية تُديرُ رُؤوسَهم و عُروشَهم مِن وراء بِحارٍ تملكتها بَوارج تنشُر الرعب في القلوبِ و الدروبِ .

وهنا لم نَجد بُدًا مِن نَصبِ مَجالسِ العزاءِ و دعوةِ كل نائحةٍ ونائحٍ لِلبُكاءِ و العويلِ على حالِ أُمةٍ فَقدت كُل ما يرتفعُ بهِ الرأس أو يَشمخُ به الصدر، حالٌ لا يُمَجِده إلاَّ مأفونُ قلبٍ أو مأزومُ رأسٍ، و لا يُعجَبُ به إلا فتاة أبيها، أُمةٌ اختصرتها جامعة أُغلقت قاعاتُها و أقسمَ سَدَنتها ليَصرِمنها مُصبحين و لا يَستثنون .

كم حلُمنا أن تَكون مَصائب العرب عيدًا لإحياء الميت و تَقويم المُعوَج و إِصلاح ما فسُد و لكن حالَ الجريصُ دون القريض، و توالت مَواقف الخُنوع بِلا جديدٍ يُذكر و لا أَثرٍ يُؤثَر، مَواقف ضغاء رُغم جللِ الخُطوب و ما يكتَنفُ شعوبهم و دُولهم و أقصاهم، فلا خيرَ عِندهم و لا مير، فكيف تَرجو من تابعٍ نصرًا و من عاجزٍ فِعلٍا، كلامُهم بين تبجيل و دمدمة صَمتوا ألفًا و نطقوا خلفًا، أسكتَ الله نأمتهم .

غِياباتٌ بالجُملة عن عُكاظِنا الجديد، سوق هجَرهُ “زُهير و عنتره ” فلا حِكمة و لا مَفخَرة، و حل مكانهما” أدانَ و استنكرَ ” نِصابُ ناقص و لو اكتمل لما اختلفَ الكثير، فالريشُ في الميزانِ خفيفٌ و رأسُ مالِه نَفخة فيتطاير مُتبعثرًا في هواءٍ تسمَمَ برائحةِ الخُذلانِ و الغازِ ويتساقط على أرضٍ سالت على رَوابيها أنهار من الدماءِ و تَدحرجت صُخورها على جماجِمِ أَطفالٍ و نساءٍ و تبَخَر من ترابِها أمانٌ مَزعومٌ كَحملٍ كاذب، و أكلَ الناسُ على الخسفِ و تهوَّدتْ أَرض كَنعان و كُبِّلَتْ قُدسُها و خُنِقَتْ غَزَتُها و بَارت بياراتُ يافاها و حَفَّ النَجَسُ حَيفاها ، و اغتيلت دِمشقُ و انبعث أشقاها فأجدبت غُوطَتُها و قَبَحت بَراميل الفتكِ ذُراها، و ضاعت بَغداد وتلوَث فُراتُها و عادت في جَيبةِ ساسان حَبيسة، و انهارَ سَدُّ مأرِب بيَمَنهِ اللاسعيد و ضاقت مضائقه و جالَ الجُوع على بطونِ العاربة، و جف خَليجُ العَرب و تَحكَّم الأَعاجم و صُلِبَ المُهلَّب و أعسَرت عَسير و بَكتْ بَكة، و تردَّت بُرقة الى القاع و تاهَ شَيشْنَق وضاع، و تقزَّمت أرض الكِنانة و سادَ السفه، وباتت جَارية لِنهرٍ مَذبَحُه بالحبشة، و تَهاوت جنَّات الفينيق و اكتَست بالطبول و الخصور، و تَسلَّطَ على حُقول العرب لُصوص فارس و تلاعب بنو الأَصفر بِحاضِرِنا و زَوروا تاريخَنا و امتطوا مُستَقبلنا و حازوا ثَرواتنا و ضجَّ أهلُ البَقيع على العدلِ الذي سُرِق و شَقَّت حرائرُ أُمية الجيوبَ على عِزةٍ تلاشت و داستْ خُيولُ المَغول قبر المنصورِ و بَنيه و اختُزلَ ابن عثمان بِمُسلسَل، و أصبحنا كوادٍ للنملِ ليس فينا نَملة حُرَّة تُعلمنا كيف ندخُلُ مساكننا و نَؤوب الى كرامتِنا لِنحفظ القليل الباقي علَّهُ يكون زادًا و وقودًا لِهبةٍ حُسَينية تُعيد الرُوحَ لهذا الجسدُ المُهَنك خِيانةً و غدرًا و لنُضيف بها لأَمثالِ العربِ مَثلًا جديداً ” رُبَّ نَملة أَحيَتْ أُمة ” .