في الذكرى العشرين لرحيل المشير “حابس المجالي”

23 أبريل 2021
في الذكرى العشرين لرحيل المشير “حابس المجالي”

 

كتب الباشا موسى العدوان

 

رحل المشير حابس المجالي بعد هذه الرحلة الطويلة عن الدنيا، بعد إن خاض خلالها الحروب، وهو مدان ماليا لمؤسسة الإقراض الزراعي، بمبلغ يقارب الخمسة عشر ألف دينار – بعكس من تبعه من رؤساء الأركان ومدراء الأمن العام – ولكنه لم يطلب من أحد أن يسددها عنه، إلى أن عرف جلالة الملك حسين – طيب الله ثراه – بالموضوع، فأمر بسدادها عنه دون علمه.

 

في عام 1977 كنت مديرا للتخطيط والتنظيم في القيادة العامة، فجاءني مرافق المشير حابس المجالي، يبلغني بأن سيارة المشير متعطلة وأرسلها للتصليح، ولا يوجد لديه سيارة يتنقل بها خلال تلك الفترة. فذهبت إلى رئيس الأركان المشير فتحي أبو طالب أخبره بذلك، ورجوته أن يخبر جلالة الملك بهذا الوضع، لأن المشير تمنعه عزة نفسه أن يطلب من الملك سيارة.

 

إلا أن رئيس هيئة الأركان لم يستجب لطلبي، وأمرني بإرسال إحدى السيارات المخصصة لضيوف القيادة العامة إليه، لاستخدامها مؤقتا ريثما يتم إصلاح سيارته. كم حزنت على ذلك، وتمنيت لو أنني أستطيع إيصال تلك المعلومة إلى جلالته، لكان قد تبدل الموقف إلى الأفضل.

 

عين جلالة الملك حسين حابس المجالي بعد انتهاء خدمته العسكرية عضوا في مجلس الأعيان، إلى أن توفاه الله في مثل هذا الشهر من عام 2001 عن عمر يناهز ٩١ عاما، دون أن تكتب له الشهادة. وكأني به يردد ما قاله القائد العظيم في صدر الإسلام خالد بن الوليد : ” لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء “.

 

بمثل تلك التضحيات من قبل حابس المجالي ورفاقه الضباط والجنود الأشاوس، المؤمنين بالله وبحقهم في الدفاع عن المقدسات، استطاع ذلك الرعيل الأول الحفاظ على جزء كبير من أرض فلسطين، وهو ما سمي لاحقا بالضفة الغربية. فأولئك الرجال لم يفكروا بمكسب دنيوي، أو مصلحة خاصة توفر لهم العقارات، والمشاريع التجارية والثراء.

 

لقد كانوا مثالا للحفاظ عل شرف مهنة الجندية، والتضحية بالنفس، ونكران الذات، فلم تتلوث سمعتهم بخيانة المسئولية، أو اختلاس لمال أو محسوبية، وكانوا مثالا وعونا للناس طيلة خدمتهم العسكرية. وعندما طُلب من حابس أن يكتب مذكراته رفض الطلب قائلا : ” أترك للناس تكتب ما تعرفه عني، ولا أرغب بالكتابة عن نفسي “.

 

ومن المؤسف أن تمر ذكرى وفاة ذلك القائد العظيم، الذي ضحى من أجل الأردن وفلسطين، ومن أجل استقرار وديمومة النظام، دون أن نسمع عنه كلمة رسمية تشيد بمواقفه، وتذكّر أبناء هذا الجيل، بأحد الرموز الوطنية الذي قد لا يتكرر في المستقبل القريب . . !

 

وفي الختام أقول : رحم الله حابس المجالي ورفاقه الشرفاء، الذين خدموا الوطن بتفان وإخلاص، دون منّة أو انتظار لشكر أو جزاء، وأدخلهم جنات الخلد والنعيم.

 

التاريخ : 23 / 4 / 2021