الأردن قام ، حقا قام…!

23 أبريل 2021
الأردن قام ، حقا قام…!

 

أدهم عارف الغرايبة

في طقوس وصلاوات المسيحيين الأردنيين ، كمسيرة النار المقدسة ضمن أسبوع الآلام – مثلاً – التي برعت بها مدينة الفحيص؛ يتقدم العلم الأردني أولاً، ثم من بعده الصليب !

الدلالة لا تحتاج لكلام.

طيب زد على ذلك أن المسيحي الأردني يسمى ” خالد ” و ” عبدالله ” و ” يوسف ” و من النادر أن تجد ” مايكل ” او ” انطون ” و ” جورج ” . و كذا اسماء المسيحيات !

أليس لهذا دلالاته؟!

بلاش!

المسيحي الأردني يصلي على النبي أكثر من المسلم!

هل يفعل ذلك لأنه غير مقتنع بدينه؟ لا يا حبيبي..المسيحي الأردني ينظر في مرآة ضميره فيرى نفسه اردنياً قبل كل شيء ، ثم بعد ذلك مسيحياً. و لأنه مسيحي بالجوهر يحب كل الناس …فتلك خلاصة رسالة المسيح.

أيضا في الكرك – مهوى قلبي – تقليد عشائري عمره مئات السنين يتم فيه تنصيب شيخ مشايخ المدينة من عشيرة المجالي تحديداً ، و الذي يتولى مراسم التنصيب خوري من عشيرة الهلسه، و هو الذي يسلمه ” محرمة الدم ” و ” يرسمه ” شيخاً !

قبل عشرات السنين أقسم احد شيوخ المعايطة من قرية ” أدر ” التي يتآخى فيها عشائر مسلمة و مسيحية على أن يكون الخوري من المعايطه مع أنهم من أهل الاسلام!

طبعا للقصة روايات متعددة ؛ لكنها كلها تصب في بحر محبة الأردنيين لبعضهم و انتصارهم لمنظومة القيم الأردنية التي يحتكمون لها و يقدمونها على اي نص مقدس، إن كان لهذا النص أثر سلبي على وحدتهم.

 

من أين لنا نحن الأردنيين تحديداً لوثة الطائفية لولا المد الوهابي الذي تسلل إلينا – في أعقاب هزائم القومية العربية وسقوط أنظمة حكمها؛ و تحديداً في العراق، والفراغ المؤلم الذي تركه تحلل المنظومة الاشتراكية – الذي واجهناه أصلاً بالدم مطلع القرن الماضي على أطراف مضارب بني صخر و هزمناه !

بالمناسبة ، الا تلاحظون أننا كأردنيين لا ننكسر بالعنف ، و لا نخسر بالدم ، لكننا ننهزم بالمخاجلة و اللين؟!

الكارثة التي نشهدها اليوم هي أن المسلم على العموم لا يفهم دينه جيداً ، و يدمن تبني روايات تقليدية متوارثة دون أن يقلبها ، فتخيل مصيبته مع أديان الآخرين و معتقداتهم !

و الكارثة أننا نلزم الآخرين بنصوصنا نحن عنهم، و لا نعطيهم فرصة للحديث عن أنفسهم.

بالمناسبة ، أنا ابن جيل مارست عليه منظومة التعليم الرسمي غسل الدماغ واختطاف العقل ، و اذكر احد معلمين الذي اظنه كان إخونجياً او لربما تحريراً و قد بذر في عقول أبناء جيلي و نحن في مرحلة الابتدائي فكرة أن المسيحي يقول أن الله قد ” أنجب ” عيسى ” المسيح ” من مريم !

لا أريد الخوض في نقاشات لها طابع ” كريستولوجي ” لاهوتي ، لكن أجزم بأنه لا يوجد مسيحي واحد يؤمن أن المسيحي قد ” أنجب ” من الله و مريم . بل ان جوهر المسيح في الإسلام و المسيحية متطابق ، فهو كلمة الله الملقاة على البتول مريم . و أن كلمة ” إبن الله ” تعني من الله. حينما تقول انك إبن الأردن فهل أن الأردن قد حملت بك ٩ شهور ثم أنجبتك؟!

يقف الخوري امام الرعية في الكنيسة و يقول ” بسم الآب والإبن والروح القدس…الإله الواحد.. آمين “…الإله الواحد…لا ثلاث آلهه كما يتقول أغلب ” المشايخ ” على المسيحيين.

يتندر أغلب دعاة الكراهية و إستعداء البشر فيقولون عن المسيحيين أنهم ” عبدة الخشب ” . المسيحي لا يعبد خشب الصليب ، والصليب رمز لا أكثر. فهل نسمح للآخرين من غير المسلمين أن يقولوا عنا أننا عبدة الحجر الأسود لأننا نقبله في الحج و العمرة؟!

لكن برغم أي اختلافات تتعلق بالمسيح بين الديانات تبقى مسألة إستعجال محاسبة البشر لبعضهم و هم أحياء ،و التعدي على الحق الإلهي في ذلك يوم القيامة سبباً أساسياً لتدهور حياتنا و تنكيد عيشتنا!

بالنسبة لي ، أقيّم كل شيء بموازين ” عربية أردنية ” و لا تعنيني قناعات ميتافيزيقية، لكني برغم علمانيتي- و ربما بسببها – أنتصر لحق البشر في الانتماء لقناعات تخصهم؛ طالما لا تعتدي على من يخالفهم.

مهلاً، لست مسيحياً و لا اقوم بمهام تبشرية هنا و بالنسبة لي – كوطني أردني تقدمي – أرى أن مأساة صلب المسيح – بالرواية المسيحية – تشبه مأساة الأردن. سيما أني أرى بيننا خونة أكثر من يهوذا الإسخريوطي، الذي سلم المسيح لأعداءه .

بحسب المسيحيين فقد صُلب المسيح و تعذب كثيراً في اسبوع الآلام،و مات لثلاث أيام لكنه وطىء الموت بالموت و قام ..

و كذا الأردن.. لكننا سنتهف يوماً – برغم كل الآلام – :

الأردن قام…حقا قام !