قطاع الفن يعيش ازمة خانقة

31 مارس 2021
قطاع الفن يعيش ازمة خانقة

بقلم وسام البيدر

مازال قطاع كبير من الفنانين يعيش “أزمة خانقة”، لا يجدي معها الحديث عن حلول “مُعلَّقة”، ولم تجد نداءات عديدة؛ تحريك ساكن على الصعيد الرسمي.
الفنانون لا يطلبون دعماً وهم يجلسون في بيوتهم -رغم أحقية تقديرهم على ما قدموه ومازالوا- ويرفضون بشكل مطلق المساس بكرامتهم وإظهار ضعفهم، وسوء حالهم، بعد “تجميد” شبه كامل للفن طوال نحو 7 شهور.
نعلم تماماً أن صناديق نقابتهم تعاني لاسيما في ظل وقف فعاليات، وحفلات عربية وأجنبية كانت “تقتطع” نسبة من العقود، وندرك أن هناك إجراءات “بيروقراطية” تأخذ مسارها لتوفير دعم حكومي محدود عبر “حساب الخير” عن طريق “همة وطن” لدفعة جديدة، بشرط أن تنطبق عليها مجموعة شروط “خانقة” بينها عدم إمتلاك أي مصدر دخل، ولا سيارة، ولا ضمان، وسلسلة “ممنوعات” تجعل صاحبها “معدماً” حتى يُدرج ضمن “المنظور في أمرهم”.
هناك نحو 173 موسيقياً ضمن قائمة رُفعت ل”حساب الخير/ همة وطن” تحت شعار “الدعم مقابل العمل”، بانتظار الرد بعد “التفنيد”، وذلك نحو إقامة حفلات “أون لاين” مع مقترح حصول كل عازف على 150 ديناراً، والمطرب على 500 دينار؛ لمرة واحدة.
بمراجعة الشروط، فإن هذه الخطوة قد لا تشمل أكثر من 70 موسيقياً فقط، رغم أن الحالة السيئة تشمل أغلب؛ إن لم تكن كل الأسماء المرفوعة، وبصراحة فإن حفلات “أون لاين” تأخرت كثيراً بعدما وصل عازفون ومغنيون لوضع “مأساوي”، والمبالغ المحددة مهما كانت؛ متواضعة، ولا تستوفِ حتى متطلبات شكلية أساسية للفنان، عند ظهوره على جمهوره عبر المنصات الإلكترونية.
من يتواصل مع الموسيقيين يدرك أنهم أصبحوا “كمن تقطعت بهم السبل”، وهناك أسماء تعتبر معروفة على نطاق الوسط الفني، وحتى الحضور الجماهيري، لا تملك دفع إيجارات متراكمة، وأقساط مدارس للأبناء، وثمن “وقود” للسيارة.
أكثر من هذا، ثمة من ذهب إلى بيع جزء من أثاث منزله، وسيارته، وصرفَ كل مدخرات أسرته، واستدان، بعدما كان يعيش من قوت يومه، عبر مهرجانات وفعاليات فنية، وحفلات، أغلقت أبوابها تماماً في ظل تداعيات الوضع الوبائي.
كل ما قيل عن اضطرار بعض الموسيقيين لبيع آلات العزف التي رافقتهم سنوات، مقابل مبالغ مادية زهيدة تكفل توفير إلتزمات رئيسة؛ صحيح، وأحدهم وصف ذلك ب”ببيع قطعة من الجسد”!
بلا مبالغة، الوضع مؤلم وحزين، ومنذ ورود معلومات عن رفع الأسماء للمشاركة في حفلات “أون لاين”، بدأ بعضهم بالتساؤل عن موعدها، الذي مازال غير محدد حتى الآن، وهناك من يسعى إلى “تدبر” آلة موسيقية نحو المُشاركة -إذا أُدرج ضمن المقبولين- وذلك بعدما باع آلته!
“الخنق وصل العُنق”، وبعضهم رفض حتى التعليق لأنه يعتقد أن لا فائدة، بعدما انتهت الأمور إلى “تحت الصفر”.
كيف تركنا هذا القطاع ينهار؟ وهل يجب أن يصل الفنان إلى مستوى “العَدَم” حتى يحصل عن فتات “الدعم”؟!
لا عتب على لجان تحاول فعل ما استطاعت، ولا جدوى على الإطلاق بإلقاء اتهامات على أطراف وجهات فنية الآن، الأهم؛ الذهاب لحلول.
السماح بمشاركة عازف أو مطرب على نطاق ضيق ضمن مطاعم وفنادق، وجهات ترفيهية، أمام عدد محدود للغاية ليس حلاً شاملاً، أولاً لقلة عدد الذين يمكن التعاقد معهم، وثانياً بسبب تذبذب المواصلة و”التجميد” ارتباطاً بأوامر “تُغلق” و”تفتح” هذه الأماكن، حسب الحالة الوبائية.
شراء حفلات “أون لاين” تقام في عمّان، كان حلاً مقبولاً لو انطلق مع بدايات “الأزمة” وقبل تفاقهما -كما سبقتنا تجارب عربية وحتى أجنبية لذلك- لكنه اليوم، لا يعد كافياً، ويستدعي بهذا الإطار الضغط نحو شمول هذه الحفلات “عن بُعد” أكبر عدد من الموسيقيين دون الاخلال بالنوع، وتعدد الحفلات، ومنح مبالغ مالية أفضل.
هذه الحفلات عبر المنصات الإلكترونية يمكن تعميمها في مناطق وأماكن مختلفة مقابل عقود للفنانين، بحيث تُنقل على الهواء مباشرة، أو تتحول إلى مواد تسجيلية، قابلة للعرض من حين لآخر.
كذلك؛ وعلى غرار التوجه لإقامة مهرجانات مسرحية “أون لاين”، لماذا لا تُقام مهرجانات غنائية وموسيقية كاملة “أون لاين” تكتفي بمشاركة الفنانين الأردنيين بتعاون وزارات مختلفة؛ ومؤسسات سياحية، أو التوصل لمهرجان جديد مؤقت يتناسب مع الوضع الاستثنائي، مثلما قررت وزارة الثقافة إقامة مهرجان “مُجمَّع” للمسرح؟
لماذا لا تستعين وزارة السياحة بعازفين ومطربين للترويج للمواقع خلال أنشطة محلية، بعد الحديث عن عودة السياحة الداخلية وتنظيم جولات عديدة بهذا الخصوص؟
أمانة عمّان الكبرى تؤكد إرجاء كل فعاليات شراء الخدمات وإقامة الحفلات إلى بداية العام المقبل (بعد نحو 4 شهور)، لكن يمكنها توقيع عقود أوّلية مع موسقيين، ومنحهم نسبة معينة، مع تحديد مواعيد لمشاركاتهم لاحقاً.
ربما يكون الوقت ملحاً الآن، للسعي نحو تشكيل فرقة وطنية شاملة للموسيقى، تجمع نخبة من هؤلاء، لاسيما أن هذا المشروع طُرح وتأجّل، أكثر من مرة.
هناك من يرى أن هذه “الأزمة الخانقة” للموسيقيين، يمكن حلها من خلال توفير نحو 300 ألف دينار من “همة وطن” دون تقديم “شيكات” فردية متواضعة للأشخاص، بحيث تتولى وزارة الثقافة مع جهات ذات صلة، إقامة فعاليات تناسب هؤلاء، وتمنحهم استحقاقات مالية مجزية متواصلة، في الفترة الحالية، مع تقديمها بيانات شفافة بالمصروفات.
الآن؛ نحن أمام ما يستدعي “العمل” لصالح “الدعم” المستحق للفنانين، وجميع الأراء والمقترحات ما عادت قابلة للنظر عن بعد فقط، يمكن تنفيذ أصلحها، وما يمكن منها.
.. فقط؛ لا تتركوا الموسيقيّ يعزف لحنه الأخير!