الدعوة للهبة الشعبية وإحياء 24 أذار هل تشكّل حالة إجماع وطني؟

22 مارس 2021
الدعوة للهبة الشعبية وإحياء 24 أذار هل تشكّل حالة إجماع وطني؟

بقلم المهندس فراس الصمادي

هل المطالب المعلنة حصيلة حوار وطني.

هل يملك طرف واحد الحق بالدعوة إلى هبة شعبية، وقيادتها وكيف نصبح شركاء فيها؟

ضرورة الحديث عن الحالة الوطنية تستدعي الإطالة ومزيدا من التوضيح واعتذر عنها

مقدمة:

أغلب المتابعين للوضع الداخلي يدركون حالة الإحباط والاحتقان التي وصل اليها المواطن الذي تعمّق فقره  وجوعه بمختلف فئاته الاجتماعية ،من مزارعين وعمال ومهنيين وحرفيين وتجار وصناعيين وموظفين ومتقاعدين مدنيين وعسكريين، وجزء كبير منهم أصبح متعثرا ومطاردا ، ويكاد أغلب المحللين يجمعون على أن الانفجار الشعبي قادم لا محالة والخلاف فقط على التوقيت، وماهي الشرارة التي ستعلن انطلاقته بل الخطورة تكمن في انطلاق هبة الجياع والمهمشين دون مشروع  إجماع وطني وقيادة وطنية، ولا يمكن لأيّ متابع إلاّ ان يلحظ خطورة انعكاسات ذلك على الاستقرار السياسي للدولة ، ومن الصعوبة بأيّ حال مواجهة هذه التعقيدات والاحتجاجات والأزمات في ظل تعمّق المديونية والبطالة والفساد وضعف الإدارة العامة للدولة والتعامل معها فقط من وجهة نظر أمنية وحرب البيانات الموجهة وهو أسلوب عفى عليه الزمن وآن الأوان لمن يقف خلفه أن يبتكر و يجدد في أساليبه، وفي ظل انسداد الأفق أمام أي تغيير جذري وإصلاح ملموس سياسي أم اقتصادي فلن يؤدي ذلك إلاّ إلى مزيد من الاحتقان و عدم الاستقرار وتصاعد للأزمة وانعكاساتها الكارثية على مختلف القطاعات الاقتصادية وتراجع للاستثمار والنمو وفي المحصلة النهائية استنزاف مؤسسات الدولة السيادية وإضعاف الدولة ونظام الحكم، والذي سيؤدي بالضرورة إلى ضعف المقدرة على مواجهة الاستحقاقات الداخلية والخارجية والإقليمية التي تهدد استقرار الدولة الأردنية.

إعلان بيان الهبة الشعبية وإحياء 24 أذار ودعوة النزول للشارع

  • بداية لابد من إقرار أن حق حرية التعبير والتظاهر مكفول لأيّ مواطن أردني ولا يحق لاحد أي كان أن يصادره أو يشيطنه أو يتعامل معه بالطريقة التي يتم التعامل بها حاليا، ولا يمكن إنكار أن السبب الرئيسي لحالة الاحتقان عنوانان اقتصادي وسياسي ولا يمكن حل الاقتصادي دون إنجاز الحلّ السياسي وهذا الحل تدعو إليه مختلف القوى الوطنية منذ سنوات، ولا تجاوب معه، وخصوصا في ظلّ تعمّق ازمه البرنامج الاقتصادي الذي تدار به الدولة دون أي مشاركة للقوى الاجتماعية والسياسية.
  • وأمّا بيان الهبة الشعبية و24 أذار فهو عنوان ومطالب لابدّ لنا من الوقوف عندها من وجهة نظر وطنية لكي نصل لمعادلة أن نكون جميعا شركاء في هذه الهبة ومطالبها ولسنا ملحقين بها أو مفروضة علينا فـ 24 أذار في حينه شكّل حالة شبة إجماع ان لم يكن إجماع وطني شاركت فيه مختلف القوى الوطنية بكل تياراتها الوطنية واليسارية والقومية والإسلامية، والسؤال هنا ،هل بقي هذا الإجماع قائما أم تم الالتفاف عليةمن قبل أحد أطراف الحركة الإسلامية والذي سعى لفرض النموذج الأردني من الربيع الزائف وشق هذا الإجماع الوطني وخرج بشعارات ومواقف لم يتم الاتفاق عليها في حينه ومن أبرز هذه الشعارات الدعوة لقانون انتخابات على أساس الكثافة السكانية؟!
  • والسؤال الآخر هذه ليست المرة الأولى التي يتم  فيها إحياء هذه الذكرى عبر السنوات الماضية ولكن المرة الأولى التي يتم فيها الحديث أنها بداية الحراك الاجتماعي  الوطني  وإعلانها هبة شعبية  التي من أول شروطها أن تشكل حالة إجماع لمختلف القوى الوطنية برنامجا وقيادة وهذا لم يتحقق ، فبداية الحراك الاجتماعي سبقت ذلك بسنوات وعلى راسها حراك عمال المياومة وأما حراك عام 2011 فقد سبق الجميع حراك ذيبان في 7/1/2011 وبعده بأسبوع المسيرة الكبري في وسط البلد والتي دعت لها القوى اليسارية  والقومية وعلى راسهم اليسار الاجتماعي والمتقاعدين العسكريين  وغيرهم من القوى الوطنية.
  • هل وجهت الدعوة لمختلف القوى الوطنية للمشاركة في صياغة بيان الهبة الشعبية والمشاركة في النزول للشارع وإعلان الهبة الشعبية؟ هل وُجهت الدعوة لشباب القوى اليسارية والقومية وتيار 36 وحراك كرامة والشركاء السابقين في 24 أذار؟ هل وجهت الدعوة للمتقاعدين العسكريين ولجنة المتابعة الوطنية؟ هل وجهت الدعوة للتيار التقدمي الديمقراطي وحزب الشراكة والإنقاذ؟ ومختلف المشاركين معكم في مشروع الحركة الشعبية للتغيير والجواب ان وجهت لهم الدعوة للمشاركة في صياغة البيان والتوافق عليه والنزول للشارع وإعلان الهبة الشعبية ولم يتجابوا معكم فهم من يتحمل المسؤولية الوطنية ،أما إن كنتم تفردتم بالدعوة وصياغة البيان دون توافق وطني فقطعا المسؤولية الوطنية تقع عليكم.

المطالب التي وردت في بيان الهبة الشعبية والإجماع الوطني وأهم ما لم يتم التطرق إليه

  • مطلب الدستور شكل على مدى السنوات الماضية عنوانا لمختلف القوى الاجتماعية والوطنية وتحدثت مختلف البيانات عن العناوين المطلوبة للدستور من حيث أن الشعب مصدر السلطات وتلازم السلطة والمسؤولية وترجمة المبدأ الدستوري بأن نظام الحكم نيابي ملكي إلى تفاصيل دستورية تطبق هذا المبدأ واستقلال القضاء الخ من العناوين، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه  هل أطلق حوار وطني بين مختلف القوى الوطنية والاجتماعية حول هذا العنوان  وآلية تنفيذه ؟وهل أُنجز تفاهم وطني يزيل المخاوف التي تهدد الهوية السياسية والوطنية  للشعب الأردني  وتحصين الدولة ضد المخطط الإسرائيلي وأهدافه التصفوية للقضية الفلسطينية وتذويب الهوية الوطنية لكلا الشعبين الأردني والفلسطيني.
  • مطلب قانون الانتخاب وماورد فيه من إعادة صياغة لفكرة قانون على أساس الكثافة السكانية الى قانون تكوّن فيه (الأردن دائرة واحدة) فهل هذا المطلب يعبر عن عنوان توافق وطني؟ واستشهد بالنص عن قانون الانتخاب والذي ورد في مشروع الحركة الشعبية للتغيير والذي أنتم جزء منها حيث ورد إصدار (قانون انتخاب ديمقراطي بالتوافق الوطني) والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لم يستخدم هذا النص؟ مثلا.
  • مطلب انتخاب رئيس حكومة بالله عليكم أفيدونا في أي دولة ذات نظام نيابي ينتخب الشعب “رئيس حكومة” فالدول ذات النظم النيابية ينتخب الشعب ممثليه من خلال الأحزاب وتسمي الأغلبية النيابية مع رئيس الدولة رئيس الحكومة ويشكل حكومة الأغلبية النيابية وهذا ما نطمح له لترجمة النص الدستوري بنظام نيابي ملكي الى واقع يكون الانتخاب فيه على أساس حزبي ومن يدعي ان ذلك غير ممكن ويدعي أنه لا يوجد لدينا أحزاب جاهزة لذلك نقول له أن الشعب الأردني وزعماء قبائله وعشائره شكلوا حزب الشعب أول حزب اردني عام 1927، ولن يكون لدينا أحزاب برامجية وفق الاستراتيجية المتبعة مالم يتغير النص الدستور وقانون الانتخاب ليصبح الانتخاب على أساس حزبي عندها ستجد كل الشعب الأردني يتحول إلى العمل الحزبي وينخرط به.
  • مطلب الغاء قانون الدفاع نتفق بداية أن قانون الدفاع لا يجوز أن يُستخدم لغير الغاية التي أُعلن من أجلها ولا يجوز أن يُستخدم للحدّ من الحريات، ولكن دعونا نعترف أن ضرورة تفعيل القانون هو تعبير عن ازمه وحاجة لوجوده أولا ومن خلاله تم إصدار العديد من أوامر الدفاع التي عالجت مؤقتا بعض الأزمات وعلى سبيل المثال لا الحصر التعامل مع الوباء الذي اصبح يفقدنا كل يوم مزيدا من الأهل والأصدقاء وتبعاته إضافة الى أوامر الدفاع المتعلقة بالضمان الاجتماعي وتلك المؤجلة لأزمة المتعثرين وأمر الدفاع الذي يمنع إنهاء خدمات العامل وفق المادة 28 من قانون العمل، وحماية حقوق العمال وأمر الدفاع بوقف العمل بقانون الشركات الخ ، ولا تقولوا أن دول العالم لم تضع قوانين الطوارئ لمواجهة انتشار الوباء فغالبية الدول أعلنت ذلك ولا يمكن للدولة في ظل تراكمات هذه الأزمات ان تتراجع عن قانون الدفاع على الأقل قبل إيجاد حلول لمختلف هذه الأزمات.
  • كان من الأفضل مثلا ان يكون الطلب إصدار أمر دفاع يحدد أسعار السلع الغذائية التي ارتفعت أعلى بكثير من ارتفاع أسعارها العالمية أو إصدار أمر دفاع يعوض التجار والمزارعين والصناعيين وأصحاب سيارات التكسي وباصات النقل العام والذي تضرروا نتيجة الإغلاقات والحظر الشامل الذي اعلن دون مبرر العام الماضي وكان سببا في استفحال الأزمة الاقتصادية نتيجة اتخاذ قرار الحظر الشامل في الوقت الخاطئ،  أو تبني مطلب بأمر دفاع أو قانون عاجل يؤسس لصندوق يدعمه البنك المركزي   لمعالجة ازمه المتعثرين والغارمات بقروض طويلة الأجل أو الدعوة لفرض ضريبة الثروة  وهو مطلب اصبح العديد من الخبراء في العالم يتحدثون عنه أو فرض الزكاة للثروات المكدسة والتي تناولها تقرير قبل شهرين تحدث عن وجود 930 أردني حجم ثرواتهم تصل الى 20 مليار،  ألا تُشكل هذه المطالب تعبيرا عن المسحوقين والمهمشين من فئات الشعب الأردني فقط أتساءل.
  • لم يتطرق البيان لعناوين مهمة تتعلق بموقف الهبة الشعبية من انتهاك السيادة الأردنية وفك التبعية ومواجهة الكيان الإسرائيلي والحلول التصفوية والتصدي لمخطط الكونفدرالية والتي لن تكون وفق المعادلات الحالية إلا كونفدرالية السكان أو مشروع البينولكس المقترح مع كيان الاحتلال.
  • لم يتطرق بيان الهبة الشعبية إلى أهم منجز للشعب الأردني عام 2011 والمتعلق بإنشاء نقابة المعلمين والمطالبة بالتراجع عن حل النقابة وفصل المعلمين تحت عنوان التقاعد والاستيداع، ألا يستحق المعلمون ان يتبنى بيان 24 أذار والهبة الشعبية قضيتهم؟

تعقيدات المشهد والحلول المطلوبة 

  • ان استمرار إنكار مطالب القوى الاجتماعية والوطنية بإنجاز مشروع التغيير الديمقراطي والإصلاح السياسي مطلب لا يمكن الالتفاف علية أو تأجيله و التهرب منه بالحديث عن قانون انتخاب وأحزاب فالتغيير المنشود يبدا من الدستور والتغيير الديمقراطي حتمية تاريخية ان لم يكن يفرضها الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي فسيفرضها الواقع والمتغير الإقليمي وان لم يكن يفرضها ما سبق فالتغيرات العالمية والعالم الجديد الذي يتشكل سيفرضها وكلما تأخر هذا التغيير تعمقت الأزمة وازدادت الشكوك ان الإقدام على هذا الإصلاح والتغيير مرتبط بملفات التسوية النهائية والتي يتخوف منها الشعب الأردني على دولته وهويته السياسية والوطنية واستمرار إنكار استحقاق مشروع التغيير الديمقراطي لن يؤدي إلا الى مزيد من الاحتقان والفوضى لا بل ، والعنف.
  • استمرار إغلاق الإعلام الوطني أمام قوى المعارضة الوطنية سيفتح المجال واسعاً لمصادر الإعلام المفتوحة أمام الجميع والتي أصبحت وسيلة سهلة تقاد من خلالها الثورات المشبوهة والموجهة ولنا ما يكفي من الدلائل على ما جرى في المنطقة إضافة الى ان التعامل مع  النشطاء الوطنيين بطريقة المحاكمات والتضييق ومحاربتهم بأرزاقهم سيؤدي الى مزيد من التطرف والانقسام الوطني، والطلب موجّه لوزير الإعلام الجديد : ما الذي يمنع من “هندسة الإعلام” ، وإطلاق على الأقل برنامج حواري سياسي واحد يفتح الحوار مع قوى المعارضة الوطنية بمختلف أطيافها، لا بل ان الاستمرار في تصدر المشهد الإعلامي من قبل مختلف أقطاب السلطة الحاليين والسابقين سيؤدي لمزيد من الاحتقان فأغلبيتهم جزء من المشكلة وليس الحل.
  • للقوى الوطنية والاجتماعية كافة نقول لها : آن الأوان للمبادرة لحوار وطني بين كافة القوى لإنجاز مشروع توافق وطني للتغيير الديمقراطي وإطار تنظيمي يحمل هذا المشروع يستطيع أن يمثل مصالح ومطالب الشعب الأردني ويدافع عنها، وللنظام السياسي كذلك نقول:  آن الأوان إمّا التجاوب مع مطالب القوى الوطنية، فورا  أو التحاور معها للوصول إلى مشروع وطني يشكّل حالة إجماع داخل الدولة يحقق الاستقرار السياسي والانسجام الاستراتيجي بين السلطة والشعب وخلق الثقة المتبادلة بينهما فالأنظمة التي لا تثق بشعبها أو الشعب الذي لا يثق بسلطاته ونظامه مهدد بشكل كبير في استقراره وامنه فلا يمكن لأي شعب ان يدافع عن دولة يعتبر نفسه أول ضحاياها.