الكرامة

21 مارس 2021
الكرامة

   العميد الركن م. صالح الشرّاب العبادي

لم يكن يوم الكرامة يوماً عادياً .. ولم تكن معركة الكرامة كمثل المعارك العسكرية .. التقليدية .. والتي تكون فيها المواجه بالسلاح بمختلف انواعه .. لكن معركة الكرامة كانت بمثابة ( كسر عظم ) .. حيث لا يوجد وجه لمقارنة القوى بين الجيشين المتحاربين .. فالآلة العسكرية الاسرائيلية كانت تفوق اضعاف الآلة العسكرية الاردنية ، حداثة وتطويراً .. والدعم الخارجي الدولي لهذه القوة كانت تتوالى من الدول العظمى .. اما الوضع الاقليمي فكانت الدول العربية معنوياتها في الحضيض من جراء نكسة تاريخية منيت بها جيوش الدول العربية التي شاركت بحرب ١٩٦٧.. وكانت تلك الجيوش منهكة .. تحاول لملمة جراحاتها .. ولا يخفى ان الجيش الاردني انذاك أيضاً كان الاكثر انهاكاً بعد ان كشف ظهره وطعن وهو واقف على اسوار القدس .. كالطود الشامخ ..

محلياً في ١٩٦٨ .. الاف الاف اللاجئين ، وجيش خارج من حرب استشهد بها مئات الجنود .. ومعنويات تكاد تكون منهارة ، وقدس احتلت وارض اغتصبت ، وموقف اقليمي يكيل الاتهامات لبعضهما البعض .. ودعم لم يصل .. واقتصاد متهاوي … وجيش دولة لم يتجاوز عمره العشرين عام انتصر على جيوش الدول العربية قاطبة من الخليج الى المحيط ..

فجاة … تستمر اسرائيل بغيها وطغيانها وزهوة انتصاراتها ..وغمرة فرحتها …وبدعم دولي منقطع النظير .. ومواقف عربية هزيلة تنذر بالخذلان ..

فجاة .. يشن الجيش الاسرائيلي اكبر هجوم بكامل قوته وعتاده ودعمه وآلته العسكرية المتطوره .. على عدة محاور على الاردن هادفاً الى احتلال مرتفعات الاردن الغربية..

هنا وفي تلك اللحظات العصيبة التي تمر بها البلاد …

( طاب الموت ) ( ويا هلا بالموت ) ليس بقوة عسكرية او عتاد او آلة .. بل كان القتال بالعقيدة والبسالة والصمود والعناد والشدة والعزم .. اما موت بشرف .. او حياة بذلة .. اما انتصار مدى الحياة.. او انكسار مدى الحياة ..

في الكرامة .. وضعوا الرجال كل ملذات الحياة وراء ظهورهم ، العسكر في تلك اللحظة تركوا اولادهم وذويهم وارضهم وبيوتهم وزوجاتهم .. تركوا كل احلامهم المحققة والتي لم تتحقق .. تركوا الدنيا من اجل الحياة .. وعشقوا الشهادة من اجل الشهادة .. طاب الموت يا رجال .. لم يفكروا اولئك الرجال الجنود والقادة .. في مطمع او مغنم او منصب او مكسب .. اللهم الا الاستشهاد في سبيل الله والارض والعرض .. قاتلوا بشراسة وعنفوان لم يشهد له التاريخ قتال الا في الكرامة .. نازلوا العدو الغاصب المتمرد المتصابي .. بكل انواع العقائد .. الدينية والعسكرية والاخلاقية .. بطولات جماعية وفردية لم يسبق لها مثيل في اي حرب .. قاتلوا باسلحتهم الثقيلة والخفيفة وانفسهم واجسادهم وافكارهم وايديهم .. حتى باسنانهم .. طبقوا كل انواع صفحات الحروب من دفاع وهجوم وانسحابات وهمية وقتال شوارع وقتال جماعات صغيرة وقتال مناطق مبينة …

هولاء الرجال الذين قضوا نحبهم شهداء .. وهولاء الرجال الذين لا يزالون على قيد الحياة. .. لهم الف تحية وسلام .. لهم العزة والكرامة والسؤدد..

الكرامة … هي الكرامة .. انتصار لا يدانيه انتصر .. وشهداء سطروا اروع انواع البطولات ، انتصار نتفيأ الان في ظلاله وروعته وعبق رائحته الخزامي .