نعم للاصلاح ..لا لفوضى الاصلاح

16 مارس 2021
نعم للاصلاح ..لا لفوضى الاصلاح

بقلم الدكتور مصطفى التل

الإصلاح السياسي والاقتصادي وبينهما الاجتماعي , لا يوجد مفردة أكثر تطرقا لأسماعنا من الإصلاح , مفهومها متعدد , كل فئة تفهمه بما يختلجها من مفاهيم متعددة , الجميع متفق على الإصلاح , مختلف بمفهوم الإصلاح , فالمكونات الحزبية تريده حسب ما تتبناه من أجندة , والمكونات الاجتماعية تريده حسب مفهومها الواسع  الاجتماعي, والمكونات الاقتصادية تريده حسب تصورها للحركة الاقتصادية , وما يرتبط بها .

الجميع متمسك بالإصلاح حسب ما يفهمه ويدركه منه , متبنيا موقفا جوهريا منه حسب تكوينه الحزبي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي ,.دون أن يكترث إلى الحد التشاركي في العقل الجمعي الأردني لمفهوم الإصلاح .

فعند طرح مفهوم الإصلاح , فإننا نتلقى عدة تصورات , ومفاهيم للإصلاح , يصل بعضها إلى نقض عرى الثوابت الأردنية عن بكرة أبيها , مما يشكل تهديد فعلي لجهود الإصلاح من جذورها  والأهداف المتوخاة منه .

هذا الواقع, يدفعنا إلى البحث عن المفهوم المشترك للعقل الجمعي الأردني للإصلاح , بعيدا عن الحزبية والتكوينات السياسية واتجاهاتها ومدارسها الفكرية , والتكتلات الاقتصادية التي تريد أن تجر مفهوم الإصلاح إلى حيزها الاقتصادي .

وهنا سيكون من الضرورة سبر أغوار التبني المفرط والصادم لمفهوم الإصلاح من مختلف التيارات  التي تتصارع على هذا المفهوم كل حسب تصوره , فالتيار المدني والليبرالي يرى مدخل الإصلاح من الليبرالية والمدنية , وبغيره هو انتحار , والتيار الإسلامي يرى أن المدخل الإصلاحي يكون من باب تيار الأسلمة , وبغيره يكون انتداب ووصاية ,  وبينهما يوجد لاعبين خلف الأستار , تمتد أيديهم إلى هتك ستر الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد , من خلال  الدعوات المغلفة بعناوين الإصلاح .

بالمقابل , نصطدم بكثير من المكونات التي تتغير مواقفها حسب العاطفة بمختلف ألوانها , والتي تتردد في الطرح والفهم , والمجاراة الفعلية للإصلاح المنشود , هذه المكونات هي الأخطر على الإصلاح ومفهومه , من التيارين أعلاه , وهي وقود لأي طرح  معنون بالإصلاح , يهدف إلى الاصطدام بالاستقرار الاجتماعي والسياسي في الأردن .

وهذا يقودنا طبعا إلى  الهمس المجتمعي في الأردن , أن هناك كثير من الشعارات ترفع في سبيل الإصلاح , ولكنها متلبسة ومتواطئة بجدية عدم الإصلاح , وما هي إلا ذر للرماد في العيون .

متفقون نسبيا  على أن  الاجتماع على مفهوم الإصلاح كمفهوم مدركي للجميع , مهمة شائكة جدا ومعقدة , في مشهد معقد وظروف أكثر تعقيدا كالتي يعيشها الأردن , سواء على المستوى الخارجي , أو الداخلي , وسط جائحة تعصف بكل مكونات الأردن , تحت ظل وطأة اقتصادية لا تحتمل , مسيّرة بضغوط خارجية  لا تهادن , عنوانها  تنازلات جوهرية عن ثوابت الأردن السياسية والوطنية , مع توظيف سياسي لمفهوم الإصلاح داخليا لبعض التوجهات السياسية الحزبية وتياراتها المختلفة , والتي أخذت تتمترس أكثر وأكثر خلف حزبيتها , بصورة تعاكس بعدها الوطني الجامع الذي نحتاجه في هذه الظروف القاهرة., وهذا ما جعل الحوار  الإصلاحي يبتعد عن عقاله إلى تشعبات وتشتتات ,  تهدد بتحول الجهد الإصلاحي إلى أزمة خانقة تضاف إلى الاختناقات التي أدت إلى إعلاء مصطلح الإصلاح وإضفاء الأهمية والأولوية عليه.

الأردن  بحاجة إلى برنامج  اصلاحي شامل ,  بإطار وطني وذو أهداف محددة وواضحة ,  وضمن سياقات تستحضر المصالح العليا للوطن , وامنه ومصالح  المواطن , وتحقق المشاركة والقناعة الشعبية الواسعة ضمن عملية سياسية واقتصادية واجتماعية محصنة بالشفافية  والمسائلة , والتعاطي الواقعي مع مطالب المواطنين .

* بين هذا وذاك , أين نقف  بالمفهوم الإصلاحي :

أغلب المواطنون الأردنيون يضعون نصب أعينهم معادلة الفرق بين التخريب والاصلاح , يضعون نصب أعينهم ذلك الخيط الدقيق الفارق بين الاصلاح وفوضى الاصلاح , والكل يعي أنه لا يملك الخيار في فقد كل شيء تحت مسمى الاصلاح وفوضويتها كما يريدها البعض , وبين الجمود عن الاصلاح .

والتمعن بالمشهد يجدنا  بين عقليتين للاصلاح :

العقلية الأولى : تقف ضد الاصلاح برمته , وحتى الضرورية منها  , وهي تريد هدم كل السابق في سبيل تأسيس لمرحلة قادمة جديدة كلية , تراه حسب منظورها هو الخلاص من كل شيء .

العقلية الثانية : وهي نقيض لأولى , وترى في الوطن انه مجرد محطة زمنية  لا بد من عبورها الى جديد , معطلة عندها حس التحليل اللازم , تفصل الأردن عن محيطه الملتهب , وتخفي كل ميزات الأردن التي تفرد بها عن محيطه , مما جعله في استقرار أمني واجتماعي وسياسي  , هذه العقلية تجاهلت كل  الصراعات المحيطية , والدماء التي تقف على حدودنا , والنار التي تستعر خلف ستار حدود الأردن , وتتعالى على جميع القوى المؤثرة في الأحداث , والتي تعصف بشيء اسمه السلم المجتمعي .

الاصلاح بوجه عام مطلوب , وضروري للاستقرار السياسي والمجتمعي , هو دعائم الاستقرار وقواعده المتينة , التي تحمي الأردن , وتعزز الثقة المتبادلة بين المواطن ومؤسساته على مختلف تسمياتها , فهو المانع من تسريب القلق لنفسية المواطن , واطمئنانه على مستقبله وعلى أبنائه وعلى أسرته في هذا الوطن , والمانع لانتشار اليأس والاحباط وفقدان الأمل عند المواطن .

ولكن التعديلات الدستورية ,  وقانون الانتخاب,  وإجراء انتخابات وتداول سلطة، ليست كافية ,  ففي لبنان اليوم انتخابات وتداول سلطة، لكن الأوضاع مهددة بأي لحظة بالانفجار، حتى ولو على خلاف حول الكهرباء، وكذلك الحال في العراق ودول أخرى.

المعادلة السحرية للاصلاح يلخصها (  محمد أبو رمان ) :

ما هي الوصفة السحرية لبناء المعادلة المطلوبة وتجاوز الأخطار والأزمات المحيطة والتفرغ لمواجهة التحديات والتهديدات الاستراتيجية  (العدالة، الطاقة، الماء، التعليم، التنمية، البطالة وجيوب الفقر، توفير فرص عمل..)؟..

الجواب يكمن بـ”الشراكة”، المرحلة الراهنة تتطلب عقولاً منفتحة متعاونة، تفكر ليس بعقلية الأضداد أو الخصوم، أو بمنطق إشاعة الرعب والفوضى، بل بتغليب منطق التفاهم وحسن النية، ….. يتوافق الجميع  على الخطوط العامة للمعادلتين السياسية والاقتصادية، ويتم إجراء الانتخابات في الصفحات الأولى من الكتاب الجديد، وليس الكتاب الحالي.

في الآونة الأخيرة اختلطت المفاهيم كثيراً، حتى الحديث عن الإصلاح اتخذ أبعاداً متباينة، وربما متناقضة، وبرزت على السطح أزمات مقلقة جداً، على خلفية صعود الهويات الفرعية وتأجيج الهواجس المتبادلة بين المواطنين، واضطراب رسالة الدولة فيما إذا كانت قد حدّدت الطريق واضحةً نحو دولة القانون والمواطنة والتعددية وتداور الحكومات، أم أننا ما نزال ندور حول أنفسنا ونتعرقل بكل أزمة ومشكلة صغيرة، حتى تصبح ككرة الثلج المتدحرجة.

من الضروري أن نفكّر في الجانب الاقتصادي بصورة موازية وعلى الدرجة نفسها من الأهمية للإصلاح السياسي، سواء ما يتعلّق بالأزمة المالية الحالية والخيارات الصعبة أمام الدولة أو حتى بالفجوة التنموية وعجز الشريحة الاجتماعية الواسعة من المواطنين عن التأقلم مع الضغوط الاقتصادية، وهو ما فجّر مؤخراً حركات الاحتجاج المطلبية على خلفية خيبة أمل من نتائج مشروع إعادة الهيكلة أو البطالة أو الفقر وشح فرص العمل في القطاع العام.

اليوم هنالك فراغ يكمن بعدم وجود رؤية استراتيجية وطنية للمرحلة المقبلة، تحدد الأولويات والأسس وتعيد بناء القيم الوطنية بصورة صارمة، هذه الرؤية هي مفتاح مواجهة الأزمة والدخول إلى المستقبل، والتفكير بما ينفع الناس في الأرض.

* المفهوم الشعبي  للإصلاح , بدون مساحيق تجميل :

في خضم هذه الصراعات الطاحنة لمفاهيم الإصلاح عند السياسيين والاقتصاديين والحزبيين , وتوظيف هذه المفاهيم لخدمة هدف كل فئة , نحتاج إلى  استجلاب المفهوم الشعبي النقي للإصلاح, بعيدا عن كل استغلال سياسي أو اقتصادي له  . وسموه كما شئتم , سذاجة , بساطة , عدم دراية …الخ .

الشعب الأردني , يريد دولة قوية , واقتصاد قوي , يشعر فيها بالراحة والكرامة والاطمئنان على مستقبله .

لا يريد مواطن عادي , ومواطن  له كل الخدمات , مواطن فوق العادة ,  لا يريد مهاترات واشاعات , لا يريد واسطات ومحسوبيات , لا يريد سيارة نمرة بيضاء وأخرى نمرة حمراء تفتح لها كل اشارات المرور وان خالفت القواعد العامة للسير .

لا يريد المواطن تعدد المرجعيات , ولا يريد تضارب في المعلومات , ولا يريد إدارات فوق المسائلة , لا يريد  مواطن مؤهل جالس على الرصيف , وعامل وافد غير مؤهل تفتح له كل الأبواب المغلقة في الأردن لأنه مدعوم من فلان وعلان .

المواطن الأردني يريد مستشفى مؤهل بكادر مؤهل , يحترم آدميته ويحترم مواطنته , لا يريد مستشفى متهالك لا تعرفه إلا من خلال علم يرفرف فوقه لا تراه إلا من خلال منظار .

مواطن يريد العلم لابنه علما بغير تجارة وثمن , طالبا على الموازي وآخر على التنافس وآخر موفد من جهة معينة , المواطن يريد طالبا جامعيا مؤهلا بتنافس عادل , وبسعر عادل للجميع بدون استثناء .

المواطن يريد أن يرى آثر الضرائب التي يدفعها في المحيط وعلى نفسه ,  هذا معفى منها , وذاك أسقطت عنه لأنه من طرف علان , وبين هذا وذاك متهرب   بعلم فلان وتحت نظره ..!! وبين الاجتهاد وبين التقدير وبين الكشف الحسي , يتهالك المواطن تحت ضربات الضريبة المختلفة .

استثمار هارب , واستثمار معطل , وآخر على الورق , المواطن لا يرى منها شيء , إلا ما يسمعه من وسائل الإعلام .

كهرباء ارتفعت , مياه انخفضت , كاز ارتفع , بنزين انخفض , إغلاق مصفاة البترول , إنشاء أخرى , أسعار تفضيلية , أسعار عالمية , أسعار متضاربة , لجنة تسعير , لجنة تحكيم , لجنة مراقبة , لجنة تحقيق ,  لجنة معادلة  أسعار المشتقات النفطية ,  رفع الدعم , إعادة الدعم , دعم جزئي , دعم كلي , خصخصة , كلية وجزئية ,  ضريبة مبيعات ارتفعت , ضريبة مبيعات انخفضت , ضرائب تفرض , ضرائب أخرى تلغى , معلومة مفقودة , معلومة مؤكدة , معلومة رمادية , معلومة بيضاء ….. مواطن يريد الحقيقة .

أحزاب , انتخابات , إصلاحات , نقابات , مؤسسات , توصيات بالمئات , مصالح وطنية عليا , مصالح وطنية داخلية , مصالح وطنية خارجية , تأكيد صباحا , نفي التأكيد مساءا , انتقادات بالمئات , رجال تُلمع , رجال تُبعد , انجازات منسوبة لأشخاص لا لوطن , افشالات ضيقة , انجاحات شخصية …مواطن لا يعرف أين يقف وسط هذا الضجيج .

محافظات معدمة , محافظات محورية , مدارس مخصوصة , مدارس أقل حظا , وكيف أقل حظا …ولماذا أقل حظا … والى متى ستبقى أقل حظا ..؟!

المفهوم الشعبي للاصلاح باختصار هو :

الذي يقضي بأن تصبح معادلة الوطن أكثر شفافية ووضوحاً، أقل مجاملة وفساداً، الإصلاح الحقيقي هو الذي يؤدي إلى أن تصبح مدارس الكرك ومعان واربد  كمدارس جبل عمان والصويفية ودابوق، اصلاح يؤدي إلى أن تصبح شوارع المفرق وعجلون واربد كشوارع عبدون، ، إصلاح يلغي التفرقة بين ألوان نمر سيارات المواطنين، إصلاح يكفل للجميع تلقي نفس المستوى في خدمة طبية مميزة، إصلاح يكفل للجميع التعبير بحرية محكمة ، اصلاح يسمح بحرية الحصول على المعلومة المؤكدة، إصلاح بغلاف وطني واحد لهدف واحد ضمن مساق واحد يندرج تحت مسمى مصلحة الوطن وأمن المواطن، الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والفكري حتى ننطلق بعدها إلى الإصلاح الشامل ضمن منظومة متكاملة تسمح بالاجتهاد والانتقاد ضمن رؤية وطنية واضحة لا تخطئها إشاعة مغرضة أو حزبية متعنته أو مصلحة ضيقة , كما وضحها الدكتور محمد القطاونة .