أزمة سد النهضة: أي دلالة للتقارب السوداني-المصري وماهي مآلاته المحتملة؟

14 مارس 2021
أزمة سد النهضة: أي دلالة للتقارب السوداني-المصري وماهي مآلاته المحتملة؟

وطنا اليوم – رصد – شهدت الفترة الأخيرة ما اعتبر تقارباً كبيراً في الموقفين المصري والسوداني بشأن ملف سد النهضة الشائك الواقع على النيل الأزرق الذي تبينه إثيوبيا وتقول إنه مهم لتمنيتها الاقتصادية وأن لها الحق تماماً في استخدام مياه النيل التي استغلتها مصر لفترة طويلة، فيما تخشى مصر التي تعاني أصلاً من شح في المياه من تضرر إمداداتها من مياه النيل بسببه، ومثلها السودان التي يقع هذا السد بالقرب من حدودها من مخاطر الفيضانات والتي تخشى أن تتأثر سدودها بسبب الخطوات الإثيوبية.

 

ففي مواجهة سياسية أمر الواقع التي تتبعها إثيوبيا مع انجازها المرحلة الأولى من ملء الخزان البالغة سعته 4.9 مليارات متر مكعب في نهاية تموز/يوليو من العام الماضي والمضي قدماً لتنفيذ المرحلة الثانية من ملء بحيرة السد في تموز/يوليو المقبل، تكثف السودان ومصر الاتصالات واللقاءات على مختلف الأصعدة السياسية، الدبلوماسية والعسكرية، منذ أسابيع تنسيقهما لانتزاع اتفاق ملزم قانوناً منها بشأن تشغيل السد، والذي فشلتا في الحصول عليه خلال الجولات الماراثونية من المفاوضات الدبلوماسية المستمرة منذ أكثر من تسعة أعوام.

وفي هذا السياق، زار الرئيسُ المصري عبد الفتاح السيسي الخرطوم قبل نحو أسبوع، التي جدد منها الدعوة إلى اتفاق ملزم بحلول فصل الصيف بشأن تشغيل النهضة الأثيوبي، قبل حلول موسم الفيضانات، مشدداً على رفض القاهرة للملء الأحادي. بدوره، زار رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك القاهرة، يوم الخميس الماضي، حيث اتفق مع الرئيس المصري على تكثيف التنسيق في ظل هذه «المرحلة الدقيقة» التي يمر بها ملف سد النهضة الذي الإثيوبي، بما في ذلك مواصلة العمل من أجل تفعيل الاقتراح الذي قدمته الخرطوم مؤخراً بشأن استئناف المفاوضات مع إثيوبيا عبر وساطة رباعية، تضم كلاً من الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وهو مقترح تدعمه القاهرة، وترفضه آديس آبابا، مشددة على أنها تقبل فقط بالوساطة القائمة التي يقودها الاتحاد الأفريقي والذي يتولى الرئيس الكونغولي حالياً رئاسته الدورية، وعلى تمسكها بالمرجعية المتعلقة باتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث.

وشدد السيسي وحمدوك على ضرورة تعزيز الاتصالات مع الأطراف الإقليمية والدولية لتفعيل المقترح السوداني بتشكيل رباعية دولية للتوسط في القضية، «بما يساعد على التوصل لاتفاق قانوني شامل وملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وقبل موسم الأمطار القادم». وفي موازاة هذه التحركات الدبلوماسية، وقع رئيسا أركان المصري خلال زيارته قبل أيام إلى الخرطوم على اتفاقية تعاون عسكري مع نظيره السوداني.

 

التصعيد في الفشقة

 

هذا التقارب في الموقف المصري السوادني بشأن ملف سد النهضة الشائك، ساهم فيه، وفق مراقبين ومحللين، التصعيد الأخير بين السوادان وإثيوبيا في منطقة الفشقة الحدودية التي يقطنها منذ فترة طويلة مزارعون إثيوبيون، تقول الخرطوم إنهم يستغلون أراضيها الخصيبة التي تشقها عدة أنها، وتؤكد حقها في السيطرة على المنطقة بموجب اتفاقية حدودية تعود إلى عام 1903. وهو ما تفنده آديس آبابا، التي اتهمت طرفاً ثالثا لم تذكره بالاسم بدفع الجيش السوداني إلى إثارة قضية هذه المنطقة الحدودية في الأسابيع الأخيرة. ويرى محفوظ السالك الصحافي والباحث في الشؤون الأفريقية، في رد على سؤال لـ»القدس العربي» أن الأزمة الحدودية بين إثيوبيا والسودان، لا شك في أنها تزيد من تعقيد المشكل الكبير المتعلق بملف سد النهضة، وتفاقم من معاناة شرائح واسعة – بشكل مباشر أو غير مباشر – من سكان الدول الثلاث المعنية بالملف. لكن مشكل الحدود بالنسبة لإثيوبيا، لا يقتصر على حدودها مع السودان فحسب، وإنما مع إرتيريا كذلك، وهو يلقي أيضا بظلاله على الملف، وجاء وضع إقليم تيغراي ليعمق تعقيدات أزمة إثيوبيا الحدودية مع جارتيها السودان وإرتيريا، وفق محفوظ السالك.

ويعتبر مراقبون ومحللون يرون أن عزم تنفيذ المرحلة الثانية لملء سد النهضة متجاهلة الدعوات لتأجيل الخطوة، تفسر إلى حد كبير هذا التقارب الحاصل بين السودان ومصر، التي شدد رئيسها عبد الفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة إلى الخرطوم على رفضه لـ»سياسة فرض الأمر الواقع وبسط السيطرة على النيل الأزرق بإجراءات أحادية لا تراعي مصالح مصر والسودان كدولتي مصب، وذلك عبر تنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق». ضمن هذا الإطار تحدث الصحافي والمحلل السياسي وليد عباس لـ»القدس العربي» موضحاً: «المسؤولون في السودان بدأوا، على ما يبدو، في تقييم أخطار سد النهضة، سواء على مستوى حصول السودان على احتياجاته المائية، أو على مستوى مخاوف أثارها بعض الخبراء بشأن فيضانات ضخمة قد تنجم عن انهيار جزئي أو كلي لهذا السد» الذي أقيم على أراضي سودانية منحت لإثيوبيا عام 1902 وفق معاهدة تشترط موافقة السودان على إقامة أي منشآت مائية عليها.

وفي نفس السياق، أكد وزارة الري والموارد المائية السودانية على لسان وكيلها ضو البيت عبد الرحمن، هذا الأسبوع، أن الخرطوم تتحسب لكل السيناريوهات المحتملة جراء التعبئة الأحادية لسد النهضة التي تعتزم إثيوبيا القيام بها في شهر تموز/يوليو المقبل. ويعتبر المسؤولون السودانيون أن الملء الثاني لسد النهضة يشكل خطرا على سدوده بالنيل الأزرق ويهدد حياة نحو 20 مليون سوداني يقطنون على الضفاف.

 

مثلث حلايب وشلاتين

 

وأيضا يعتبر وليد عباس أن «تغير تحالفات السودان، وتقارب الخرطوم مع القاهرة بهذه الصورة القوية، هي ناجمة عموماً عن تغييرات جذرية في الوضع السياسي الداخلي في السودان بعد عزل نظام عمر البشير، والتغييرات الجذرية في خريطة العلاقات الإقليمية والدولية، مع أدوار جديدة للولايات المتحدة وإسرائيل، في فترة حكم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، وبعد اتفاقيات التطبيع الإسرائيلية مع السودان وعدد من البلدان العربية». ويتوقع المحلل السياسي أن نشهد تحالفاً استراتيجياً بين القاهرة والخرطوم، ما لم تتغير الأوضاع الداخلية في أحد أو في كلا البلدين.

لكن ثمة ملف آخر ما يزال عالقاً قد يقوض هذا التقارب المصري السوادني، وهو قضية مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه بين البلدين، والمطل على ساحل البحر الأحمر، على الحدود بينهما، بمساحة نحو 20.5 ألف كيلومتر مربع، ويضم ثلاث مناطق هي: حلايب وشلاتين وأبو رماد. ورغم نزاع الجارتين على هذا المثلث الحدودي منذ استقلال السودان عام 1956 لكنه كان مفتوحًا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى 1995 حين دخله الجيش المصري وأحكم سيطرته عليه.

وقد دعا رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، خلال لقاء مع أكاديميين وباحثين، على هامش زيارته على القاهرة هذا الخميس، إلى فتح هذا الملف من أجل التفاهم حوله، وفق ما أفادت وكالة الأنباء السودانية، التي أكدت أن حمدوك شدد على ضرورة «الحديث عن المسكوت عنه في العلاقات بين البلدين».

 

السيناريوهات المحتملة

 

وفي تعثر ماراثون المفاوضات القائم منذ نحو عشر سنوات حول سد النهضة إلى أي حل ينهي هذه الأزمة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، وأيضا السياسية والأمنية، يرجح الباحث السياسي محفوظ السالك أحد السيناريوهين التاليين: أولا، ضغط شعبي كبير داخل الدول الثلاث، يخرج من خلاله الملف من دائرة الجانب الرسمي الضيق إلى المعطى الشعبي الواسع، وهذا سيفرض بطبيعة الحال تحركا عاجلا متعدد الأبعاد إقليميا ودوليا وأمميا، قد يكون أنجع من مطالبة طرف من الدول المعنية بتدويل الملف، وتمسك طرف آخر بالوساطة الأفريقية، كما هو حاصل حالياً.

أما السيناريو الثاني، وهو الأسوأ، ويتعلق بالجانب العسكري، وهذا سيجعل المجتمع الدولي يتحرك بجدية أكبر، لأن اندلاع حرب في هذا الجزء الحيوي الهام من القارة ليست في صالحه، كون كل القوى الدولية الكبرى لها وجود استراتيجي بهذه المنطقة، واندلاع حرب بها ليست في صالحها. وهذا السيناريو، أي الخيار العسكري، أشار المحلل السياسي وليد عباس إلى أن ملامحه بدأت تظهر في تعبئة الرأي العام المصري بشأن المواقف الإثيوبية المعطلة للمفاوضات. ويبدو أن القاهرة تستعد، بالفعل، لهذا الخيار، وليست الخرطوم بعيدة عن المشاركة فيه، وفق ليد عباس.

القدس العربي