جانبك يكتب: الأرقام والمشاعر

3 مارس 2021
جانبك يكتب: الأرقام والمشاعر

بقلم العميد م . زهدي جانبك
لا أدري ان كان من حسن الحظ او من سوء الطالع أنني أدركت ناعور وهي متناهية في الصغر، كنت اعرف كل أهلها بيتاً بيتاً.
وبسبب عدد سكانها القليل ربما، كانت مناسبات الفرح قليلة عددا كما كانت الاتراح كذلك… فإن تزو ج أحدهم، استمرت الأفراح اسبوع واسبوعين بل ان احد الاعراس استمر لمدة 42 يوما…كنا نفرح جميعا، كبارا ، وصغارا… وكان الفرح يدخل بيوتنا جميعا….
واذا اصابتنا مصيبة الموت كان الترح يستمر اسبوعاً، وأكثر…. وكان الحزن يدخل كل بيوتنا أربعين يوما، ويستقر في بيوت اهل المتوفى سنة كاملة.
لم يكن احد من اهل البلدة يرضى بأن يكون صوت المذياع (الراديو) مسموعا عند الجيران او من الشارع… وكان ممنوعا فتح الراديو (وفيما بعد التلفزيون) طيلة الأربعين يوما… وأقل كلمة كانت تقال : فلان ما بستحي ، ما صار الأربعين على موت علان وصوت الموسيقى بصدح من الراديو تبعهم…
كنا نحترم مشاعر الآخرين… كنا نحترم الإنسان ، بدون هيئات حقوق انسان ووجع رأس…. كان الإنسان أغلى ما نملك…
اعتقد ان طفرة ما أصابتنا، فلم نعد بشرا ولم نعد نحترم الإنسان… ولم نعد نحترم المشاعر…
أصبحت اكره الفيسبوك، لكثرة ما اكتب تعزية لأحباب فقدوا احبابهم… وانا خلال سنة فقدت اثنين من احبابي… أخي واختي وكانا بمقام ابي وامي….
يوميا عشرات الوفيات وعشرات الجنائز، طوال عمري لم اصلي على 17 جنازة مجتمعة بوقت واحد بمكان واحد إلا هذه السنة…
ويوميا مئات، بل آلاف المصابين المرشحين للموت…
رسولنا الحبيب فقد اثنين من احبائه بسنة واحدة فاسميناها عام الحزن….
الفقر يقتلنا… والبطالة تمزقنا… والناس تفقد احباءها، وارزاقها بتسارع ما عدنا “ملحقين” عليه….ولم يخرج علينا من يخجل، ويستحي، ويقول هذا وقت حزين… هذا وقت استشنائي… هذا عام الحزن…. والعمل لجبر القلوب والخواطر.
يا سادة:
هذا ظرف حزين استثنائي… بحاجة إلى رجال استثنائيين… يخجلون ان يفرحوا وسط كل هذا الحزن… ويستحون ان يأكلوا وسط هذا الجوع… يخجلون ان يولموا والناس لا تجد قوت يومها… إلا نخجل… إلا نستحي… كيف سرقوا منا احترامنا للمشاعر؟ … واحترامنا للانسان؟ …
نحن بحاجة إلى رجال يقودون المرحلة ليسخروا كل مقدرات الامة للمحافظة على بقائنا جميعا… والمحافظة على صحتنا جميعا… هذا ليس وقت الاحتفالات والحفلات… فقد امتلأت البلد موتا، وفقرا، وجوعا،… ونحن بحاجة إلى كل فلس لاطعام هذا الشعب الصابر… وتشغيله…ومعالجته…
أخجل عندما اسمع وزير الصحة يقول نحن قادرين على تطعيم 30 الى 40 الف مواطن يوميا اذا امنتولنا المطعوم… معاليك انت المسؤول عن تامين المطعوم…
أخجل عندما اسمع وزيرا يقول: “امنحوني أوضاعاً طبيعية ثم انظروا لعملي، فلا تحاسبوني على ما قلته، فالأمور حالياً ليست مثالية”… معاليك ، انت المسؤول عن خلق الأوضاع العادية… هذا عملك.
احتفالات، واعراس بتكاليف طيارات هليكوبتر، ومطاعم، ومزارع،… والناس تموت وتزداد فقرا وجوعا ومرضا… ولا زالوا يكظمون غيظهم حبا بالأردن… فاتقوا الله بنا
فنحن لسنا عدد إصابات كورونا ووفيات يا سادة… نحن لسنا منحنى لتسطيحه…. نحن بشر، نحن الإنسان الغالي، ونيتحق افضل