ما الجديد في رسالة الملك … وهل انطوت على اعتراف بتوحش سيطرة الأمني على السياسي؟

25 فبراير 2021
ما الجديد في رسالة الملك … وهل انطوت على اعتراف بتوحش سيطرة الأمني على السياسي؟

بقلم : فلحة بريزات 

 قد يُشعل هذا السؤال بريق أعين أولئك المنتظرين زلة لسان أو جناية قلمفاضت روحه ، أوالمتعطشة أقلامهم لدماء جديدة تمنحهم حصانة إضافية في سجل دوائر صنع القرار،  أما القلقون على مستقبل الوطن ستغيب عنهم  الطمأنينة إذا بقي الثقل الأمنيُ يستحضر عند كل كبيرة وصغيرة .

بداية من أسدى النصيحة إلى سيد البلاد بأن تحمل رسالته الموجهة إلى مدير مخابرات العامة مسوغاً  للأداور التي  قامت بها المؤسسة الأمنية كبديل عن المؤسسات الرسمية الأخرى هو إساءة  لموقع الملك، ورمزيته، وهواعتراف قاطع على  تجاوز المؤسسة على  وظائف  المؤسسات الأخرى-وإن غلف هذا  العذر بضعف هيكل تلك المؤسسات- وعدم اكتمال نموها واشتداد عودها بالرغم من مائة عام  من عمر الدولة .

إذا، هناك توجه لوقف  الصيد داخل الشباك الرسمي، وقد يتنفس المواطن المكلوم هواءً  مختلفا بعد  أن اسقطت فكرة  التجسير بين  ضعف الرسمي وسطوة الأمني؟  وعليه ستشهد البلاد  إعادة ترميم  للقيادات  بعد  جبر كسرِ السياسة والاقتصاد وحرية الكلمة، وحقوق المواطن وكرامته .

وستُمنح الحكومة وقتاً إضافياً لاعادة تموضعها بعيداً عن ظل الجهاز وتدخلاته،  مع اليقين أن القرار سيبقى  مستنداً إلى مثلث غير متساوي الأضلاع : حكومة  باكية  تنشد ولاية ضائعة ، وأخرى ( ظل ) تتزين عند الحاجة، ومؤسسة أمنية تميل كفتها دوما مهما صغر الهدف أو كبر.

وفي ظل المتغير الجديد،  فلم يعد  مجدياً  غض الطرف عن حجم  الحصار العقلي ومراقبة الضمير الانساني في إطار السياسة  التي  ينتهجها بعض القيمين على  ملفات بعينها؛ كالأحزاب والنقابات والحريات،  وحقوق  الكرامة الإنسانية وحبس الصحفيين وارهابهم ..الخ، تحت ذرائع ومبررات ما عادت  تقنع لا الداخل الذي هو الأهم في معادلة الأمن  الشامل، وشكل العلاقة ما بين  النظام السياسي والمواطنين ولا الخارج أيضاً.

علينا أن نعترف بأن الدولة العميقة  – عكّرت  صفو المزاج العام  وحدّت من تفاؤل الأردنيين  بإحداث عدالة مكتملة، وديمقراطية  ناجزة، قوامها مؤسسات وطنية منتخبة بكامل إرادة الناس وقناعاتهم، من دون أن تخضع للتصفية أو الإملاءات والرغبات، وضيق الأفق وحسابات السرايا.

فبدلاً  من أن تحمي  المسيرة الديموقراطية، وتصون كرامتها غضّت الطرف عن كل الخروقات  التي شكّلت خنجراً في خاصرة  الوطن وصورته، هذا بعد أن وأدت  آمال  المعلمين والقت بملف نقابتهم في  أحضان السلطة القضائية التي بتنا أيضا نتخوّف على استقلاليتها وحصانة قرارها.

وفي  مفارقة غير مفهومة لا في التوقيت ولا في الدلالات،  ففي الوقت  الذي جاءت  الدعوة  إلى انتاج قوانين  اصلاح جديدة، نجد أن الرسمي  يقصم ظهر الأحزاب، بسوق تبريرات هشة في مضمونها، لجأت اليها الحكومة بعد أن فقدت كل أسباب وجودها؛ لأنها لا  تحرك  ساكناً  في ملف الإصلاح إلا عبر بوابة الأمني ورغباته واشتراطاته غير المفهومة.

ستبقى مآلات هذه القرارات أول حجر عثرة  في مسيرة  المئوية الثانية،  بعد أن تعاملت  معها  الدولة في إطار كسر العظم، وأكل  اللحم وهو  ما  يؤشر إلى حالة من  التوحش  في سيطرة الأمني على السياسي في حالة لم تعد  مقبولة  وطنيا قبل أن تكون مقبولة خارجياً .

أسئلة كبيرة ستبقى معلقة بلا إجابة، لكن  السؤال  الأهم هو عن مفهوم الأمن الذي تريده دائرتنا الوطنية ومضمونه؟ و ما الحكمة من وضع ملفات اصلاحيةونقابية   تحت رعايتها ورهن إشارتها؟. 

اما إذا كان التحريك  لملف  الإصلاح هو ارتداد مرحلي لمتطلبات الإدارة الأمريكية  الجديدة فهذا سيعيدنا الى المربع الأول بأن رياح الإصلاح  تهب علينا من  الخارج، وما  نحن  سوى  بيئة متلقية علينا  التكيف مع  متطلباتها، والتناغم مع ما يفرض علينا، خاصة في ظل القفز عن كل مطالبات  الداخلوالتي عبّرت عنها  شخصيات وازنة أو مؤسسات وطنية أشرت في تقاريها اكثر من مرة إلى  وجود تجاوزات  تخل بمنظومة كرامة الإنسان وحقوقه .

لا نريد أن  نعود الى مرحلة  التفكير بمفهوم ( جمهوريات الموز) فتصبح مسألة إعادة الاعتبار لقيم الحرية والكرامة  والعدالة والتعبير خاضعة لبوصلة المطلب الخارجي واهتماماته،  فكلنا نعي  أن العالم الغربي له مصالحه بالدرجة الأولى، ثم تأتي مصالح العالم الثالث وحقوقه بعدها بمسافات لا حدود لها .

ما نريده لهذه المؤسسة الوطنية أن يكون  سجلها نقياً من  التدخلات، وأن يكون هناك معايير واضحة في  نظرتها للملفات التي تضمن كرامة الأردنيين على اختلاف توجهاتهم، نريد منها أن تبتعد عن  التدخل في التعيينات، ومنح صكوك الغفران والولاءات والانتماءات.

 فالحصانة الحقيقية للمؤسسات أكانت أمنية او مدنية، هي إعادة ثقة المواطن بها، من خلال تعديل  سلوكها، وإلا سيبقى  ما ورد في الرسالة  الملكية  يجري في واد ونحن في واد آخر، ولن يسقط  في  اليقينيات إلا  بعد ان يطفو على السطح  ما يشير إلى خلاف ذلك.

 بقي أن أؤكد على أن هذا الرأي لا يأتي في إطار الحكم القَبلي، ولا يؤشر بحال من الأحوال  إلى انتقاص في  مضامين الرسالة، انما هو قراءة جادة لمرحلة مهمة من مراحل الأردن، ومحاولة لاستشرافٌ مبنيٌّ على  معطيات وسيرورة طبيعية لدورة حياة الوطن السياسية.