لماذا تغرق المحلات في وسط البلد؟

18 أكتوبر 2020
لماذا تغرق المحلات في وسط البلد؟

وطنا اليوم:«هل سيغرق المحلّ مرّة أخرى؟»، هذا هو السؤال الذي كان يدور في بال أكرم أبو كفّ (23 عامًا)، وهو يرى الأمطار تهطل على وسط البلد في العاصمة عمّان، في إحدى ليالي كانون الثاني من هذا العام.
وعلى أبواب شتاء هذا العام، يلازم هذا النوع من الأسئلة أصحاب المحال في وسط البلد، خاصةً بعد تعرّض العديد منهم لخسائر وصفوها بالكبيرة خلال العامين الماضيين.
يروي أبو كف ما حدَثَ معه مطلع العام الحالي، إذ اتصل بصاحب المحل ليبلغه أن منسوب المياه يرتفع والبضاعة في المحل الآخر التابع لهم تغرق، وطلب منه الحضور للمكان؛ ليطلبوا بعدها مساعدة الدفاع المدني الذي جاءَ بحسب أبو كف متأخرًا ودون المعدّات اللازمة.
غيرَ أنَّ ارتفاع منسوب المياه عام 2020 لا يُقارن بما حدث أواخر شباط من العام الماضي، يقول أبو كف: «وصلت ع دوامي من الصبح لقيت المحل غرقان»، ويضيف أنه والعمال ظلّوا يخرجون الماء من المحل على مدى ستّة أيّام متتالية، ذاكرًا مرور الدفاع المدنيّ بهم وتركهم على حالهم بحثًا عن محال أكثر تضررًا، في حين مدّتهم الأمانة بمضخاتٍ لا تعمل، ما دفعهم لشراء مضخاتٍ خاصة بهم.
يقول أبو آدم، صاحب المحل الذي يعمل فيه أكرم، إن الأضرار لحقت بالطابق الأرضيِّ بالكامل من المحل؛ لوقوعه تحت مستوى الشارع، ما أدى لخسائر كبيرة، حصلوا مقابلها على تعويضاتٍ تشكّل نسبةً ضئيلةً من الخسارة بحسبه، ولا تفي بالغرض. «الرعب اللي صار فينا، الواحد لا سمح الله غرق، الشغيلة غرقت!»، مسلسلٌ يتكرر مع أبو آدم عقب كل شتوة، ويتحوَلُ بعدها لكابوسٍ يعرقل عمله.
لماذا تغرق المحلات في وسط البلد؟
يبين تقرير اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء السابق عمر الرزاز في عام 2019، للوقوف على أسباب الفيضان، أن عوائق في التصريف قد تزامنت مع استمرار هطول الأمطار لفترةٍ طويلةٍ نسبيًا، ما أدى إلى زيادة الجريان السطحيّ في الشوارع، وتجمع المياه في المناطق المنخفضة.
وفي تصريحات سابقة، قال الناطق باسم أمانة عمّان الكبرى، ناصر رحامنة، إنَّ الأمانة تعمل سنويًّا على إعداد خطة متكاملة لمواجهة الظروف الجوية خلال فصل الشتاء، مع إعلان حالة الطوارئ التي تتناسب مع الطقس، كما تقوم سنويًا بتنظيف مناهل وخطوط تصريف مياه الأمطار ومداخل ومخارج عبارات تصريف المياه والقنوات المكشوفة، بالتنسيق مع مديريات المناطق، وفتح مجاري السيول والأودية.
ويؤكد أنَّ تنظيف شبكات تصريف مياه الأمطار عملية مستمرة طوال العام لضمان الاستعداد الأمثل، إضافة إلى تنظيف العبّارة الرئيسية في منطقة سقف السيل أسفل شارع قريش وصولًا إلى مخرجها في المحطة، وإزالة الطمم والأتربة من مجاري السيول والأودية، بالتزامن مع إنشاء عباراتٍ جديدة لتصريف المياه.
تبع موسم الشِتاء هذا العام فرض حظر التجول ضمن إجراءات التعامل مع جائحة كورونا بالتزامن مع شهر رمضان، ما أوقفَ بيع التجار، ودفع كثيرين منهم للتفكير بترك السوق، نتيجة تلقيهم أضرارًا متلاحقة وعدم إيجاد حلول تحمي محالهم من الموسم المطري المُقبل.
يتفق أبو أحمد الحسنات، وهو صاحب محلٍ للألعاب ومستحضرات العناية بالبشرة، مع زميله بقوله إنَّ عمان لم تغرق إلا في السنوات الأخيرة، مرجعًا السبب في ذلك إلى إغلاقات المناهل؛ «المي وصلت من الشارع الرئيسي لنص محلاتنا».
يملك الحسنات محلين تعرضا للغرق خلال عاميّ 2019 و2020؛ ليحصل بعدها على تعويضاتٍ بقيمة أربعة آلاف دينار، عن خسارته التي قدر بسبعة آلاف دينار ونصف، إذ يرى بأن التعويضات لم تتناسب مع الضرر الحاصل، ولم تكن مفيدةً لهم. وفي ظل الوضع الاقتصادي الحالي، يقول الحسنات إنه غير قادر على تجهيز ما يقيه من الغرق في الشتاء المقبل.

هل يمكن تجنّب غرق وسط البلد في الموسم المقبل؟
من جانبه يشرح المدير التنفيذي السابق للهندسة في أمانة عمان، المهندس محمد الخرابشة، أنَّ سبب غرق وسط البلد في كل مرةٍ يكمن بعدم استيعاب عَبَّارة سقف السيل للمياه المتدفقة إليها، إذ إنَّها أُنشئت في ستينيات القرن الماضي ما يعني أنَّ عمرها الافتراضيّ وهو 50 عامًا قد انتهى الآن.
ويضيف بأن موقع وسط البلد ضمن منطقةٍ محيطةٍ بالجبال يجعل من تدفق المياه إليه أكثر سرعةً وسهولة، إضافةً لمعالجة أمانة عمان الكبرى لما يسمى بالبؤر السوداء، مثل كوزمو الدوار السابع، ودوار صويلح، وشارع الملك عبدالله، وشارع الملك حسين، ووادي عبدون، عن طريق شبكها بالعبّارة الرئيسيّة في سقف السيل، ما زاد وضعها سوءًا؛ «يعني ما كانت قادرة على استيعاب كمية المي اللي نازلة».
ويتابع الخرابشة أن من أسباب غرق المدينة كذلك قِلة المساحات الخضراء والترابيّة مع التوسع العمراني، إذ كانت الأرض قادرةٌ على امتصاص المياه بشكلٍ أفضَل في السابق، وقد أدى هذا التوسع العمراني إلى الضغط على العبّارة التي باتت غير قادرة على استيعاب المياه، «خاصةً خلال فترات الذروة المطريّة، ما أدى إلى فيضان المياه بشكل عكسي، لما تدخل كميات المياه والعبّارة غير قادرة على استيعابها، خاصةً في الجزء النهائي من العبّارة، كميّة المي الخارجة أقل من الداخلة، المي بتبلش تطلع من المصارف والـ«جريلات» اللي على ظهر العبّارة، وخاصةً إنه الأمانة زادت عدد المصارف، فهذا الأمر بطلع من العبّارة ويؤدي لتدفق المياه على المباني والأسواق اللي على جوانبها».
ويؤكد على اشتداد هطول مياه الأمطار في السنوات الأخيرة، ما أدى لغرق وسط البلد ست مراتٍ منذُ العام 2010 حتى الآن، ما يعني أنَّ كلّ الحلول المتمثلة بالمضخات وأكياس الرمل والحواجز أمام المحال وغيرها، محض حلول مؤقتةٍ لمنع الغرق، بحسبه.
«ماني شايف استعدادات، هذا الشارع بحفروا فيه، وما فتحوا مناهل»، هكذا يلخص الحسنات استقباله للموسم المطريِّ المُقبل، الأمر الذي ينطبق على بقيّة تجار وسط البلد في عمان.
الحل الوحيد برأي الخرابشة يكمن في إعادة دراسة العبّارة وتوسعتها، مع تجنّب التوسع من خلال الجوانب التي يصعب العمل عليها لوقوعها ضمن مناطق مليئة بالمباني والمحال التجاريّة، إضافةً لزيادة عمقها باتجاهٍ عامودي، إذ يبلغ عمقها الحاليّ أربعة أمتار، ومن الجيِّد جعله ستة أمتار.
يشدد الخرابشة على ضرورة بناء خطةٍ قبل شهر الصيف، وعلى مراحل، أبرزها كسر العبّارة الحاليّة، وفصل شبكات المجاري المنزليّة الموصولة بها، لافتًا إلى كونه الحل الوحيد النافع، مع أنه مكلف للأمانة، «حسب همة الأمانة والموازنة ممكن الحل يكون نهائي وجذري ويتنفذ بسنتين ثلاث»، ويوضح «أول شي بنخلص من استيعاب العبّارة والعبّارة المتآكلة، وبنكون عملنا عبارة جديدة بتستوعب كميات المياه اللي بتنزل عليها».
تم إنتاج هذا التقرير ضمن مشروع «عيون» للصحافة المحلية.