الجوع بعد الفقر.. خطر كبير يلوح بالأفق

18 أكتوبر 2020
الجوع بعد الفقر.. خطر كبير يلوح بالأفق

وطنا اليوم:يؤكد خبراء اقتصاديون وفي مجال علم الاجتماع أن الأردن اليوم دخل مرحلة خطيرة على صعيد ملف الفقر، فالأمر لم يعد يتعلق بالفقراء إنما تعداه إلى مرحلة أخطر.. “الجوع”.
ويدعم هذه التأكيدات ما جاءت به دراسة نشرت في آب (أغسطس) الماضي صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”؛ إذ أشارت الدراسة الى أن معدل دخل بعض الأسر في الأردن انخفض، وتضاعف عدد العائلات التي يقل دخلها الشهري عن 100 دينار أردني (140 دولارا) منذ انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد.
وأضافت هذه الدراسة التي جاءت حول التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأطفال والشباب الأكثر هشاشة وأولياء أمورهم في الأردن خلال جائحة كورونا، أن 28 % من العائلات لديها تمويل يكفي لأسبوعين فقط لإعالة أنفسهم، وأن 68 % من العائلات تعطلت أعمالهم بسبب الجائحة.
وأشارت الدراسة، التي شملت عائلات أردنية وسورية، إلى أن “28 % من الأطفال يذهبون إلى فراشهم جياع أثناء حظر التجول، وانخفضت النسبة لتصل إلى 15 % بعد فك حظر التجول”.
ويقودنا هذا الى ما كان البنك الدولي قد أسماه في وقت سابق بـ”الفقراء العابرون في الأردن” وهم أولئك الفئة الذين اختبروا الفقر أقله خلال ربع واحد من أرباع العام بسبب فقدان عمل أو انخفاض دخل أو غيره؛ حيث كان هؤلاء يشكل قبل حوالي 10 أعوام
18.6 % من مجموع السكان الأردنيين، ولا يعرف اليوم هذه النسبة ولم يتم التصريح عنها لا محليا ولا دوليا.
ويوضح خبراء أن معدلات الفقر ارتفعت خلال العام الحالي بنسب كبيرة، خصوصا مع ارتفاع معدلات البطالة والانكماش الاقتصادي، وسياسات الحكومة التي تغلّب الجانب الصحي فيها على الجانب الاقتصادي في التعامل مع كورونا.
ويرى هؤلاء ضرورة إيجاد سياسات حقيقية لمواجهة أرقام الفقر والتعامل مع الفقراء الجدد الذين دخلوا الى هذه الفئة في ظل الجائحة، مع تأكيد ضرورة التعامل مع الفقراء اليوم بشكل حقيقي بعيدا عن العناوين والسياسات التي لا تطبق.
ويرى أستاذ علم الاجتماع د.حسين الخزاعي، أن الأردن شأنه شأن دول أخرى في العالم تأثرت اقتصاديا بدرجة كبيرة من الجائحة، وقد كانت أكثر الفئات تضررا هي الأكثر هشاشة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
وأضاف الخزاعي أن زيادة الفقر يمكن الاستدلال عليها من مؤشرات واضحة وبسيطة أولها طلبات دعم الخبز التي قدرت بـ900 ألف طلب جديد بعد الجائحة، يضافون الى الـ400 ألف طلب قبل الجائحة، وطلب المعونة من الضمان الاجتماعي التي وصلت الى حوالي 400 ألف طلب (عمال المياومة الذين تأثروا).
كما أن معدلات البطالة التي قدرت بـ23 % من بينها 27 % كانوا متزوجين، 39 % كانوا متعلمين، الإناث قدرت نسبتهن بـ78 %، وفئة الشباب قدرت بـ40 %.
وأشار الى أننا اليوم نتحدث عن حوالي مليوني فقير جديد وطالب معونة انضموا الى المليون فقير الموجودين والمعترف بهم كفقراء قبل الجائحة، ليصل عدد الفقراء، وفق توقعات الخزاعي، الى حوالي 3 ملايين فقير.
وأشار الخزاعي الى أن جزءا من الفقراء الجدد هم ممن أطلق عليهم “الفقراء عفيفو النفس” أو “الصامتون” الذين لم يلجؤوا الى طلب المعونة والمساعدة من قبل، إلا أن الظروف القاسية اليوم أجبرتهم على ذلك وجعلتهم يلجؤون للدولة.
وقال الخزاعي “إننا اليوم أمام تحد كبير لمحاولة التقليل من حدة تأثير الفقر على الفقراء الجدد؛ حيث لا بد من توفير وزيادة المعونات التي تقدم لهؤلاء الفقراء، كما يجب إيلاء أهمية قصوى لجانب دعم الخبز حتى لا يكون هناك جياع في الأردن، خصوصا أن الخبز يعد مادة أساسية جدا لكل مواطن حتى يبقى على قيد الحياة”.
وأكد ضرورة عمل خطط وبرامج لمواجهة الجوع الذي بدأنا نشعر به مجتمعيا بعد هذه الجائحة، كما لا بد من التوقف عن سياسة الحظر التي تلجأ لها والتي تؤثر على دخل نسبة كبيرة من هؤلاء الفقراء؛ حيث إن ثلث دخلهم يتأثر بالحظر الحالي الذي أقرته الحكومة ليومين، مشيرا الى أن مواجهة الوضع الوبائي لا بد أن تكون على المستويين الصحي والاقتصادي.
أما الخبير الاقتصادي زيان زوانة، فقد أشار الى أن ارتفاع معدلات البطالة والانكماش الذي يعيشه الاقتصاد، مع سياسة الحظر التي تصر عليها الحكومة، كلها أمور لها انعكاسات عميقة وخطيرة اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا.
وطالب بضرورة وجود استراتيجية تعالج الجانب الاقتصادي للمواطن بأبعاده المختلفة؛ حيث إنه إذا لم يتم معالجته وفورا فنحن على بركان لا نعرف متى يثور، خصوصا أن الحكومة الحالية ما تزال تتبع نهج الحكومة السابقة نفسه في موضوع الحظر.
وأكد زوانة أن الأردنيين يعيشون اليوم حالة من الاحتقان والإحباط الشديدين، وكل ما يهمهم الآن هو إيجاد الحلول لأزماتهم.
وبين زوانة أن قرار الحكومة بالحظر ليومي الجمعة والسبت لا يحل مشاكل، بل إنه أكثر السياسات كلفة بينما عائدها الصحي غير مؤكد وقصير الأجل إن تحقق، مؤكدا ضرورة أن تقوم الحكومة بإجراءات أخرى غير الحظر الذي أثر على لقمة عيش المواطن، وعلى رأسها التشديد والحزم بتطبيق الإرشادات الوقائية العامة وفق تدرج عقابي تعلنه وتطبقه، مع ضرورة أن يكون هناك خطة إرشادية للقواعد الوقائية (الكمامات، التباعد الاجتماعي، منع التجمعات والولائم وتجنب الأماكن المغلقة)، وغيرها من الإجراءات التي من شأنها أن تخفف من التبعات الصحية وفي الوقت ذاته لا تؤثر على لقمة عيش المواطن.
أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك الدكتور قاسم الحموري، أشار الى أن ازدياد عدد الفقراء والجياع نتيجة طبيعية لتراجع أداء الاقتصاد، فالفقر بات يزداد كمّا وشدة، فهناك فئات بنسب كبيرة انزلقت من الطبقة المتوسطة الى الفقيرة، ومن الطبقة الفقيرة الى الأشد فقرا.
وأوضح أن الحكومات المتعاقبة لا تتعامل مع قضية الفقر بجدية، رغم أن جلالة الملك يشير الى هذه القضية في كل كتب التكليف السامي، فلا يتعدى التعامل مع موضوع الفقر الى مرحلة الشعارات والعناوين دون أن يكون هناك علاج على أرض الواقع.
ويشار هنا الى أن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) كانت قد أشارت الى أن الأردن كان من بين 5 بلدان في الشرق الأدنى ارتفع فيها معدل انتشار نقص التغذية؛ حيث يعد بمثابة مؤشر تقليدي للمنظمة لرصد الجوع على الصعيدين العالمي والإقليمي.
وأوضح التقرير أن نقص التغذية ارتفع في الأردن بنسبة 5.6 % خلال الأعوام الاثني عشر الماضية تحت ضغط التوترات الإقليمية وهجرة النازحين إلى الأردن بسبب الحروب في بلادهم؛ حيث إن عدد “ناقصي التغذية” كان في الفترة الأولى (2004-2006) يقدر بـ400 ألف نسمة، لكنه وصل في الفترة 2016-2018 إلى حوالي 1.2 مليون نسمة.
وكان معدل انتشار “النقص التغذوي” من العدد الإجمالي للسكان في الأردن في الفترة 2004-2006 يقدر بحوالي 6.6 % من حجم السكان ليصل إلى 12.2 % خلال الفترة 2016-2018.
كما لا بد من الإشارة هنا الى أن هناك 6200 أسرة في المملكة (28078 ألف فرد) غير آمنة غذائيا، وفقا لمسح الأمن الغذائي في الأردن الذي أعدته دائرة الإحصاءات العامة للعام 2013-2014، مقارنة بـ3800 ألف أسرة في العام 2010؛ أي بزيادة قدرها 61 %.
وأوضح المسح حينها أن هناك 71.3 ألف أسرة تعد هشة نحو انعدام الأمن الغذائي، فيما هناك 1.1 مليون أسرة آمنة غذائيا. والأسر الهشة نحو انعدام الأمن الغذائي فهم أولئك الذين يكونون عرضة لانعدام الأمن الغذائي عند التعرض لأي صدمات.