هكذا يهاجم النواب الحكومات ويمنحونها الثقة

16 يناير 2021
هكذا يهاجم النواب الحكومات ويمنحونها الثقة

 

شاكر الرفايعة

تستهوي الأردنيين متابعةُ الانتخابات البرلمانية وإن قاطعوها، مثلما يتبنى النواب المواقف الهجومية ضد الحكومة في خطاباتهم ثم يمنحونها الثقة!

على مدى أكثر من أسبوع منذ إعلان البيان الوزاري لحكومة بشر الخصاونة الذي بناء عليه تنال ثقة البرلمان، انبرى أكثر من 120 نائبا من أصل 130 إلى التعليق على البيان، الكثير منهم انتقد الحكومة وغالبيتهم قدموا حزما من المطالب لدوائرهم على مسامع الناخبين.

الحكومات المتعاقبة تعوّدت على الخطابات الرنانة في البرلمان ويبدو أنها تعذر من يهاجمها من النواب وتبتلع الاتهامات من باب إفساح المجال لهم ليرفعوا العتب عن أنفسهم أمام الناخبين.

الناخبون بدورهم يعلمون الحدود الحقيقية للنائب، وأيضا للبرلمان الذي منحه الدستور سلطة قوية في التشريع والرقابة، لكن ممارساته الفعلية لهذه الصلاحيات تكاد تكون معدومة.

إذن هو موسم لتغيير الوجوه فقط، نوابا ووزراء. وهو قبل ذلك أيضا موسم احتفالي أو “فولكلوري” أثناء الحملة الانتخابية واستعراض المرشحين لبرامجهم ثم الاقتراع فانتظار النتائج.

كل هذا يتابعه الأردنيون يوما بيوم، بشغف وأحيانا بغضب أو استياء أو رضا بالأمر الواقع، لكن أجواء الانتخابات وتقرُّب المرشحين إلى ناخبيهم يمنح الناس فرصة للتسلية لا تتكرر إلا كل أربع سنوات.

التجربة الديمقراطية ككل موضع تساؤلات في الأردن، حيث للملك الكلمة الفصل في الشؤون والقرارات الرئيسية لكن مع هامش تحرّك معقول لمجلس النواب الذي يحق له مساءلة الحكومة والوزراء في أي من شؤون الدولة.

مجالس النواب على مدى العقود الماضية تخلت عن هذا الهامش الضروري لتوازن السلطات وسلامة العملية الديمقراطية ورضيت أن تمثل محض ديكور في منظومة الحكم.

لم تشهد المملكة حجب الثقة عن الحكومة إلا مرّة واحدة قبل حوالي ستة عقود حين اسقط البرلمان حكومة سمير الرفاعي وأعلن الملك الراحل حسين بن طلال حلّ البرلمان وتشكيل حكومة جديدة.

وظلت التجربة الديمقراطية مرتبطة إلى حدّ بعيد بما يريده الملك الذي تمثله مؤسسة القصر أو الديوان الملكي، كأحد الأركان الرئيسية في منظومة الحكم.

مآخذ كثيرة على قانون الانتخابات الحالي وعلى مسؤوليته في تحجيم دور البرلمان، حتى باتت مجالس النواب ذات وجه واحد: غالبية مريحة مؤيدة للحكومة من المتقاعدين العسكريين والمدنيين ورجال الأعمال، إلى جانب بضعة مقاعد يفوز بها إسلاميون أو شخصيات مستقلة محسوبة على المعارضة.

في غياب حياة حزبية واقعية، تنهض الاعتبارات العشائرية والعائلية والمناطقية بدور كبير في تشكيل مجلس النواب الذي يبدو فاعلا عن بعد وعلى شاشات التلفزيون لكنه يناور الحكومة على ملفات وقضايا لا علاقة لها بالعمل البرلماني.

في ردود النواب على البيان الوزاري، أثيرت قضايا سياسية كبرى بأصوات خافتة في حين ركز النواب أكثر على المطالب الخدمية التي وعدوا ناخبيهم بها والتي يمكن أن تمثل أساسا لمنح الثقة أو حجبها عن الحكومة لدى الكثير من أعضاء البرلمان.

الاعتبارات العشائرية والعائلية والمناطقية تنهض بدور كبير في تشكيل مجلس النواب

 

اعتاد الأردنيون على طبيعة العلاقة بين الحكومة والنواب وهم يعلمون أنها لا تلامس ولا تقترب من السقوف الممنوحة للبرلمان بموجب الدستور. لكنها علاقة آنية مرتبطة بمصالح متبادلة في المملكة التي تشكلت فيها سبع حكومات في السنوات العشر الأخيرة.

لم يندهش الرأي العام كثيرا حيال الطلبات التي تقدم بها نواب أخيرا إلى الحكومة لتعيين أبنائهم خارج المعايير الرسمية. وشاهد الأردنيون إحدى الرسائل المسربة عن طلبات التعيين.

بات الشعور السائد أن البرلمان يشبه البلديات ودوائر الخدمات وربما يمثل “منافسا” لديوان الخدمة المدنية الذي يتولى تعيين الموظفين، وأن الوصول إلى البرلمان ما هو إلا منفعة للنائب وأحيانا للناخب أيضا.

حتى الحكومات تخلت عمّا منحها الدستور وهو “الولاية العامة”. ولا يخفى على أحد أنها مبرمجة مسبقا على مهام معينة وممنوعة من مهام أخرى.

ماراثون خطابات النواب سينتهي وتنال الحكومة الثقة. هذا ما تخبرنا به توجهات النواب الحاليين والدورات البرلمانية السابقة والعرف الذي يعتبر الحجب وقوفا ضد “حكومة جلالة الملك”. لهذا لا تبدو الحكومة في قلق من حجب الثقة وهي مطمئنة لنوايا النواب.

وحتى لو شعرت الحكومة بأن ثمة معارضة واضحة لها في البرلمان، فهي وأجهزة الدولة النافذة قادرة بطريقة أو بأخرى على تخفيف “غضب” النواب وتقليل عدد الذين لن يمنحوها الثقة.

نواب سابقون كشفوا علنا عن اتصالات يتلقونها تطلب منهم أو “تأمرهم” بمنح الثقة وأحيانا حجبها للخروج برقم مناسب. وأكدوا أيضا أن خارطة الثقة البرلمانية بالحكومة معروفة مسبقا ولا يمكن الانتظار إلى اللحظة الأخيرة في جلسة الثقة حتى يعلن كل نائب عن موقفه.

في وزارة سمير الرفاعي (الحفيد) قبل عشر سنوات، منح 111 نائبا من أصل 120 الثقة للحكومة. وكانت تلك أكبر نسبة ثقة برلمانية في تاريخ المملكة.

للمفارقة، استقالت حكومة الرفاعي بعد أربعين يوما على توليها السلطة!

ما يهم الحكومة الآن في المقام الأول ليس تحصيل الثقة لأنها حاصلة، بل عدد الذين سيمنحونها الثقة، في ما لا يتعدى كونه إنجازا شخصيا للخصاونة في بداية عمل البرلمان الجديد أو يصلح كعناوين رئيسية للصحف والمواقع الرسمية والقريبة من الحكومة.