المطاعيم الموسمية .. مخاوف من عودة أمراض انقرضت

22 ديسمبر 2020
المطاعيم الموسمية .. مخاوف من عودة أمراض انقرضت

وطنا اليوم:بدأ فتيل الأزمة يشتعل بين وزارتي الصحة والتربية والتعليم، على خلفية عودة برنامج التطعيم الوطني في المدارس الحكومية والخاصة، في ظل وجود تخوفات من عودة أمراض سارية تم استئصالها، بفضل “قوة البرنامج وديمومته”، منذ تأسيسه في سبعينيات القرن الماضي.
غير أن ارتفاع منسوب التوتر بين المسؤولين في هاتين الوزارتين، وعدد من أعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة الأوبئة، جاء بسبب اقتراب انتهاء تاريخ صلاحية المطاعيم، في بداية شهر شباط (فبراير) المقبل.
حتى الآن، لم تكشف “التربية” عن قرار حاسم بعودة الطلبة إلى مدارسهم الفصل الدراسي الثاني، أو الإعلان “عن آلية واضحة لكيفية تنفيذ برنامج التطعيم الوطني في المدارس الحكومية والخاصة”.
كذلك، لم تكشف “الصحة”، بشفافية، عن أسباب عدم افصاحها لـ”تواريخ صلاحية المطاعيم للطلبة؟”، والمؤشرات الجديدة المتعلقة بالرصد الوبائي للأمراض السارية ذات الخطورة العالية، أو حتى نسب تراجع تغطية البرنامج للمطاعيم؟.
تكتم شديد، من قبل المسؤولين في وزارتي التربية والصحة، حول توقيت تنفيذ برنامج المطاعيم، رغم أنهم في سباق مع الزمن، حيث لم يتبق سوى شهرين، و”المطاعيم سيتم إتلافها”، الأمر الذي يُسبب هدر أموال الأردن، وهو بأمس الحاجة إليها لمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19، وتوفير مطاعيم لتمنيع المواطنين.
وحذرت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، في بيانات صحفية منفصلة، من استمرار تعطيل برامج التطعيم على صحة الأطفال، قائلتين “بينما ينتظر العالم بشدة لقاح لـ”كوفيد 19″، تستمر الجائحة بالانتشار في جميع أنحاء العالم، ويواجه ملايين الأطفال خطر فقدان اللقاحات المنقذة للحياة ضد الحصبة والدفتيريا وشلل الأطفال بسبب توقف عمليات التحصين”.
سيناريوهات للخروج من المأزق
حتى تخرج وزارة الصحة من المأزق، مع قرب انتهاء صلاحية المطعوم في الثامن من شهر شباط (فبراير) المقبل، بدأت تضغط على “التربية”، من أجل الاستعجال باتخاذ القرار، حيث قدمت اقتراحات في مذكرة رسمية وجهتها مباشرة إلى وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي، الأسبوع الماضي، أكدت فيها “أهمية حسم ملف المطاعيم الخاص بالصحة المدرسية”.
كما اقترحت “الصحة” في المذكرة عدة سيناريوهات لتطبيق البرنامج، بما فيه إيجابيات وسلبيات، في خطوة منها لمراعاة المصلحة الفضلى لصحة الطلبة، خصوصًا الأطفال، حسبما أكدت مصادر رسمية حكومية متطابقة.
ومن هذه السيناريوهات، وفق المذكرة، أن يتوجه طلبة المدارس الحكومية للصفين الأول الابتدائي والعاشر إلى المدارس، بالتنسيق مع المراكز الصحية الحكومية، كون هذه المدارس آمنة وصحية، وتحتوي ملف الطلبة الصحي، الذي يوثق أنواع المطاعيم، التي تحصن فيها.
التوجه للمراكز الصحية “مرفوض”
وتعتبر وزارة الصحة أن هذا الاقتراح أفضل، من أن يتوجه الأهل مع أولادهم إلى المراكز الصحية، حتى وإن تم اتخاذ الإجراءات الوقائية لحمايتهم من الإصابة بفيروس كورونا، كارتداء الكمامة والتباعد الجسدي، الذي لن يكون تطبيقه مجديًا.
وبررت الوزارة ذلك، بأنه “ليس من المنطق أن يذهب أطفال الصف الأول إلى المراكز الصحية وحدهم، إذ سيرافقه أحد الوالدين أو كلاهما، ما يشكل ضغطًا هائلًا على تلك المراكز، التي تعمل أيضًا فحوصات الكشف عن الفيروس (بي سي آر).
ويبلغ عدد الطلبة الملتحقين في الصف الأول في العام الدراسي 2020 / 2021، نحو 200 ألف طالب وطالبة، يتبعون إلى المدارس الحكومية والخاصة، ومدارس الثقافة العسكرية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
إن تقوية مناعة الأطفال في الصف الأول ضد 3 أمراض معدية، هي: شلل الأطفال والدفتيريا والكزاز، تُعتبر من أهم استراتيجيات البرنامج الوطني للتطعيم.
وبذلك، فإن عدد الذين “سيتعرضون إلى خطر الإصابة بكورونا، سيزيد على نصف مليون مواطن، من أطفال وأولياء أمور، في حال توجهم للمراكز الصحية، فضلًا عن احتمالية تعرض ما يقارب 120 ألف طالب وطالبة من الصف العاشر إلى الفيروس، علمًا بأن هذه الفئة، ضمن الفئة المستهدفة بالمطعوم الثنائي (الدفتيريا والكزاز)، بحسب البرنامج الدوري للمطاعيم.
هذا الاقتراح الجديد، قُوبل بالرفض من وزارة التربية، لسببين، أولهما: تمسكهم بقرار وزير الصحة السابق سعد جابر، والذي يقضي بأن تأخير المطعوم لن يؤثر على صحة الطفل، بالإضافة إلى أنه لم يتم تبليغها مسبقًا عن “فترة انتهاء صلاحية المطعوم”.
أما السبب الثاني، فمن وجهة نظر “التربية” أنه في حال عودة الطلبة لغايات تطعيمهم، فإن الوزارة ستضطر إلى اتخاذ قرار نهائي لدوام المدارس، فيما لم تتوصل حتى الآن إلى آلية تكفل عودة آمنة للطلبة.
تكتم حول صلاحية المطاعيم
وحول أسباب تأخير قرار عودة الطلبة للمدارس، وآلية تنفيذ جدول المطاعيم بعد إبلاغه رسميًا باقتراب انتهاء تاريخ صلاحيتها، قال النعيمي “هناك تنسيق مع وزارة الصحة بهذا الخصوص على مستوى الأمناء العامين لوضع آلية للاستمرار برنامج التطعيم الوطني الاعتيادي للطلبة”.
وتطابق رأي النعيمي مع أمين عام وزارة الصحة لشؤون الأوبئة مسؤول ملف كورونا، الدكتور وائل الهياجنة، من حيث التعاون والتنسيق مع التربية، مؤكدًا أن الطلبة سيتلقون المطاعيم المقررة في الوقت المناسب بمجرد عودتهم إلى مقاعدهم الدراسية في الفصل الدراسي الثاني.
أما السيناريو الثاني، الذي تطرقت إليه نفس المذكرة ، فيتعلق بالمدارس الخاصة، حيث يتوجه أولياء الأمور مع أولادهم إلى المدارس الخاصة، كما جرت العادة، ويتم تنفيذ برنامج التطعيم من قبل طبيب المدرسة، الذي يأخذ حصته من المطاعيم من الصحة، حسب عدد الطلبة ويوثق في ملفاتهم المدرسية اسم المطعوم بعد موافقة أولياء الأمور.
يُشار إلى أن المطاعيم، التي تُعطى للأطفال في المدارس الحكومية والخاصة، تأتي استكمالًا لبرنامج التطعيم الوطني الأردني، الذي يبدأ من عمر شهرين لعمر 6 أعوام، بحسب بروتوكول التطعيم المتفق عليه بين الوزارتين.. وتقوم “الصحة” بتحصين طلبة الصف الأول الابتدائي بمطاعيم الكزاز والدفتيريا وشلل الاطفال، أما طلبة الصف العاشر فيتم تحصينهم بالمطعوم الثنائي (كزاز ودفتيريا).
تخوفات من عودة أمراض معدية
تساءل خبراء في الرعاية الصحية الأولية وحقوق الطفل، حول أسباب تأخر القرار الحكومي بعودة المدارس، في ظل انتشار مجتمعي لـ”كورونا”، وعدم تحصين من هم أقل من 18 عامًا بلقاح الفيروس المستورد.
مدير برنامج التطعيم في وزارة الصحة، الدكتور كامل أبو سل، أعرب “عن تخوفاته من عودة أمراض تم استئصالها في الأردن منذ أعوام، قائلًا إن نسبة تغطية المطاعيم تفوق 90 %، ما ساهم في خفض معدلات الوفيات للأمراض.
وأضاف “نحن ننتظر قرار وزارة التربية التعليم، حتى نبدأ بالتطعيم”، مؤكدًا توفر المطاعيم الفاعلة والآمنة. فبرنامج التطعيم الوطني من أقوى البرامج بالمنطقة، والمطاعيم مأمونيتها وفاعليتها عالية”.
لكنه لم يكشف عن “معدلات تراجع التغطية في المطاعيم بالمملكة”، داعيًا في الوقت نفسه، أولياء الأمور إلى الالتزام بمواعيد التطعيم للجرعات الأساسية للمطاعيم المدرجة في برنامج التطعيم الوطني لما دون سن المدرسة حاليًا، مع ضرورة التنسيق للمواعيد مع المراكز الصحية منعًا للاكتظاظ.
وكان مساعد الأمين العام للرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة، الدكتور غازي شركس، قد دعا المواطنين إلى الاهتمام ببرنامج التطعيم الوطني، لحماية أطفالهم من الإصابة بالأمراض السارية والمعدية، وعدم تأخير تلقي المطاعيم، خوفًا من عودة الإصابة بأمراض تم السيطرة عليها في الأردن.
الخبير الإقليمي للشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية، الدكتور عادل البلبيسي، من جهته قال “إن هناك تخبطًا واضحًا في اتخاذ قرار حاسم حول عودة الطلبة للمدارس، علمًا بأن هناك انتشارا مجتمعيا لفيروس كورونا”.
وأوضح البلبيسي، مدير الرعاية الصحية الأولية السابق بـ”الصحة”، أن نسب الإصابة بالفيروس بين الأطفال منخفضة، في الوقت نفسه لن يتم تحصين الطلبة بلقاح كورونا تحت سن 18 عامًا”، مضيفًا “المعادلة واضحة. فقط بحاجة إلى هندستها”.
وأشار إلى أن القرارات الحكومية تُطبق بالتدريج وبالتنسيق المسبق مع إدارات المدارس وأولياء أمور الطلبة، موضحًا “البداية كانت بإغلاق أي مدرسة، يُرصد فيها إصابات. وبعد انتشار الفيروس مجتمعيًا، بات إغلاق الصف، ومن ثم منح الطالب المصاب إجازة لمدة 10 أيام، ثم السماح له بالعودة مباشرة”.
وأكد البلبيسي ضرورة توعية الأهل بأهمية المطاعيم من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة، بما فيها التواصل الاجتماعي، واستخدام الرسائل النصية عبر الهواتف الخليوية.
واتفق معه بهذا الرأي، رئيس لجنة الصحة والتنمية في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، النائب السابق الدكتور إبراهيم البدور، الذي قال إن “المدارس أكثر آمانًا لتطعيم الطلبة من المراكز الصحية”، داعيًا إلى: ترتيب عودة الطلبة بشكل يكفل سلامتهم وأسرهم، بعد أن تتوصل أذرع الحكومة إلى قرار صائب”.
مطالبات بعقد اجتماع حكومي طارئ
ورأى البدور أن أفضل طريقة لعلاج هذه المشكلة، في ظل ظهور مستجد جديد يتمثل باقتراب انتهاء صلاحية المطاعيم، “أن يجتمع الوزراء المعنيون فورًا، ومن ثم الإيعاز إلى مديري التربية والتعليم والصحة، بضرورة تنفيذ برنامج المطاعيم في المدارس، مع مراعاة شروط السلامة، وتحديد 3 أيام أسبوعيًا للدوام المدرسي”.
يُشار إلى الدليل الاسترشادي للتطعيم ورصد الأمراض، الذي أعدته مديرية الأمراض السارية في وزارة الصحة، بالتعاون مع “يونيسف”، يُركز على تعليمات خاصة لتطعيم طلبة المدارس، قبل وأثناء تنفيذ جلسات التطعيم، بما فيها تعليمات خاصة للحقن الآمن وتجهيزها بأماكن نظيفة، بعيدًا عن مصادر التلوث.
واشترط، قبل إعطاء المطعوم للطفل في المدارس، بأن يتم قراءة تاريخ صلاحيته والتأكد من عدد جرعاته، مع الإشارة إلى مكان مناسب للتطعيم في المدارس، وحفظ المطاعيم بدرجات حرارة مناسبة.
تخوفات الأهالي يبعدهم عن المطاعيم
ولم يأت قلق الأهل من فراغ، بحسب الخبراء، بل جاء من تناقضات لتصريحات مسؤولين في الحكومة ووسائل التواصل الاجتماعي وكيفية نقلها للمعلومات الطبية، وسط ارتفاع غير مسبوق لرصد إصابات بـ”كورونا”.
فقد أخذت ابنة منار إسماعيل، مطعوم الحصبة وكان عمرها 9 أشهر، ولدى مراجعتها للمركز الصحي، بمنطقة تلاع العلي في عمان، بددت الممرضة مخاوفها، بأن طفلتها ستحصل على المطعوم في الصف الأول الابتدائي، مع ضرورة إخبار المدرسة بفقدانها للجرعة لتحصينها.
مع الوضع الوبائي الحالي، تخاف إسماعيل، كما هي عشرات الأمهات، التوجه إلى مركز صحي حكومي، حرصًا على سلامة أطفالهم، من انتقال عدوى “كورونا” إليهم، وخاصة بأن بعض المراكز الصحية تجري فحوصات للكشف عن ذلك الفيروس.
كما اضطر، والد الطفلة سارة 12 شهرًا، تطعيمها في عيادة طبيب خاص الجرعة الأولى من المطعوم الثلاثي الفيروسي ضد الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف، رغم التكلفة المالية العالية، مقارنة بالمطاعيم الحكومية المجانية.
وكان النعيمي أعلن، بداية الشهر الحالي، عن أنه لا قرار بعودة الطلبة إلى المدارس في الفصل الدراسي الثاني حتى الآن، وأن الأمر مرهون بتطور الوضع الوبائي، وأن قرار التعليم عن بُعد، جاء جراء تطور الحالة الوبائية.
وبالعودة إلى منتصف شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، قال النعيمي إنه لا يوجد لقاح تجريبي ضد “كورونا” للأطفال في العالم، لكن هناك لقاحات دورية تعطى عبر الصحة المدرسية منذ عشرات الأعوام لحماية الأطفال من الكزاز وشلل الأطفال، داعيًا الأباء والأمهات إلى عدم الانسياق خلف الإشاعات الجاهلة التي تعرض الأطفال لخطر أوبئة، تم السيطرة عليها.
وكانت وزارة الصحة قالت، في تصريحات صحفية سابقة، إن المطعوم الذي يعطى لطلبة المدارس، “هو مطعوم موثوق، ومعتمد منذ أعوام، ضمن البرنامج التطعيم الوطني”.
وزير الصحة السابق، سعد جابر، قال، في تصريحات سابقة، إن اللجنة الوطنية لمكافحة الأوبئة “أكدت أن تأجيل المطاعيم للأطفال لمدة شهر أو 6 أسابيع، لا يؤثر على صحتهم، بل على العكس فقد تضعف المطاعيم مناعتهم، وتسبب لهم ارتفاعًا في الحرارة، فضلًا عن أن التجمهر عند المراكز الصحية قد يؤدي إلى الإصابة بـ”كورونا” إذا كان أحدهم مصابًا”.