من صميم المعاناة

20 ديسمبر 2020
من صميم المعاناة

 

الدكتور احمد الحايك

 

لقد شاءت الأقدار أن تتاح الفرصة لي أن أدخل بعض بيوت الفقراء لأرى بعيني حجم المعاناة التي تعاني منها بعض الأسر من جوع وحرمان وبيوت مهلهلة فارغة حتى من ابسط محتوياتها، وبعض الأريكة والبسط المهترئة هذا ان وجدت، ومنازل متآكلة آيلة للسقوط على رؤوس ساكنيها، وشباب لا يحصون عددا عاطلين عن العمل. وعاملون لا يكاد يكفي راتبهم الشهري قوتهم اليومي. ولا يملكون أجرة دوائهم ولا حليب أطفالهم.

إن عدم القدرة على توفير الحدّ الأدنى من مستوى المعيشة للأسر المستورة، يسبب الكثير من المشكلات الاجتماعيّة التي تهدد حياة الأفراد والمجتمعات والدول على حد سواء، والتي تنجم في الغالب عن عدم توفّر مصدر دخلٍ للأفراد، أو عدم كفاية هذا الدّخل لتغطية نفقاتهم المعيشيّة. كالتفكّك الأُسريّ، بالإضافة إلى الإصابة بالأمراض النفسيّة، فربما يؤدي عدم قدرة الانسان الى توفير حاجاته إلى ارتكاب الفظائع، والإنجراف وراء الممنوعات والمحرمات، والوقوع في براثن الكفر والمحذورات، ناهيك عن أن الفقر هو الحاجز الأول الذي يقف أمام طموح الشباب، فيقتل إبداعهم، ويقلل من عزيمتهم، وإذا ما سيطرت على أفكارهم فكرة الخروج من اطار الفقر بأي وسيلة، فعندها سيطرق الضلال باب هذه الفكرة، وينتشر الانحراف بين الشباب، ويسود الفساد والجهل في المجتمع، فالفقر آفة تلقي بسمومها أينما حلت، وتخرّب البيوت وتفكّك الأسر، وتعصف بالأطفال مسببةً لهم ضعفًا صحيًّا ناتجًا عن سوء التغذية، وإعاقة نموهم العقلي والجسدي، وكأن الفقر ثعبان يلتف حول الجسد فيضيق عليه أنفاسه حتى ينفق..

فالحرب على الفقر ليست مسؤولية جهةٍ دون أخرى، فهي واجبٌ على الدولة أولا، وعلى كل فرد يطمح للوصول بمجتمعه للقمة، وواجبٌ على المجتمع الذي يسعى لتحقيق الرخاء لأفراده، ودون تضافر هذه الجهود وتكاثفها مع بعضها، ستبقى أنياب الفقر تنهش في أجسادنا إذ يعتبر الفقر ظاهرة من الظواهر التي قد يتأذى منها أغلب طبقات المجتمع، ويرجع السبب وراء ذلك إلى إرتفاع الأسعار، وقلة أجور العاملين، والبطالة المزمنة التي تفتك بنا وبشبابنا، وقد تتنوع وتختلف اسباب الفقر وفقا لتغير الظروف التي تحدث في حياتنا. فالفقر ظاهرة مجتمعية لا يحبها أحد ولا يرغب فيها أحد. فالفقر يعد واحدا من المصائب التي تواجه الإنسان في الحياة. فهدم هياكل الفقر في المجتمع، يعني الخطوة الأولى في التقدم والتطور والازدهار، لكن لا بد من تكاتف الجهود مع بعضها للوصول للمبتغى، ولا بد من فهم الواقع واتخاذ الأسلوب المناسب في الموقع المناسب، من خلال معالجة القضايا المهمة أولًا، ووضع خطة عمل مفصلة والسير عليها. وعمل دراسة مستفيضة للموارد الطبيعية والبشرية المتوفرة في البلاد، واستغلالها للدرجة القصوى من خلال تشجيع القوى البشرية على الإنتاج. وعلى الحكومة توفير فرص عمل لمواطنيها من خلال تنمية القطاعات العامة والخاصة، وتنشيط الاقتصاد، وتسهيل إقامة مشاريع الاستثمار في البلاد. ومنح الشباب القروض الميسرة بدون فوائد، بحيث يكون سدادها بعيد المدى، ليتاح لهم الوقت الكافي لبناء مشاريعهم الصغيرة وصون مستقبلهم وكرامتهم. كذلك لا بد من حمل أصحاب المال والأعمال على المشاركة في محاربة الفقر، وملاحقة المتهربين منهم من دفع الضرائب.

ولا ضرر أن يقوم وزير التنمية الإجتماعية بالتجوال في أحياء المخيمات والقرى والمدن، ويستأذن من السكان أن يدخل بيوتهم ويرى بأم عينيه حجم المعاناة التي يعاني منها هؤلاء وضنك الحياة التي يعيشونها. فإذا ما قمت بذلك يا معالي الوزير فإنك سترى العجب العجاب داخل البيوت الأردنية المستورة، التي لا حول لها ولا قوة، وأعتقد بأنك ستنال ثقة الناس والنواب والحكومة. وسيقولون عنك أنك وزير ميداني حقيقي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وسيقولون عنك أنك متعاطف مع الفقراء والمحتاجين. أخرج يا معالي الوزير من مكتبك ولو يوم واحد في الأسبوع وتجول بين الفقراء والعائلات المستورة واستمع اليهم. ستجد أن المعونة الوطنية الهزيلة التي تقدم لبعض هذه العائلات لا تكاد تكفي لشراء الخبز لهم. وسوف تجد أن دعم الخبز الذي حرمت منه معظم الأسر الأردنية يستحقونه جميعا وحتى وإن لن تنطبق عليهم معايير دعم الخبز التعجيزية يجب علينا أن نسعى جاهدين نحو حياة أفضل، وأن نقوم بتقديم خدمات جيدة لمساعدة الفقراء والمحتاجين، فمن أبسط حقوق الفقير أن يجد قوت يومه، وأن يجد علاج له ولعائلته. وحتى نرتقي بهذه الأمة علينا وضع الفقير نصب أعيننا