قراءة في رسائل “ماركس” إلى ابنتيه ورفيقه أنجلز

16 ديسمبر 2020
قراءة في رسائل “ماركس” إلى ابنتيه ورفيقه أنجلز

وطنا اليوم – وصل كارل ماركس إلى الجزائر في 20 فبراير/شباط ومكث فيها إلى غاية 2 مايو/ أيار عام 1882 فقد كان يعاني من ذات الجنب والتهاب في القصبة التنفسية، وقد نصحه أطباؤه وبعض رفاقه بمن فيهم أنجلز بضرورة المكوث أسابيع في شمال افريقيا، حيث الشمس مشرقة والهواء صحي وكان القصد هو توجه ماركس إلى مدينة بسكرة، لكن تردي صحته حال دون توجهه إلى هذه المدينة الداخلية، حيث يستغرق السفر إليها أسبوعا ناهيك من مشاق الرحلة، واكتفى بالمكوث في الجزائر العاصمة، حيث أقام بنزل الشرق أولا ثم نزل فكتوريا في شارع ميشليه (ديدوش مراد) اليوم، يزوره الطبيب اسطفان في النزل يفحصه ويعالجه بمختلف الأدوية، ويوصيه بالمشي والتنزه صباحا، والإقلال من القراءة والاكتفاء فقط ببعض الصحف، التي لا تتطلب إمعانا في التفكير، فقد كانت حالته تنتكس أحيانا وتتحسن قليلا، وفي رسائله التي بعثها إلى ابنتيه جيني ولورا لافارج وصديق عمره فريدريك أنجلز، يتحدث دائما عن الأرق الذي كان يلازمه وعن السعال الشديد أحيانا، حتى إنه بصق دما ذات مرة وعن فقدان الشهية وعن صدمته من كون الجو في الجزائر كان استثنائيا منذ عشر سنوات، فقد ظلت الأمطار تهطل والبرد شديد والسماء دائما ملبدة بالغيوم، وهذا الجو بالذات لا يناسبه، إنه يزيد في معاناته، ولذا لم يكن مستريحا في إقامته في الجزائر، وظل ينتظر الرحيل بفارغ الصبر، لكن الأطباء لم يسمحوا له بذلك.

 

إن البقاء في البلد ضروري فهو مرهق وحالته الصحية هشة وعلامات التعب على وجهه ما تزال ظاهرة، فالراحة وأخذ الدواء والامتثال للتعليمات الطبية والحرص على الرياضة الصباحية والمتمثلة في النزهة الصباحية لازمة، وهذا أمر يتطلب أسابيع إضافية، لذا يمكن القول إن ماركس أقام على مضض في الجزائر، متسليا بقراءة الصحف الكولونيالية الصادرة في الجزائر خاصة «المعمر الصغير»، والصحف التي تصله مع البريد من أوروبا ويتسلى بكتابة الرسائل إلى أنجلز وابنتيه جيني ولورا لافارج وقد كتب خلال إقامته في الجزائر 16 رسالة أغلبها إلى جيني وأنجلز .

لم يتحرك ماركس خلال إقامته في مدينة الجزائر كثيرا حيث كانت آنذاك تقسم إلى ناحيتين مصطفى الأعلى حيث شارع «ميشليه» و«أسلي» (العربي بن مهيدي) اليوم ومصطفى الأدنى، حيث حديقة التجارب وقد زارها مرة، إذا كانت نزهة ماركس اليومية، وغالبا صباحا في ناحية شارع ديدوش مراد أو العربي بن مهيدي، وقد سجل ماركس في إحدى رسائله إعجابه بالريف الجزائري، أي ضواحي مدينة الجزائر، حيث أبعد في خرجاته هذه المرة وامتدح كثيرا دفء العاصمة وجمال الجو والشمس مسفرة والإطلالة البحرية على خليج الجزائر، كما امتدح كثيرا الخضرة والزهور التي تزين بعض المناطق، وفي ما عدا ذلك ظل يستعد للرحيل، فالآلام والأرق والسعال ظل يلازمه، وأنحى باللائمة على أنجلز الذي من فرط حبه لصديقه حرص على رحيله للاستشفاء – وقد قتله حبا كما قال – لولا أن الحظ كان عاثرا فالجو كان مكفهرا، باردا متلبدا إلا من أيام قليلة تشرق فيها الشمس ويعتدل الجو.