خلِّها لمُعتبرٍ أو زائرٍ أو مُسَائِلِ”!

15 ديسمبر 2020
خلِّها لمُعتبرٍ أو زائرٍ أو مُسَائِلِ”!

بقلم: حنا ميخائيل سلامة نُعمان
أيّ موقعٍ أثريٍ يُكتشف، وأيَّة آثارَ تُكتَشف ينبغي المحافظة عليها وعدم السماح لأيٍ كان العبث فيها أو إزالتها أو نقلها من مكانها الأصلي تحت أية ذريعةٍ كانت، وذلك أمانة للتاريخ، وأمانة للحضارات والمدنيات التي تعاقبت على أرضنا من عُصورٍ مختلفة. وعليه فليسَ من حقِّ أيٍّ كان ومهما توفرت الأسباب طمس هويتنا التاريخية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ وعلى أي بقعة أرضٍ من فُسيفساء وطننا الغالي!
في دول العالم حتى تلك التي تُسمى بنظر كثيرينَ غير متقدمة إن وجدوا كَوْمَ حجارة، نعم كومَ حجارة لا غير.. لها قيمتها التاريخية تجدهم ألغوا أية مشاريع تحت التنفيذ.. وغيروا خِطط تلك المشاريع ثم تراهم سيَّجوا من حولها ونظموا المنطقة المحيطة بها وجعلوها مقصداً للسياح من أنحاء الدنيا وصارت مصدر دخلٍ لخزينة تلك الدول بالإضافة إلى جعل أبناء تلك الدول يشتمَّوْنَ منها عبق الماضي السحيق وبراعة المهندسين والعاملين لأخذِ العِبَرِ والدروس.
لقد حزَّ في النفس أن نرى فرقاً ليست مختصة بالمعنى الصحيح في التنقيب العلمي عن الآثار أو بأعمال البحث عنها – وإن كانت تحت إشرافٍ – تَعملُ بمعاولها وبمعدات حفرٍ وجرفٍ بدائية في الموقع الضخم بتاريخه الخالد الذي جرى اكتشافه مصادفةً بوسط عمان.. في وقتٍ نرى دول العالم إن تم اكتشاف موقعٍ ليس بهذا الوزن التاريخي أخذ الخبراء يوجهون الكوادر ذات الاختصاص ويستعينون بطلبة كليات الآثار في الجامعات للعمل الميداني.. فترى الورشات تُنخِّل وتُغربل بتأنٍ كل حفنة تراب وتستخدم فُرَشَاً خاصة للعمل وأدوات تنقيب وحفرٍ ومطارقَ خاصة كتلك التي يستخدمها الجيولوجي في ميدان عمله!
وإذا كنتُ لا أنتقص مِن جهود أحدٍ.. فإنني أؤكِّد عن توفر خبراء آثار لهم مكانتهم العلمية وخبرتهم الواسعة ومنهم من تقاعد لكن في أوج خبرتهم ومخزون عِلمهم.. هؤلاء كان المؤمَّل ولا يزال الأمل معقوداً.. أن نراهم في الميدان ولا أحسبهم سيقصرون، بل سيتوجهون للعمل بهمة واندفاع ووطنية صادقة لكشف حقبة تاريخية بالغة الأهمية لعاصمتنا العزيزة كانت مُغيَّبة ومطمورة وظهرت ملامحها للنور فأبهجت قلوبنا!
وأُذكِّر أخيراً أنه وقبل أكثر من ألف عام اجتاز القاضي “أبو يَعلى عبد الباقي بن أبي حصن المعري” منطقة تدعى” سياث” في معرة النعمان فوجد معاول تزيل آثاراً فقال:
“مررتُ برسمٍ في سياثَ فراعني … به زجلُ الأحجار تحت المعاولِ”
تـنـاولـهـا عـبـلُ الذراع كـأنّـمـا … رمى الدهر فيما بينهم حربَ وائلِ””
أتـتلـفـها؟ شُـلّـت يمينك خلِّها … لمُـعــتـبــرٍ أو زائـــرٍ أو مُـسـائـلِ””
“مـنـازلَ قـومٍ حـدثتنا حديثهم … ولم أرَ أحلى مـن حديث الـمنازلِ”
Hanna_salameh@yahoo.com