مروان القاسم وخزائن اسرار من دفاتر عتيقة

15 ديسمبر 2020
مروان القاسم وخزائن اسرار من دفاتر عتيقة

المهندس سليم البطاينه 

في الاردن هناك مئات من الرجال تركوا بصمات لا يمكن ان تُنسى حتى بعد ابتعادهم عن المشهد السياسي وساحة الاحداث … وهذا لا يعني بأي حال انهم دخلوا ملفات النسيان .. علماُ بأنه في الوقت الذي يكثُر فيه رجالات الدولة نستطيع تفادي أكثر الازمات التي تعصف بِنَا …. فمؤسف جداً أن يبتعد البعض منهم من ابتعد طوعاً ومنهم قسراً !!

فرغم عدم معرفتي بمعالي مروان القاسم ولَم آلتقيه سابقاً .. لكنني سمعت عنه الكثير من معالي الباشا الدكتور عارف البطاينه حيث وصفه بأنه حجر قوي في بنيان البيت السياسي الاردني وسياسي عتيق قاد الدبلوماسية الاردنية في مرحلة اكثر حساسية عاشها الاردن والمنطقة .. وكان واحدا من ابرز أعضاء الحلقة الضيقة في المطبخ السياسي الاردن في مرحلة شهدت فيها البلاد تحولات سياسية كبيرة … وهو للحق واحد من خزائن الاسرار في البلاد وأسراره لا تزال حبيسة رأسه

فللمرة الثانية أشاهد مقابلته مع تلفزيون RT العربية الروسية مع الاعلامي سلام مسافر في حلقات ملفات منسية … فقد أذهلني الرجل فصفاته لم تعُد موجودة بل وغائبة عن البعض من النخب والقادة … فهو عملة نادرة من زمن جميل عشقه الاردنيين

فقد أستعرض القاسم قضايا كبيرة بكل بساطة وصراحة وكشف عن بعض الاسرار بشفافية متناهية من خلال جمع أوراق مُتناثرة بين الامس والحاضر من دفاتر عتيقة لها رائحة خاصة كشف فيها عن الاتصالات والتفاصيل التي دارت بين عواصم القرار العربي والقيادة العراقية بعد ساعة من غزو واجتياح الكويت … فقد قطع مروان اجتماعاً لدول عدم الانحياز في القاهرة وعاد إلى عمان ليتلقى أتصالاً هاتفياً من الشاذلي القليبي أمين عام الجامعة العربية وقتها (١٩٩٠) ليخبره أن أمير الكويت يحاول الاتصال به للاستفسار عن الحشود العسكرية العراقية على الحدود مع الكويت … وحاول لكنه لم يستطع التواصل مع الامير .. واتصل مع مدير مكتبه والذي ابلغه بأن يبلغ الملك الحسين بأن يفعل شيئاً فالدبابات العراقية وصلت أمام فندق شيراتون الكويت المُحاذي لوزارة الخارجية الكويتية

وفعلاً أخبر جلالة الراحل الحسين بفحوى المكالمة التي تمت مع مدير مكتب امير الكويت .. وعلى أثرها قام الملك الحسين بالاتصال بالرئيس صدام وقال له أن الذي نسمع عنه بغزوك واجتياحُك للكويت له ابعاد وتداعيات خطيرة وأكبر مما تتصوره .. وقد يكون ذلك ذريعة لتدخل الاخرين وحينها ستدفع الامة العربية الثمن غالياً … فالعالم كله ضدك ولن يسمح لك وسيخرجك من الكويت بالقوة

وبعد ذلك اثمرت جهود الملك الحسين في أقناع القيادة العراقية بالانسحاب من الكويت وأكد الملك الحسين للرءيس صدام بأنه تلقى إتصالاً من الملك فهد بن عبد العزيز والذي بدوره ابلغ الحسين بأن جميع طلبات صدام سيتم تنفيذها بشرط أن ينسحب حتى الرميلة ….. وفعلاً بدأت القوات العراقية بالانسحاب وأن الوفد الاردني نقل ذلك لأجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة والذين شككوا في مصداقيته ووصفوه بالمناورة

فشهادة مروان القاسم تكتسب أهمية كبرى من حيث أنه شاهد عيان على كل ما جرى فقد بذل وبتوجيه من الملك جهود كبيرة من أجل أطفاء نيران الحرب قبل أشتعالها .. فقد كان مشاركاً في المفاوضات التي كانت تجرى لحث الرءيس صدام على الانسحاب من الكويت .. وكشف بشهادته عن الدور الكبير للراحل الحسين في محاولته لحل المشكلة داخل البيت العربي سعياً للوصول إلى منع كارثة … فاللأسف فقد تم بعدها ضرب التضامن العربي في صميمه وتم اجهاض أي حل عربي … فالقاهرة حينها لعبت دوراً محورياً في منح الشرعية للقرار الامريكي الذي دخل حيز التنفيذ بتحرير الكويت بتحالف عسكري دولي ……. فغزو الكويت واحتلاله كان خطيئة لا ترتقي إلى خطيئة أخرى إلى مستواها فقد حملت نتائج كارثية أثرت على مستقبل المنطقة ومهدت لما يجري الان ….. فتلك الازمة مضى عليها ثلاثة عقود من السنين وطوى التاريخ بعضاً من ابطالها لكن تداعياتها لا زالت ماثلة أمامنا حتى الان