وكيف يُبصر منْ كان قلبه عليلا .. !

11 ديسمبر 2020
وكيف يُبصر منْ كان قلبه عليلا .. !

أ. د صلحي الشحاتيت

مضى الوقت وها نحن في نهاية السنة الاستثنائية غير التقليدية التي لم نعتد عليها أو على مجرياتها، ولا أحد يُنكِرُ صعوبتها التي كانت وما زالت تؤثر على الجميع اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، ثم أنّ بقاءنا شاهدين على آخرِ أيامِها هو نعمة تستحقُ الرضا وتستوجبُ الحمد من الله رب العالمين.

علّمتنا هذه السنة أنّ السلامةَ في البُعد، وأنّ من أغلقَ فمهُ حَفِظَ نفسه، وأنّ البيتَ هو المأوى، وأنّ العائلة هي الإرثُ الأغلى، وأنّ أغلب الظواهر الإجتماعية مجاملاتٌ يمكنُ الاستغناء عنها. وجدنا في هذه السنة أنه من الممكن لطباعَنا أن تتبدّل، ولأمنياتنا أن تتغير، لتتماشى مع ما هو موجود ومتاح. تعلمنا في هذه السنة أنّ بعض الأشياء إنْ ذهبت لا تعود أبداً؛ كالثقه بالأصدقاء أو المعارف.

اكتشفنا بأننا محاطين بالكثير من المنافقين اللذين نعرفهم ونعرف طباعهم ومع الوقت اعتدنا على وجودهم ولا نقوى على نبذهم وحذفهم من محيطنا، وينطبق عليهم قول القائل “إياك ومرافقة المنافق فهو ماكر جدا يأكل مع الذئب وينبح مع الكلب ويبكي مع الراعي”.

علمتنا هذه السنة بأنّ هناك فئة منتشرة في عصرنا الحالي والتي قد تكون أشد خطورة من الفئات الأخرى وهم فئة “صعاليك العصر الحديث”، أو إن صح القول “صعاليك الطبقة المخملية”؛ وهم أشخاص جل اهتمامهم بسط و أستغلال نفوذهم والسيطرة على كل شيء، البدء بسرقة مال الفقراء والبسطاء من المواطنين لتحقيق مصالحهم الشخصية فقط، هم فئة مستعدة للتنازل عن كل شيء، والعمل مع كل من يخدم مصالحها حتى وإن قادها ذلك للعمالة وخيانة الوطن، وبدون شك في أنّ هذه الفئة أصبحت ظاهرة اجتماعية مرضية ومعدية انتشر شرها وتفشى بكافة المجتمعات، فهي فئة تم الوثوق بها، وللأسف عاثت فسادا في الأرض!

علمتنا هذه السنة بأنّ من يلامس الروح هو الأحق بصحبتها، وأنّ بعض خيول الضوامر تصبح مرعية من الأنذال، وأنّ الانتصار ببعض المعارك أكبر خسارة، ومع هذا لا زلنا نجهل فن الرحيل كيف ومتى؟.

تعلمنا بأنّه علينا إعادة تعريف الأصدقاء والمعارف، فالأصدقاء حظٌ أو نصيب، ففيهم الدروسٌ وفيهم السند. وفي كثير من الأحيان تكون ردود أفعال البعض تفقدهم ما تبقى لهم (إن تبقى) من كرامة وقيمة وهيبة !

تعلمنا أنّ البعض منا كان أنانيا بحق نفسه، يحرمها من نظرات العطف والمواساة وهو بأمسّ الحاجة لها من أقرب الأحبّة أو حتى من كان يعتقد بانهم أحبّة وأصدقاء.

وجب علينا مراجعة حساباتنا المادية والمعنوية مع اصدقائنا ومع عائلاتنا واخيرا مع أنفسنا، وأننا ما زلنا نملك الفرصة لعيش ما تبقى من أعمارنا متصالحين مع ذاتنا في الدنيا. وأنّ السعادة اختيار وقرار لا يملك أحد صلاحيات إصدارها نيابة عن الأخرين.

تعلمنا بأن الوطن غالي، يغطينا بلحاف الحب والأمان. و أننا نملك قيادة حانية تتدخل بالوقت المناسب لتصويب البوصلة إن انحرفت عن طريقها.تعلمنا منها الكثير والكثير، حمى الله الأردن وشعبه بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين داعين الله بأن تمر هذه السنة متمنين أن تكون نهايتها متزامنة مع نهاية أوجاعنا وألامنا. رحم الله من غادرنا بها وشفى من ما زال مريضا وحمى الانسانية جمعاء.

وأختم أخيرا بالاقتباس من قصة بلد العميان والتي ‏هي قصة قصيرة بقلم هربرت جورج ويلز كانت قد نشرت لأول مرة في عدد أبريل 1904 من مجلة ستراند، وأدرجت عام 1911 في مجموعة من القصص القصيرة لويلز بعنوان بلد العميان وقصص أخرى. القصة لا تتحدث عن العمى الذي يصيب العيون وإنما عن ذاك الذي يصيب النفوس والعقول. تتحدث عن “الجهل” والفقر الفكري وعن سهولة انتشارهما عندما يجد خصوبة في الأرض ومناخا ملائما. فالجهل هو الذي يحول الناس الى مخلوقات حانقة مذعورة عاجزة.

“فكيف يفهم من لا يبصر، معنى البصر؟ كيف يصبح العمى صحيحاً، بينما البصر مرضاً ؟”