“بوط كعب عالي” مهزلة فنيه في الدراما السورية

8 ديسمبر 2020
“بوط كعب عالي” مهزلة فنيه في الدراما السورية

وطنا اليوم – أكثر من خمسين عاماً من الاحتكار الحكومي لإنتاج السينما في سوريا لم تُكسَر إلا في مرات قليلة، من بينها مع إنتاج فيلم يحمل اسم «بوط كعب عالي» ويبدو أن مشتغليه تعبوا في نحت العنوان ودلالاته أكثر من أيّ من عناصر الفيلم الأخرى. فالعنوان يذهب فوراً إلى تمجيد البوط «العالي» بالإضافة إلى وظيفة تأنيث الحذاء، والجمع بين حذاء نسائي والحذاء العسكري، هذا الذي كان موضوعاً لعبادة موالي النظام السوري على مدى سنوات، إلى حدّ تقبيله ووضعه على الرؤوس أمام الكاميرات.

بوستر الفيلم يأتي كذلك مصدّقاً للعنوان، ففيه يظهر الحذاء العسكري فوق كعب نسائي عال (ومن يجرؤ على العكس!) وفيه، وحوله اجتمع أبطال وبطلات الفيلم.

يحكي الفيلم، وهو من إخراج نضال عبيد، قصة شابين يحاولان الهرب من الخدمة العسكرية الإلزامية، فيتنكران بأزياء نسائية، ثم يسكنان مع مجموعة من الطالبات في المدينة الجامعية، الأمر الذي يؤدي إلى نكات وملابسات يفترض أن تكون مضحكة، لكن الصنعة الرديئة إخراجاً ونصاً وتمثيلاً جعلت الأمر في منتهى السماجة. تضطر «الفتاتان» إلى الخروج مع الزميلات في رحلة خارج المدينة، فيقعن جميعاً في قلب معركة بين الجيش و»العصابات المسلحة» ثم بين أيدي «الإرهابيين». هؤلاء بدورهم، وأثناء محاولة اغتصابهن يكتشفون أمر التنكر، يحاولون الكشف عن الفتيات إلا أن بطل الفيلم والمتنكّر الرئيس (طارق مرعشلي) يغامر بمنع المسلحين من كشف وانتهاك إحدى الفتيات، يهاجمهم، فتنكشف حقيقته كشاب، وفيما توضع سكين المسلحين على عنقه سيأتي الجيش الهوليودي في اللحظة الأخيرة لينقذ الجميع.

 

هي رقابة ما بعد الثورة والحرب التي قررت أن ترخي العنان لكل محظور طائفي وديني وجنسي في سبيل تكريس صورة النظام، كعلماني، حامي الأقليات، ومدافع عن حقوق النساء إزاء انتهاكات المسلحين!

 

في اللحظة الحاسمة سينتصر الوطن إذاً، سيختار البطل أن يُكَشف، على أن يصمت على الانتهاك. بعدها سنراه متدرباً في صفوف الجيش، قبل أن تباغته الفتيات (زميلات السكن الجامعي سابقاً) في موقعه العسكري، يكافئنه بالعناق وبالأحضان وبالاحترام.

كل ذلك في إطار خلطة من التهريج والبذاءة، هذه التي لم نشهد لها مثيلاً في السينما السورية، ففي الفيلم كلمات وإشارات مسفّة، لا ضرورة لها غير الادعاء بكسر المحظور! لكن الكسر يهون عندهم إن كانت الغاية تمجيد حذاء جندي النظام، هي رقابة ما بعد الثورة والحرب التي قررت أن ترخي العنان لكل محظور طائفي وديني وجنسي في سبيل تكريس صورة النظام، كعلماني، حامي الأقليات، ومدافع عن حقوق النساء إزاء انتهاكات المسلحين!

الفيلم يمكن أن نصنّفه تحت اسم «المهزلة الوطنية»؛ مهزلة باعتباره أحطّ أصناف الكوميديا، ووطنية لكونه «مأثرة» في حب الوطن. ولو أن ذلك لا يلغي أنها أحطّ أصناف الوطنية، لأنها تستخدم البوط العسكري مدخلاً وحيداً للوقوع في غرام الوطن.

 

الممثل المسكين

 

ألمح في فيلم «بوط كعب عالي» ممثليْن لطالما جرى التبشير بهما حتى قبل تخرجهما من «المعهد العالي للفنون المسرحية» بدمشق، وأعني أندريه اسكاف وسوسن أبو عفار. كان لهما من خفة الدم والحضور الخاص، حتى بعيداً عن خشبة المسرح، ما يجعل الناس يترقبون المستقبل الذي سيتفوّقون فيه على كوميديين مكرسين مثل دريد لحام وناجي جبر (أبو عنتر) وباقي الفريق المعروف. مرت السنون ونحن نقول ربما في العمل القادم، ولربما كان هذا العمل من أجل العيش في انتظار فرصة أفضل. واضح أن زمناً طويلاً مرّ تحوّل معه الممثلان إلى تسلية لم تعد تسلّي أحداً، وألهية لا يستأنس بها ولا ينخدع فيها أحد.

مصير يذكّر بقول المتنبي:

 

«ولم أرَ في الناس عيباً/ كنقص القادرين على التمام».

 

 

 

سر الرقابة

 

كشف السيناريست المصري وحيد حامد عن أحد أسرار صنعة الكتابة للتلفزيون، عن كيفية التحايل على جهاز الرقابة على المصنفات الفنية في مصر. قال إنه كان يتعمد «وضع مشهد تافه داخل السيناريو يحتوي على قبلة أو شيء من هذا القبيل، وبعدها يدخل في صراع مع الرقابة التي ترغب في حذف المشهد، وهو ما يرضخ له في النهاية بعد أن يضمن صرف نظر الجهاز عما يحتوي عليه الفيلم بالفعل».