مخاوف بالأردن من تبعات التعليم عن بعد إثر تفشي كورونا

12 أكتوبر 2020
مخاوف بالأردن من تبعات التعليم عن بعد إثر تفشي كورونا

وطنا اليوم:تثير تجربة “التعليم عن بعد” التي فرضتها الحكومة الأردنية، ضمن إجراءاتها لمكافحة فيروس كورونا، مخاوف لدى عديد التربويين وأولياء الأمور من “انعدام” آليات التواصل والتلقي بين المعلمين والطلبة، ومن ثم انتقال أبنائهم من مرحلة إلى أخرى بلا تأهيل تعليمي وتربوي سليم.
وفي هذا السياق؛ يشتكي المواطن الأردني مصطفى الزعبي من عدم قدرته على تحمل تبعات التعليم عن بعد، وخصوصا أن لديه أربعة أبناء في المدارس الحكومية، أصغرهم في الصف الثاني، وأكبرهم في الصف الثاني عشر “الثانوية العامة”.
وأوضح الزعبي أن انشغاله في عمله منذ الصباح إلى أول ساعات الليل؛ يجعله غير قادر على متابعة دراسة أبنائه، لافتا إلى أن والدتهم تحاول أن تعلمهم المواد المدرسية، إلا أن صعوبة المناهج وكثرة الواجبات تحول دون إتمام ما على أبنائها من دروس.
وقال إن أبناءه لا يتابعون منصة “درسك” الحكومية بشكل حثيث، ويشتكون من أنهم لا يتمكنون من فهم المعلم أو المعلمة عن بعد، وخصوصا مع عدم وجود أي صيغة تفاعلية بين الملقي والمتلقي.
وأضاف الزعبي: “اضطررت إلى أن أسجل ابني الذي يدرس التوجيهي في مراكز ثقافية، وأرسلت ابني الآخر إلى منزل أحد المعلمين ليتلقى على يديه دروسا خصوصية، الأمر الذي أرهقني ماديا، وألجأني إلى البحث عن عمل إضافي أزيد من خلاله دخلي، ولكنني لم أجد حتى اللحظة”.
وأعلنت السلطات الأردنية تحويل مدارس المملكة إلى نظام “التعليم عن بعد” ابتداء من 17 أيلول/سبتمبر لمدة 14 يوما، مستثينة الصفوف الأساسية الثلاثة الأولى وطلبة الثانوية العامة (التوجيهي)، لتعود وتعلق دوام جميع الصفوف الدراسية، اعتبارا من الجمعة الماضي وحتى إشعار آخر، وفق إجراءات جديدة لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد.

تجهيل أم تعليم؟

ويرى منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة (ذبحتونا) فاخر دعاس، أن المدارس الحكومية لم تنجح في تجربة التعليم عن بعد، مؤكدا أننا “أمام حالة أقرب إلى التجهيل منها إلى التعليم”.
وقال؛ إن التعليم عن بعد في الأردن “لا يخضع لأية معايير حقيقية من الناحيتين التعليمية والتربوية”، مؤكدا أن هذا النظام من التعليم لا يمكن أن يكون بديلا للتعليم الوجاهي، وعمليا لم تنجح الحكومة الأردنية في تقليص الفجوة بين النظامين.
ولفت دعاس إلى أن تجربة التعليم عن بعد كانت مقبولة في بعض المدارس الخاصة، خصوصا في الصفوف من السابع إلى التوجيهي، مضيفا أنها فشلت في جميع المدارس الحكومية وبقية المدارس الخاصة، ولم تنجح مع طلاب السنوات الأساسية الدنيا في جميع المدارس بلا استثناء.
ورأى أن التعليم عن بعد كرّس التمييز الطبقي الموجود أصلا قبل أزمة كورونا، حيث إن ما يقرب من ثلثي الطلبة في المملكة، وهم الملتحقون بالمدارس الحكومية، يعانون من عدم توفير خدمات لوجستية وتأهيلية، بينما توفر المدارس الخاصة التي تعتمد البرامج الدولية جميع السبل والخدمات اللوجستية من شتى النواحي التربوية والتعليمية.
وأوضح دعاس أن طالب المدرسة الحكومية يعتمد في التعليم عن بعد على فيديوهات مسجلة، ومن ثم لا تتوفر لديه أية أجواء تفاعلية تمكنه من فهم المادة والاستفادة من المعلم، بالإضافة إلى كون مدرسته لم توفر له حزم إنترنت مجانية سوى لأوقات محددة، مما يزيد العبء المادي على أهالي الطلبة الذين يضطرون أيضا لشراء الأجهزة الذكية لأبنائهم ليمارسوا التعلم عن بعد، بينما توفر كثير من المدارس الخاصة هذه الأجهزة لطلبتها.
وقال إن إلقاء عبء التعليم على أهالي الطلبة قد “يزيد الطين بلة”، ويكرس مفاهيم خاطئة لدى الطفل الذي يتلقى تعليمه على يد أشخاص غير مختصين، ويزعزع ثقة الطفل بنفسه، ويخلق أجواء نفسية سيئة من خلال العقوبة التي يمكن أن يوقعها ولي الأمر على طفله في حال تأخر إدراكه للمعلومة أو حفظه لها.
وأشار إلى أن التعليم عن بعد فتح مجالا لتعزيز التجارة في العلم على حساب التعليم الجاد، حيث يلجأ كثير من الطلبة إلى الدروس الخصوصية والمراكز الثقافية وشركات البطاقات الإلكترونية التعليمية، وخصوصا طلبة التوجيهي الذين أصبحوا صيدا ثمينا لهذه الشركات.
وأكد دعاس أن لجنة الأوبئة التابعة لوزارة الصحة لم توص بإغلاق المدارس، وإنما باستمرار التعليم الوجاهي مع اتباع تعليمات صحية التزمت بها معظم المدارس، مضيفا أن الحكومة لم تقدم أية أرقام عن حجم الإشكالات الصحية التي شكلها التعليم الوجاهي، ولم تقدم أية مبررات مقنعة للجوء إلى التعليم عن بعد.

صحة الطلبة أولا

وفي المقابل؛ أكد الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم، عبدالغفور القرعان، أن “التعليم المباشر في الأردن هو القاعدة، واللجوء إلى التعليم عن بعد استثناء ألجأت إليه الضرورة القاضية بأولوية الحفاظ على صحة الطلبة والمعلمين والمعلمات”.
وأضاف أن الأردن وصل إلى مرحلة الانتشار المجتمعي لفيروس كورونا، وازدادت الإصابات بالمدارس في الآونة الأخيرة، الأمر الذي اضطرنا معه إلى اتخاذ قرار بإغلاق المدارس كي لا تصبح بؤرا لنشر العدوى، خصوصا أننا نواجه وباء سريع الانتشار.
وقال القرعان؛ إن الوزارة وفرت منصات “درسك1″ و”درسك2″ و”درسك توجيهي” وهي متاحة مجانا على الإنترنت من السادسة صباحا ولغاية الرابعة مساء، لافتا إلى أن هذه المنصات متوفرة على ثلاث قنوات تابعة للتلفزيون الأردني، “يمكن لأي طالب أن يتابعها من خلال الشاشة في منزله بكل سهولة”.
وبين أن الحكومة طرحت عطاء لشراء أجهزة لابتوب “وهو في مراحله الأخيرة”، مؤكدا أنه “في منتصف تشرين الأول/أكتوبر المقبل سيتم توريد 300 ألف جهاز لتوزيعها على الطلبة المحتاجين على سبيل الاستعارة”.
وحول الآثار السلبية المترتبة على التعليم عن بعد، وكيفية تداركها من قبل وزارة التربية والتعليم؛ قال الناطق الإعلامي لـ”التربية”؛ إن المملكة في الفصل الثاني من السنة الدراسية الماضية تحولت إلى التعليم عن بعد، وأصبح لدى الطلبة ما نسميه “فاقدا تعليميا”، فاستحدثت الوزارة برنامجا لمدة أسبوعين مع بداية العام الدراسي لهذا العام، لتعويض الطلبة عن هذا الفاقد.
وردا على اتهام وزارته بأنها تشجع تجارة الدروس الخصوصية من خلال اللجوء للتعليم عن بعد؛ أشار القرعان إلى أن الوزارة وفرت التعليم داخل كل منزل من خلال منصاتها التي تعرض على شاشة التلفزيون، ويقدم الحصص الدراسية فيها مدرّسون من أكفأ معلمي المدارس الحكومية والخاصة، متسائلا: “لماذا يذهب الطالب إلى مدرسين خصوصيين ومراكز ثقافية، والمعلم موجود في بيته؟”.
ويشهد الأردن منذ بدايات آب/أغسطس الماضي انتكاسة وبائية، سجلت فيها الإصابات المحلية أرقاما قياسية وارتفاعا ملحوظا، حيث بلغ المجموع الكلي للمصابين لغاية الأحد 24 ألفا و926، قضى منهم 191.