اللامركزية حتى لا نراكم الفشل..!

6 ديسمبر 2020
اللامركزية حتى لا نراكم الفشل..!

 

موفق الحجاج

يعد قانون اللامركزية من أكثر القوانين إن لم يكن أكثرها على الإطلاق التي أثارت جدلاً حول مدى تلبيتها للتوقعات. وتوافقت جميع الأطراف (الحكومة وأعضاء المجالس المنتخبة والمراقبون) على أنه لم يشكل الإطار المناسب لتعزيز المشاركة الشعبية في تحديد أولويات التنمية في المحافظات، وتمكين المواطنين وممثيلهم في مجالس المحافظات من متابعة تنفيذ المشاريع الحكومية في مناطقهم ومساءلة مدراء الدوائر الحكومية عن حسن تنفيذها.

 

أثناء دراسة مشروع القانون؛ ظهرت العديد من الآراء والمقالات النقدية لمشروع القانون كان من أهمها مقالة للدكتور عمر الرزاز بعنوان “المبادئ الأساسية في نجاح اللامركزية “، نشرت في جريدة الغد اليومية بتاريخ 11/8/2015. اكتسبت المقالة أهميتها من أن صاحبها أصبح رئيسا للوزراء في الأردن بتاريخ 5/ 6/ 2018. وأتبعت المقالة مقاربة علمية استندت إلى عرض مشروع القانون على المبادئ الأساسية التي تسعى اللامركزية عادةً إلى تحقيقها. وخلصت إلى أنه وعلى الرغم من أن مشروع قانون اللامركزية ومشروع قانون البلديات الذي كان يناقش بالتزامن معه، يمثلان نقلة نوعية على صعيد تعزيز المشاركة الشعبية، لكنهما جاءا قاصران في مجالات أخرى، مثل فصل السلطات وتحديد الأدوار والكفاءة الإدارية والمالية. وقدم الرزاز جملة من المقترحات لتطوير القانون، من أبرزها طرح بديل الذهاب إلى خيار مجلس محافظة منتخب بالكامل ولكن ليس بشكل مباشر، أي تشكيلة من أعضاء منتخبين من خلال المجالس البلدية وغرف التجارة والصناعة. وهذا سيحقق غرض التمثيل الديمقراطي بالإضافة إلى زيادة كفاءة مجالس المحافظات مالياً وإدارياً.

 

في قراءة تحليلية أخرى للباحث “تامر خرمه” نشرت في مجلة حبر الإليكترونية بتاريخ 8/8/2017 وحملت عنوان (اللامركزية: استنساخ وزارة الداخلية في 12 حكومة محلية)؛ ذهب الباحث إلى أن قانون اللامركزية قد كرّس السلطات والصلاحيات -الشحيحة أصلاً- في يد المجلس التنفيذي الذي يرأسه المحافظ وتهيمن عليه وزارة الداخلية. وإن القانون يبقي المجالس المنتخبة على هامش عملية رسم السياسات وصنع القرار في المحافظة، حيث تقتصر صلاحياتها على إقرار ما يقدّمه لها المجلس التنفيذي.

 

في نهاية الأمر فإن القانون يعكس -إلى حد ما- حرص المشرّع على ضمان نزاهة الإنتخابات المقبلة، ولكنه يعكس أيضاً حرص السلطة التنفيذية على عدم التنازل عن أي من صلاحياتها للمجالس التي يملك المواطنون حق انتخابها، ما يعني أن هذه السلطة استجابت لضرورة تطبيق اللامركزية بعد أن فرّغتها من مبادىء العمل الديمقراطي الذي يضمن للناس شراكة حقيقية في وضع تصور ما لمستقبل التنمية في مناطقهم.

 

بعد قرابة عام على انتخاب مجالس المحافظات، قام الباحث “هاني الظليفي” بنشر مقالة مطولة في موقع ساسة بوست الإليكتروني بتاريخ 22/7/2018 بعنوان (اللامركزية في الأردن تحت التجربة)، كان من أبرز ما ورد فيها: “جاء قانون اللامركزية ليعيد هيكلة الإدارة والحكم المحلي على مستوى المحليات. فمجلس المحافظة هنا باستقلاله الإداري والمالي الضبابيغير المحدد بوضوح والمقيد الصلاحيات… لا يعدو عن كونه تطويراً للمجالس الإستشارية التي كانت مطبقة سابقاً “.

 

هذا في باب محدودية وشكلية صلاحيات ودور مجلس المحافظة. أما في باب إفرازات هذا الدور الهامشي وانعكاساتها على صورة المجلس وأدائه، فقد استنتج الظليفي: “يمكن أن نفهم قيام بعض مجالس المحافظات برفض اعتماد دليل الاحتياجات المعد من قبل المجالس التنفيذية كمؤشر على أن العلاقة غير ودية بين المجتمع المدني ممثلاً بمجالس المحافظات وبين الحكومة المركزية ممثلةً بوكيلها الميداني -المجلس التنفيذي للمحافظة- مما انعكس سلباً على مكانة المجالس اللامركزية في المجتمع المحلي الذي لم يلمس أثراً فارقاً أو ملموساً لها. وثمة من بات يرى في هذه المجالس ديكوراً ديمقراطياً زائداً عن الحاجة وعبئاً غير مبرر على موازنة الدولة”.

 

ما سبق كان استعراضاً موجزاً لبعض آراء وتقييمات النقاد والخبراء للقانون والتجربة ما قبل وأثناء وبعد إقرار القانون، وبدء العمل به على أرض الواقع. أما إفرازات التجربة وتقييم أعضاء مجالس المحافظات المنتخبين للقانون وتجربة اللامركزية التي نتجت عنه، فيمكن استنتاجها من الشواهد التي سيتم استعراضها تالياً.

 

نقل موقع المدينة الإخباري بتاريخ 26/6/2018 عن اجتماع لرؤساء مجالس المحافظات عُقد بضيافة مجلس محافظة إربد، تأكيد المجتمعون على: “ضرورة العمل على تعديل قانون اللامركزية ونقل الصلاحيات من الوزراء للمدراء التنفيذيين في المحافظات. والاستقلال المالي والإداري وتوفير أدوات العمل من كوادر فنية ودعم لوجستي ومباني خاصة بهم حتى تتمكن المجالس من القيام بمهامها وواجباتها”.

 

كما نشرت جريدة الرأي الأردنية بتاريخ 23/7/2018 تقريراً بعنوان (اللامركزية بعد عام من التطبيق العملي.. تعديل القانون أبرز المطالب)، أوردت فيه على لسان بعض رؤساء مجالس المحافظات أن التجربة لم تحقق بعد أي نتائج أو هدف. وأن الأسباب وراء ذلك هي أن مشروع اللامركزية انبثق عن قانون ضعيف لا يمنح أي صلاحية لرؤساء المجالس واختصر دورهم بإقرار الموازنات فقط.

 

ونقل التقريرعن رئيس مجلس محافظة العاصمة قوله: “المواطن انتظر وبات يواجه رؤساء المجالس والأعضاء، ويطالبهم بخدمات ومشاريع. لكن على المواطن أن يدرك أن الحكومة هي من وضع خطط وموازنات مجالس المحافظات وليس نحن”. كما جاء في التقرير أن مجلس محافظة جرش لم يجد وسيلة للاحتجاج على عدم تنفيذ مشاريع موازنة 2018 سوى تعليق جلساته وتحميل الحكومة مسؤولية فشل تجربة اللامركزية بحسب رئيس مجلس المحافظة.

 

وتضمن التقرير بأن وزير التنمية السياسية والبرلمانية، رئيس اللجنة الوزارية لمشروع اللامركزية الذي يقود الوزارة التي تُعد المرجعية لمجالس المحافظات -حسب الترتيبات التي أقرتها الحكومة في حينه- قد أقرّ بأن القانون فيه بنودا وموادا تحتاج إلى المراجعة والتعديل لمعالجة تداخل الصلاحيات وإشكاليات التطبيق وصعوباته.

 

وفي مؤشر على اهتمام رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بإنجاح تجربة اللامركزية، بادر وقبل مرور شهرين على توليه مهام منصبه إلى لقاء رؤساء مجالس المحافظات. ونقلت وكالة “بترا” قوله خلال الاجتماع: “إن سقف توقعات الناس عال تجاه مشروع اللامركزية. وفي نفس الوقت ندرك بأن مجالس المحافظات تجد نفسها تعمل بدون أدوات تمكّنها من الإنجاز وعلينا جميعاً معالجة هذا الواقع. كان الهدف من المشروع إيجاد نهج جديد في اللامركزية في اتخاذ القرار، ولكن على أرض الواقع لا زالت هناك مركزية عالية في العطاءات والتنفيذ”.

 

وتكللت الحوارات والنقاشات والتجاذبات حول أداء مجالس المحافظات في ظل هذا القانون بلقاء الملك برؤساء المجالس بتاريخ 17/10/2018. حيث أكد الملك خلال اللقاء وحسب ما أوردته “بترا” على أنه: “بعد مضي عام على التجربة، يجب قياس أثرها على أرض الواقع من حيث مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين وأهمية أن تعمل الحكومة ورؤساء وأعضاء مجالس المحافظات على مراجعة قانون اللامركزية وبما يُسهم في تحقيق الأهداف المنشودة”.

 

اليوم؛ ومع اقتراب انتهاء الدورة الأولى لمجالس المحافظات، ومع فتح الباب لمراجعة القانون والتجربة برمتها، سيكون من الضروري للحكومة ومجلس النواب البناء على هذا التوافق الوطني الأفقي والعمودي عند تقرير عمق وشكل التغيير المطلوب إدخاله على القانون والاستفادة من عشرات الدراسات والمقالات والتقييمات التي تم إعدادها حول التجربة الحالية. وبخلاف ذلك فإنها ستكون قد سعت عامدة لغرس بذور مراكمة الفشل.