حوار مع المجندة التي رفضت الخدمة في جيش الاحتلال

1 ديسمبر 2020
حوار مع المجندة التي رفضت الخدمة في جيش الاحتلال

وطنا اليوم:أمضت هيليل رابين 56 يومًا في السجن العسكري بسبب رفضها الخدمة في الجيش الإسرائيلي. وهي تتحدث هنا عن الوقت الذي قضته خلف القضبان، والمحادثات التي أجرتها مع زميلاتها في السجن، وعن التحدث إلى الشباب الإسرائيليين حول الاحتلال.

* *
بينما وقفت هيليل رابين أمام لجنة المعترضين على أداء الخدمة العسكرية بدافع الضمير قبل أسبوعين، وهي الهيئة العسكرية التي تقرر ما إذا كانت ستعاد إلى السجن بسبب رفضها الخدمة في الجيش، طُرح عليها السؤال الأكثر غرابة على الإطلاق: “هل كنتِ ستوافقين على ارتداء زي الجيش لو كان لونه وردياً؟”.
أجابت: “ليست لدي مشكلة مع اللون، لدي مشكلة مع ارتداء الزي العسكري -بغض النظر عن الجيش”. وكانت رابين، التي تعترض على الخدمة العسكرية بدافع الضمير، نزيلة سجن عسكري لرفضها الخدمة بسبب سياسات الجيش الاحتلالية. وفي 20 تشرين الثاني (نوفمبر)، انتهت فترة رابين الرابعة في السجن العسكري. وبعد يوم من الجلسة، أعطاها الجيش رسمياً التسريح الذي أرادته. وكانت قد أمضت ما مجموعه 56 يومًا خلف القضبان.
رابين، 19 عامًا، من كيبوتس هاردوف في شمال إسرائيل، سُجنت لأول مرة في آب (أغسطس) بعد مثولها أمام اللجنة العسكرية لطلب إعفائها من الخدمة العسكرية. وقد حوكمت وحُكم عليها بفترتين مختلفتين من السجن، بما في ذلك خلال رأس السنة اليهودية. وعند إطلاق سراحها الأسبوع الماضي، اعتقدت رابين أنها ستعود إلى منزلها لقضاء فترة وجيزة قبل إصدار حكم آخر بالسجن عليها. لكنها عندما فتحت هاتفها، وجدت رسالة من محاميها، آساف ويتزن، والتي أبلغها فيها بأن اللجنة قبلت طلبها وأنه تم تسريحها.
كما أخبرت أورلي نوي في تشرين الأول (أكتوبر)، نشأت رابين على يد أم كانت تدرِّس التربية المدنية، وبدأت في طرح أسئلة على نفسها حول الواقع في إسرائيل منذ صغرها. وفي سن الخامسة عشرة، أدركت أنها لن تكون قادرة على الخدمة في الجيش، لأن القيام بذلك يتعارض مع “أبسط مُثُلي، وعرفت أنه لا يمكنني دعم مثل هذه السياسات العنيفة”.
بعد أقل من أسبوع على إطلاق سراحها، لم تعتد رابين بعد على الحياة خارج السجن. وهي تستيقظ كل يوم عند السادسة صباحاً، كما هو مطلوب داخل السجن، وتجيب عن مئات الرسائل التي تتلقاها بانتظام من جميع أنحاء العالم. وقد التقيت بها هذا الأسبوع في كيبوتس هاردوف لكي أحاورها حول رفضها الخدمة في الجيش، والمدة التي قضتها وراء القضبان، وإمكانية التحدث مع الشباب الإسرائيليين حول رفض الخدمة.
كيف انتهى بكِ المطاف في السجن؟ كيف مضت الأمور مع رفضك؟
“في يوم موعد التحاقي بالخدمة، وصلت إلى قاعدة التجنيد وأنا أعلم أنني ذاهبة إلى السجن. كان هذا هدفي، لكنني لم أفهم حقًا كيفية القيام بذلك. بدأتُ عملية التجنيد الإجباري لكني لم أعرف إلى من أتوجه (لأعلمه برفضي). جلست على كرسي وصرخت بصوت عالٍ: “أريدكم أن تحضروا لي شخصًا يعرف أن يخبرني ماذا أفعل. أنا مستنكفة ضميريًا عن الخدمة وأحتاج إلى الذهاب السجن ولن أصبح جنديًة”.
“أخيرًا، أخذتني امرأة لطيفة إلى مكتب حيث وقّعت على ورقة تقول إنني أرفض الخدمة. وقد وجدت من المسلي أن هدفي كان الذهاب إلى السجن، وأنني بمجرد أن أكون هناك سأكون في المكان المناسب”.
في البداية حُكم على رابين بالسجن سبعة أيام وأُرسلت إلى عنبر النساء في “سجن ستة”، وهو سجن عسكري يقع في شمال إسرائيل. وتتذكر: “كان ذلك أطول يوم في حياتي وأكثرها إرهاقًا. استغرقني الأمر ثلاثة أيام لأفهم ما يجري، وكيفية الرد (على سلطات السجن)، وكيفية الالتفاف على الأمور. وقد تعلمت بسرعة”.
كيف كان الوقت الذي قضيته في السجن؟
“كانت تجربة مجنونة. كنت في زنزانة مع جندية من شرطة حرس الحدود، وامرأة خدمت في نقطة تفتيش، وامرأتين رفضتا العمل كمسؤولتي مراقبة، وامرأة هاجمت قائدها، وضابطة شرطة عسكرية تغيبت عن العمل. كنا ستة في المجموع”.
“السؤال الأول الذي طرحته زميلات السجن علي كان: لماذا أنتِ هنا؟ قلت لهن، بتردد: أنا معترضة ضميريًا. وبدأن على الفور في طرح جميع الأسئلة المعروفة: هل أنت يسارية؟ هل أنت مؤيدة للفلسطينيين؟ خلال فترة سجني الأولى تعلمت كيف أعيش كمستنكفة ضميريًا. في كل مرة ألتقي بمجموعة جديدة من الفتيات أو أعود (إلى السجن)، كان الموضوع يثير الجدل وقدرًا كبيرًا من النقاش”.
هل تحدث معك الجنود والقادة في السجن عن قرارك بالرفض؟
“ليس هناك جندي واحد لم يسمع قصتي. حتى القادة كانوا مهتمين. كانت هناك ضابطة واحدة قالت لي إنها تقدر قراري، بل إنها امتدحتني. كانت تلك إحدى المحادثات المهمة التي أجريتها -لقد فهم شخص من داخل النظام سبب قيامي بما قمت به وحصلت على تقدير وإشادة منه”.
“لم أتشاجر مع أي أحد في السجن. كان ذلك تمريناً لأناي، لقدرتي على إجراء محادثة، وقدرتي على أن أكون مرنًة اجتماعيًا؛ أن أكون في موقف يختلف فيه الناس معي وأشعر فيه بعدم الارتياح -بأنني مهددة تقريباً- لكنني أكون مع ذلك على ما يُرام”.
تم إطلاق سراح رابين بعد خمسة أيام وأعيدت إلى منزلها؛ حيث أمضت الأسبوعين ونصف الأسبوع التاليين. وتقول عن ذلك: “يستغرق التعود على المنزل وقتًا أطول. في السجن يوجد نظام في كل شيء، ثم فجأة يتم إطلاق سراحك. هذا مُربك. أصعب شيء في العودة إلى البيت هو العودة إلى السجن”.
عندما عادت إلى قاعدة التجنيد في تل هشومير، حُكم عليها بالسجن لأسبوعين آخرين -أسبوع لرفضها الخدمة وأسبوع آخر للتغيب عن العمل. وكغيرها من المعترضين على أداء الخدمة العسكرية بدافع الضمير، تلقت بعد كل فترة قضتها في السجن استدعاءً آخر إلى القاعدة وحُكم عليها بالسجن مرة تلو الأخرى.
كيف كنتِ تقضين الوقت؟
“قرأت ثمانية كتب، بما فيها كتاب ‘النسوية للجميع’ (بقلم بيل هوكس)، و‘شرح اللاعنف لأولادي’، (بقلم جاك سيملين). أخبرتني صديقتاي، هيليل وتمار، وهما أيضًا من المعترضين على الخدمة العسكرية بدافع الضمير، أن واجبي المنزلي كان العثور على أوجه تشابه بين النسوية والاستنكاف الضميري عن الخدمة”.
قبل الفترة الثالثة التي قضتها في السجن، قررت رابين إخراج رفضها إلى العلَن بمساعدة “ميسارفوت”، وهي شبكة شعبية تجمع الأفراد والجماعات الذين يرفضون التجنيد في الجيش الإسرائيلي احتجاجًا على الاحتلال. وتشرح: “في البداية، كنت آمل ألا يكون هناك أي سبب وجيه للجوء إلى وسائل الإعلام. كنت آمل أن تقوم لجنة المستنكفين ضميريًا بتسريحي من الخدمة. اعتقدت أن كل شيء سينتهي بعد حُكمي الأول في السجن”.
حتى قبل موعد التجنيد، حاولت رابين التوجه إلى لجنة مستنكفي الضمير، التي رفضت على الفور طلبها الإعفاء. وخلال فترة حبسها الأولى، تقدمت باستئناف وانتظرت أن يعود الجيش إليها مع أسبابه لسجنها. وعندما تأخر قدوم الحجج، قررت الذهاب إلى الإعلام. وبعد دخولها السجن للمرة الثالثة، نظمت “مسارفوت” مظاهرة لدعم رابين خارج قاعدة التجنيد. وحُكم عليها بالسجن 25 يومًا. وبين فترتي السجن الثالثة والرابعة، كان من المقرر أن تحضر رابين جلسة الاستماع الثانية لها أمام لجنة المستنكفين ضميريًا في جيش الدفاع الإسرائيلي.
ماذا كان الفرق بين الجلستين الأولى والثانية؟
“المرة الثانية كانت أطول، تعمقوا في التفاصيل. سألتني اللجنة في المرة الأولى أسئلة لمحاولة إثبات أن رفضي كان سياسيًا وقائمًا على الاستنكاف الضميري وليس بناء على النزعة السلمية (قام جيش الدفاع الإسرائيلي تاريخيًا بالتمييز بين المجندين الذين يمكنهم إثبات أنهم “دعاة سلام غير سياسيين” وأولئك الذين يرفضون الخدمة لما يعتبره الجيش أسباباً “سياسية”، مثل المعارضة المحددة للاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من صعوبات القيام بذلك، فإن المجندين الذين يستطيعون إثبات أنهم من النوع الأول تكون لديهم فرصة أكبر للحصول على إعفاءات)”.
“في الجلسة الثانية سألوني لماذا لا أرتدي زي الجيش. شرحت أنني أتيت من منزلي وأنني على أي حال رفضت التجنيد كمستنكفة ضميريًا، ولهذا السبب لم أحصل على أي زي رسمي من الأساس. وحتى لو أنهم طلبوا مني ارتداءه، فلن أرتدي زيًا عسكرياً أبدًا. إنهم يحاولون أن يفهموا ما إذا كان رفضك سياسيًا أم مدفوعًا بالسلام، وكيف تستجيب لأوضاع العنف، وكيف يبدو أسلوب حياتك”.
ماذا قلتِ؟
“كنت أكثر استعدادًا (في المرة الثانية). ساعدتني خمسون يومًا في السجن، والمحادثات اليومية حول الموضوع، والمقابلات مع وسائل الإعلام، على شرح وجهة نظري”.
“قلت إنني لم أكن على استعداد للمشاركة بأي شكل من الأشكال في نظام يعتمد جوهره على القتال والقمع العنيف. وأنني أعتقد أن هذا يحتاج إلى التغيير، وهذه هي طريقتي لإحداث التغيير. هذا هو عملي الصغير. وأضفت أنني كنت نباتية طوال حياتي، وأشتري الملابس المستعملة، وأنا ضد الاستغلال والرأسمالية والتمييز على أساس الجنس”.
هل شعرتِ بأن اللجنة فهمت أن المعترض السلمي الذي يعارض العنف سيكون أيضًا ضد الاحتلال؟
“هذا يزعجهم. إنه صعب عليهم. إنهم أربعة أعضاء في الجيش وأستاذ في التربية المدنية. جميعهم بعمر 50 عامًا أو أكبر وقد كرسوا حياتهم للوصول إلى مناصب عليا (في جيش الدفاع الإسرائيلي)، وأنا فتاة تبلغ من العمر 19 عامًا وأقول لهم: ‘هذا ليس جيدًا’. أنا متأكدة من أن هذا صعب عليهم بشكل شخصي. ما كنتُ لألتحق حتى بالجيش السويسري، لكني أعيش هنا ويفترض أن أخدم في الجيش الذي يرتكب هذه الأعمال. أنا أعارض الاحتلال لأنه عنيف وقمعي وعنصري”.
خلال جلسة الاستماع الثانية للجنة، أظهر الأعضاء لرابين صورة لها وهي تشارك في احتجاج “ميسارفوت” خارج قاعدة التجنيد، والذي أقيم قبل سجنها للمرة الثالثة. وقد ظهرت في الصورة وهي تحمل لافتة كتب عليها “ميسارفوت” (الكلمة العبرية التي تعني الشكل المؤنث لـ”الرافضين”)، و”رفض الاحتلال ديمقراطية”.
“سألوني ماذا تعني اللافتة”، تقول رابين. “قلت إنه من المشروع معارضة القضايا التي تتحول إلى مواضيع محظورة -أن معارضتها ديمقراطية”.
قال نشطاء في منظمة “ميسارفوت” لـ”مجلة 972+” إنه خلال نصف العام الماضي، جعلت لجنة المعترضين على الخدمة العسكرية من الصعب الحصول على إعفاء من الخدمة لأسباب ضميرية، وكذلك تلقي التفسيرات عند رفض طلبات التسريح. وتأمل المنظمة في أن يؤدي تسريح رابين إلى تغيير هذه السياسة.
هل تشعرين أنه من الممكن التحدث مع المراهقين عن الاحتلال؟
“الأمر لا يتعلق بالعمر. لست بحاجة إلى الانتظار حتى يصبح نصف حياتي ورائي لكي أقاتل من أجل مبادئي… ليس شيئًا سيئًا أن أقول بصوت عالٍ أن الذهاب إلى لجنة المستنكفين ضميريًا هو خيار مشروع وأن من الممكن أن يفكر المرء لنفسه ومع نفسه. حتى السجن ليس سيئاً. إنه أمر مرهق لكنني لم أغادر وأنا أشعر بالقلق أو الرغبة في الموت”.
ما نوع ردود الفعل التي تلقيتها بعد إطلاق سراحك؟
“تواصل معي الكثير من الناس من إسرائيل ومن جميع أنحاء العالم. بعض الناس شتموني. وكتب آخرون أن (رفضي) كان ملهمًا وأنه يجلب الأمل في وجود مراهقين يدافعون عما يؤمنون به. كتب لي الفلسطينيون أيضًا بعد نشر (قصتي) في تركيا. كتب شخص من طولكرم أنه يقدر أفعالي ويأمل بأن نشرب القهوة معاً في يوم من الأيام ونتحدث عن الحياة”.

*مصور صحفي، وعضو مؤسس في مجموعة التصوير “أكتيفستيلس”، وكاتب في Local Call حيث نشرت هذه المقابلة بالعبرية. منذ العام 2003، قام بتوثيق مجموعة من القضايا الاجتماعية والسياسية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، مع التركيز على مجتمعات النشطاء ونضالاتهم. ركزت تقاريره الصحفية على الاحتجاجات الشعبية ضد الجدار والمستوطنات، والإسكان الميسور التكلفة وغيرها من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ومكافحة العنصرية والتمييز.

*نشرت هذه المقابلة تحت عنوان: ‘Refusing to serve in the army is my small act of making change’