أردنيا..كثرة تشريع العقوبات في علم الاجتماع والجريمة ماذا تعني؟

27 أبريل 2022
أردنيا..كثرة تشريع العقوبات في علم الاجتماع والجريمة ماذا تعني؟

 أ.د. حسين محادين

لاشك ان المجتمع الأردني كمجتمع عربي مُسلم ، وهذه هويته الحقيقية تاريخياً؛ إنما يقتضي من الأكاديمي المنتم والمتابع لشجون وتطلعات ابناء وبنات مجتمعه الذي يعيش تغيرات متسارعة في بنيته القيمية والحياتية معا ؛ يقتضي منه ضرورة العمل على رصد وتحليل طبيعة ومآلات ما يلاحظه من كُثرة لتشريع القوانين العقابية؛ وليس الاعفائية من الضرائب او الديون الحكومية مثلا ، او تنام محاسبة المعتدين على المال العام بعناوينه المتعددة خصوصا في ظل التحديات الحياتية التي تضغط يوميات المواطن في الشريحتين الوسط والفقيرة معا.

والمقصود هنا؛ مشاريع القوانيين المقدمة من الحكومات او حتى ما يقترحه ويوافق عليه اعضاء مجلس النواب على عجل ؛ كلما دق كوز الاحتجاجات الجماعية في الشارع الأردني ازاء قضايا اقتصادية مطلبية في الشأن العام، أو تلك المرتبطة في السياسة والاقتصاد وطنيا وإقليميا كحالة لافته للراصد العلمي لحركة هكذا تشريعات والمحلل لمعانيها وتأثيراتها مجتمعيا هذا اولا.

اما ثانيا؛ ما يرتبط بالتعبير السلمي لبعض الشباب من الجنسين ” وهم الرافضون ضمنا ؛ لفقرهم وبِطالتهم المفتوحة على الاستمرار رغم انهم مؤهلون علميا، وبالترابط مع ما سبق كل من:-

أ- إشتداد منسوب غربتهم كشباب وهم الأجراء على المغامرة وفي اظهار العصيان أكثر من غيرهم من الشراىح الاخرى في مجتمعنا الشاب سكانيا بذات الوقت وهذه حقيقة يجب مناقشها بعمق من قبل المشرع وصناع القرار معا، وهذا الواقع هو الذي جعل غربتهم القاسيةبصورة اوضح عن أولى مؤسسات التنشئة الاجتماعية في مجتمعنا وهي الأسرة الاردنية الآخذة بدورها في ضعف بنيتها وادوارها التاريخية في التربية والتوجيه نحو انتماء ابناء الوطن وبناته للاهداف الوطنية الاعلى، بدليل ارتفاع نسب الطلاق والعنف فيها حاليا كما تؤكد الاحصاءات الرسمية والعالمية معاً.

ب- جراء إنفتاحهم كشباب يتقن ويفيد من لغة العصر في الحريات ،والشفافية، والحوكمة الرشيدة عبر وسائل التواصل التكنولوجي ، الامر الذي عمق من منسوب اغترابهم عن اسرهم وعشائرهم التي تكاد تفقد ادوارها المفترضة في التنشئة والتقويم الجمعي والحوار بالتي هي اجدى، لسلوكات هؤلاء المحتجين و نوعية مطالبهم الاساسية في حياة ذات عدالة متوازنة بحدها الادنى، وفي الذروة من الذين يحتجون على ما آلت لهم اوضاعهم المعيشية والسرية المحبطة عموما ؛ الساعون للانتحار، أو الذين نجحوا بذلك كذروة في التعبير عن اغترابهم عن اهاليهم وعشائرهم وعن مجتمعنا نحن الذين بقينا احياء؛ وليس مجتمعهم الذي رفضوه بالمغادرة منه وبقسوة صارخة في وجوه الاحياء من

ورائهم ؛ سواء الذين انتحروا او يحاولوا ذلك في الفضائيّن العام

والخاص-مع رفضنا للانتحار دينا ودنيا .

( )

علميا، واستنادا لاطروحات علم الاجتماع يمكن القول؛ أن تكريس نهج العقوبات القانونية كخيار وحيد وأسرع لمحاولة ضبط وتقنيين سلوكات الافراد والجماعات في مجتمعنا الاردني الصابر؛ لن يخدم في المحصلة عملية الضبط الاجتماعي المبتغاة كما يفترض الهدف من كثرة الشريعات ؛ذلك ان مثل هذا الضبط لن يتم تحققه بجناحه القانوني كضبط خارجي فقط، بل يستلزم من مؤسسات الدولة ان تعمل وبسرعة على اعادة تفعيل الجناح الداخلي لهذا الضبط المأمول عبر دعم وإحياء ادوار الاسرة الاردنية أولاً، وضرورة المحافظة عليها بسرعة، عبر دعمها الاقتصادي والتعليمي،ودعم والقادة المحليّن المتنورين منهم تحديدا، كوننا نعيش في مجتمع متحول من قيم الريف الى حواف المدنية والتغريِب العولمي”النموذج الغربي الطاغ في العالم” وكذلك اهمية دعم المؤسسات التعليمية بدرجاتها المختلفة لتزمي وتراكم على اهداف الاسرة، ولا ننسى ضرورة دعم ادوار الكنيسة والمسجد التنويرية المنفتحة منهما على قيم الوطن ومعان المواطنة المتمناة ونحن نلج المئوية الثانية من عمر الدولة، وكذا اهمية دعم وسائل الاعلام المختلفة كجزء من مهمتها في تعميق قيم الحوار الوطني المتجددة، لأن هذه المؤسسات المرجعية، ومدى نجاحها المتكامل في اداء ادوارها التعلمية والتعليمية وصولا لإنضاج هويتنا الانسانية المنفتحة؛ وحدها الكفيلة في تقليل اعداد ومبررات وسرعة تشريع كل هذه القوانين العقابية لسلوك الاردنيين، متناسين أن القانون هو الاستثناء في تحديد المنهي عنه من السلوكات والافكار في مسيرة المجتمعات، لأن القيم والاعراف الاجتماعية السائدة طوعا بين الناس هي الكفيلة في غرس وتعميم السلوكات والافكار المحمودة لدى الافراد والتنظيمات في كل المجتمعات المؤسسية الناضجة، وإلا كيف لنا ان ندرك مغزى وجود مجتمعات غيرنا في هذا العالم ، مازالت الاعراف المجتمعية فيها وليس القوانيين هي التي تضبط وتوجه سلوك وطرائق حياة مواطنيها بالمجمل..؟. وهل يحتاج اهلنا المتعلمون والواعون بمستوى عالِ كل هذه الاعداد من القوانيين الزاجرة..؟.

دون ان نغفل عن حقيقة أن جل الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها الاردن تتقدم على قوانيننا الوطنية، وهي ملزمة لنا كجزء من الشرعية الدولية في هذا العالم والاجيال الجديدة معاً من حقوق الانسان، والحوكمة الرشيدة ، الشفافية بكل عناوين الحياة…فهل نحن فاعلون.. إطروحة للحوار بالأجدى نفعاً وحرصاً لوطننا الحبيب واهلنا الطيبون فيه.

قسم علم الاجتماع- جامعة مؤتة.