كيف نحُول دون سقوط التعليم المدرسي (١)؟

19 أبريل 2022
كيف نحُول دون سقوط التعليم المدرسي (١)؟

بقلم: الدكتور محمود المساد

    عندما نقول: “سقوط التعليم المدرسي كونه نظاما ” نقصد أنه خسِر ما يزيد عن 70% من مستوى فاعليته في جميع محاوره، وخاصة إذا زادت هذه النسبة عن 80% في المكوّن الرئيس للنظام ألا وهو منظومة القيم، وما يرتبط بها من اتجاهات إيجابية نحو احترام ثقافة المجتمع، وهويته الوطنية؛ لأن النظام يصبح بمكوّنه الأكاديمي جافّا عقليّا، لا دسَمَ فيه ولا عُمق!! وهذا يحُول دون قُدرة النظام عل تشكيل حاضنة الإبداع والابتكار، كون حاضنة التفكير الإبداعي بيئة رطبة، إيجابية التواصل لا خوف فيها، عامرة بالتعزيز والدافعية القويّة.

    والمدهش، هو عندما تكتشف – بالتشخيص الدقيق وعلى مدى السنوات الخمس الأخيرة –( نتائج الدراسات والبحوث رفيعة المستوى، وتقارير حالة البلاد المتتالية، ومقالات الكتّاب والمفكرين التي تحذّر من مرارة الواقع، وتفشّي الجهل، والتقارير العالمية التي تخيف بإعلانها نسب فقر التعلّم المرتفعة جدّا، وتصنيف التعليم المدرسي الأردني في نتائج الاختبارات الدولية في المكان غير اللائق بسمعتها السابقة )- أن مكوّن التربية في النظام إلى جانب المكوّن الأكاديمي بات ضامرا، ويكاد يتلاشى حتى باتت محاولات إعادة الإدماج عصيّة على التنفيذ لأسباب داخلية ممن أصابهم العمى الوطني، ومن جهات خارجية تستهدف مستقبل الأردن، وتسعى لضعفه وتجهيله!!

    إن التحديات التي تدفع بقوة كبيرة ومؤثرة لإسقاط نظام التعليم المدرسي – بقصد أو بغير قصد –  ولا يمكن تجنيب النظام هذه الكارثة إلا بكشفها وتغييرها، وكفّ يدها المخرّبة سواء أكانت تعبث من داخل النظام، أم من خارجه؟ في الوقت الذي شرّعت له واستحدثت فيه وفتحت له الطرق ممهدة لتعمل ولو ظاهريا على إسناده ودعمه. ولتسليط مزيد من الضوء على هذه التحديات بغرض تطوير الآليات الإجرائية الكفيلة بوقف هذه الكارثة، والانعطاف نحو التطوير والتجويد نعرض لها على النحو الآتي:

    أولا : ثقافة المجتمع؛ تعدّ ثقافة المجتمع المعادية للتعليم والساخرة من أقطابه مصنوعة ومعلنة ومهشّمة، وتغذيها جهات ومصادر متعددة ولّدت ردة فعل معادية يملؤها الشك والحذر والكَوْلَسات. وهذه الأجواء لا تقيم تعليما ولا تبشر بتعلم الطلبة. ما الذي جرى بعد أن كان المعلم يحظى بالمكانة الاجتماعية الرفيعة والراتب الأميز، وحلم كل طالب وطالبة، والعطاء والتعلم في أوجه وتميزه؟ فهل لنا أن ندرس تجربة الجيش العربي، وكيف أصبح الالتحاق بمرتباته حلم كل طالب وطالبة؟

    ثانيا : نظام الخدمة المدنية وديوانه؛ إن مضامين نظام الخدمة المدنية وخاصة ما يتصل منها بالتعيين والترقية والرواتب والتنقلات، وممارسات الديوان والإدارات التربوية المعنية بالموارد البشرية، دمّرت التعليم وهشّمت كيانه، وساوت بين جميع كوادر النظام، وقتلت التميز والتنافسية، وروح الإبداع ، حتى بات القول:  مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن!  وإن أردت التقدم الوظيفي والقفز الوظيفي السريع عليك بطريق الوساطة.

    ثالثا : مركزية النظام؛ لقد كانت الإدارة المركزية في الأعوام السابقة مناسبة، إلا أنها لم تَعُدْ كذلك منذ مطلع القرن الحالي الذي تم التحول فيه نظريا إلى التعليم النوعي القائم على التفكير. هذه المرحلة وفي ظل الإدارة المركزية يخطط فيها مركز الوزارة، ويبث ما يريد، لكن ذلك لا يدخل أسوار المدارس. وهنا، لا بد من الجزم أن هذه المرحلة تحتاج إلى قلب هرَم الإدارة، والسلطة والقوة وخطوط الاتصال في النظام، إضافة إلى وضع نظام جديد مناسب للتعيين والترقية والراتب والانتقال الوظيفي. وهذا ما سنوضحه في المقال القادم .

    رابعا: اختيار القيادات والوزراء؛ إن النهج الذي يتم عليه اختيار الوزراء والقيادات العليا بالوزارة لم يعد المناسب في هذه المرحلة من التعليم الذي يتجه فيه إلى النوعية والكيفية، القائمة على تطوير الشخصية المتكاملة المتشرّبة للقيم الإيجابية، والمتمكنة من مهارات التفكير العليا المفضية لإنتاج المعرفة وتوظيفها ونشرها. وهذا النهج المأمول المستنِد لهذه التوجّهات التربوية العالمية يحتاج إلى وزراء، وقيادات لديهم رؤية وقدُرات استشرافية، ومخزون متميز من الخبرات التربوية والتعليمية، طابَعُه التميز والعمل التعاوني، والانفتاح والمرونة والموثوقية. وإن كان لا بد من وزراء من خارج الصندوق، يفترض أن يكونوا قادة في السياسة، والقيادة، والتأثير الإيجابي.

    وفي ختام هذا المقال، لا بد من أن تكون هذه الأفكار التطويرية وتذليل التحديات المنوّه عنها أعلاه قاعدة للإجرات العملية القابلة للتطبيق التي ستكون مادة المقال القادم .(2)..