28 نوفمبر 2020

“إن الوضوح في التفكير، كالوضوح في العمل، أساس في قناعتي للحكم.. وإذا كنت شخصيا قد عانيت بعض الشيء، في كل المراحل التي تشرّفت فيها بحمل المسؤولية، فإنني قانع بأن سبب تلك المعاناة، هو إصراري على التمسك بالوضوح في كل شيء.. الوضوح في تفكيري وأفكاري.. الوضوح في عملي وخطواتي”.

                                                                                           ” وصفي التل “

وصفي التل كان أسطورة. ولد عظيماً ومات عظيماً، وفرق كبير بينه وبين من تسلم رئاسة الوزراء بعده، وفرق كبير بين موته وموت الآخرين الذين عاشوا في الحياد بعد أن تركوا المنصب ثم ماتوا في البرود ولم يعلم عنهم أحد وشيعهم القليل ممن يرتدون البدلات والنظارات السودات.

ذكرى إستشهاد وصفي التل أصبحت في كل عام، إحتفالاً كرنفالياً توقد فيه الشموع، وتُغلق الطرقات ويبكيه الرجال، وتُغني فيروز: “أردن أرض العزم أغنية الظبا … نبت السيوف وحد سيفك ما نبا”

وصفي التل: سأقول إسمك مجرداً بلا ألقاب ولا صفات. فالألقاب والصفات هي من تكبر بك وتتشرف بالإنتساب إليك. وصفي التل: السلام عليك يوم وُلِدتَّ، ويوم تموت، ويوم تبعث حياً بإذن الله راضياً مرضياً.

                                                                                   “نضال العضايلة”

وصفي فديتك سيفنا وشموخنا
                              والبدر في ظلم الليالي السود
يا واثق العزمات في ساح الوغى
                              والنار تضرم في الربى والبيد
ترمي وتدفع حادثات زماننا عنًا
                              ببأس في الطعان شديد
وتفلُُهـــــم وتعيد كوفيًاتنا
                             شمسا وقمحا للغد الموعود
وصفي فديتك يا فقيد عروبة
                             قتلتك ظلما لوثة الرعديـــد
وصفي فديتك يا فقيد عروبة
                             احييتها بنضــــالك الممدود
وحشدت للأقصى فهلًل فجره
                             تفديه من أسر ومن وتهويـــــد
وتردُ لليرموك دفق عزيمة
                            عربية من طـــــارف وتليد

                                                                     (صابر الهزايمة)

يــــــا سيد التلِّ يا وصفي بنا ألمُ
                                والأرض مقفرةٌ والقلب منهــــزمُ
يا ابن البلاد بلادي أصبحت عفـناً
                                بها الجراثيمُ والآفاتُ والسـقــــمُ
أتى علينا رجال ليس يحكمهـــم
                                 إلا هواهم ولا في عمقهم ذمــمُ
هم يسكنون القصور البيض عامرةً
                                في غرب عمان والأردن ينهدم

ويأكلون طعاماً لست أعـــــــــرفه
                              قومي وقومك من رؤياه قد حرموا
ويلبسون حرير الصين زاخـــــــرةٌ
                             به خزائنهم من حولهم خــــــــدمُ
هم سادةٌ وسواهم كالعبيد غدوا
                            ويظلمون كما شاءوا ونبتســـــــمُ
قد لقنونا المذلة من أصاغــــــرنا
                            حتى أكـــابـــرنا في سوقهم غنمُ

                                                                               (خالد الشرمان)

قد عاد من موته وصفي ليسألني       هل ما يزال على عهدي به وطني ؟
ولم يقل إذ رأى دمعي يغالبني           لا كفى وأعيدوني إلى كفني
فباطن الأرض للأحرار أكرم من            كل الذي فوق الأرض من عفنِ
هذا حمانا ونحن العاشقون له            وأنت في كل قلب غير مرتهن
يا خال عمار صار الناس مزرعة            للمارقين وباتوا هم بلا سكن

                                                                                 (حيدر محمود)

وصفي ستبقى مدى الأيام شاهدنا        فالأردنيون ما في قولهم زلل
إنا افتقدناك والأيام حالكة                      لِمَ الرحيل لماذا جاءك الأجل ؟
هذي دماؤك نور نستضئ به                  أخشى الظلام إذا ما عاد يرتجل
وصفي طريقك قد صارت لنا مثلا             من الوفاء أصيل ليس يُنتحل
جرح الشهادة تاجا كنت تحمله              لكنهم من جراح الذل قد حملوا

                                                                                    (محمود فضيل التل)

وطنا اليوم – كتب نضال العضايلة – يصادف في الثامن والعشرين من الشهر الجاري ذكرى استشهاد دولة الشهيد وصفي التل رئيس الوزراء الرمز ، والذي يشكل في ذهن الأردنيين ” أيقونة وطنية” ، حيث قضى نحبه بعملية اغتيالٍ جبانة بتاريخ 28 / 11 / 1971 ، فهذا التاريخ يستذكره الأردنيون كل عام بكل حزنٍ و ألم.

استقل وصفي سيارة السفير ومعه عبدالله صلاح والحياري ومرافقه العسكري الرائد فايز اللوزي، كان وصفي منشرح الصدر مرحا نشيطا، حركة السير كانت شديدة فأخذت المسافة 15 دقيقة، سيارة رجال الامن كانت وراء سيارة الرئيس .
وصلت السيارة كوبري الجلاء واجتازته ثم توقفت امام مدخل الفندق , كانت الساعه الثالثة والنصف، قال للحياري : لا تنزل معنا . عد الى منزلك وسنلتقي في الخامسة والنصف، نزل الرائد فايز اللوزي بسرعه وفتح الباب الخلفي للرئيس , نزل وصفي من السيارة وبيده علبة دخان فيلادلفيا، ثم نزل عبدالله صلاح ونزل الحياري ايضا , قال الحياري : سأتي على الخامسة والنصف , هل هذا مناسب ؟ قال وصفي، نعم، الخامسة والنصف، صعد وصفي الدرجة الاولى ثم الثانية، كان عبدالله صلاح الى جانبه  من الناحية اليسرى، تقدم الرائد اللوزي لكي يفتح باب الفندق، ولكن احد الخدم سبقه الى ذلك، رفع وصفي احد قدميه الى الدرجة الثالثة والاخيرة، ولكنه كبا، كان هنالك صوت عميق، للوهلة الاولى ظن عبدالله صلاح انه تعثر، ثم شاهد زجاج الباب يتساقط وبعدها سمع طلقات الرصاص.
الرائد اللوزي شاهد شخصاً من منتصف المدخل يطلق النار فوق رأسه عبر الباب الزجاجي، سحب مسدسه الباراشوت، واذا بشخص آخر من الجهه اليسرى يطلق النار ايضاً من جانب الدكة الداخلية، اطلق اللوزي النار فشاهد الشخص الثاني يقع على الارض، التفت نحو الرئيس فوجده ملقى على الارض، شخص ثالث اطلق النار ايضاً من وراء الدكة الى اليمين، افرغ اللوزي ما تبقى من رصاص مسدسه في اتجاه القتله، ثم ركع الى جانب وصفي، في تلك الاثناء كان السفير الحياري قد انحنى الى جانب وصفي في محاولة لاسعافه، لم يفه بكلمة ولم تنزل على الارض نقطة دم واحدة ، كانت على الجاكيت بقع دم من اصابته بذراعه، وكسرت الرصاصة قلمه الحبر.
كانت هنالك ضجة في صالة الفندق، وصل غازي عربيات وسأل اللوزي : ماذا حدث؟ قال بانفعال وهو يشير بيده الى الشخص الممدد : قتلوا الرئيس.
ركض عربيات باتجاه نقطة الدم وركض معه رجال الامن، وكان هنالك اشخاصاً يصرخون : امسكوا المجرم .
بعد فترة قصيرة وصل احد الاطباء، وبعد ان فحصه قال : آسف لقد انتهى
قتلوه، ثم قتلوه، ثم قتلوه لتنشد الاردنيات نشيد وصفي
رفن رفوف الحجل رفن ورا رفي
                                خيل أصايل لفت صف ورا صف
اقول يا صويحبي يكفي عتب يكفي
                                يا مهدبات الهدب غنن على وصفي
حوران و شمس الحصا يتلوحن
                                لونه يتوقد الجمر يومن تومض عيونه
رفعنا هاماتنا وهاظ الشبل منا
                                يومن دنت ساعته ما خيب الظنا
الموت لاجل الوطن ما يهمنا وحنا
                                من يومنا يا وطن نعاهد و نوفي
يا مغلين أرضنا ومرخصن دمك
                                السنديان استند على جبالنا يضمك
يا وصفي يا رمحنا الموت ما همك
                                قلت يا أرض ارتوي ويا نبع لا تجفي

يستذكر وصفي أولئك الذين عاصروه، ونحن ايضا، نحن الذين لم نكن قد ولدنا بعد عندما امتدت يد الغدر والخيانة واستطاعت تنفيذ ذلك العمل الجبان، نستذكره ونشتاق اليه نحن لم نعرفه الا من خلال مواطنته الصالحة وإخلاصه في العمل ونظافة يده، ونأمل ان ييسر الله تعالى لهذا الوطن رجالا بوصف وصفي، رحم الله وصفي، ورحم الله عراراً وعبدالله التل.

ايها الاردنيون، لا تربت اياديكم البيضاء، ولو لم يكن الا ان خرج هؤلاء الرجال من اصلاب رجالكم وأرحام نسائكم لكفاكم عطاءً للوطن.
الشهيد وصفي التل
هو من أهم القادة الذين أنجبنهم الأردن، إذ فرض حضوره وحبه واحترامه على الأردنيين واكتسب ثقتهم، نظراً لما تمتع به من صدق وصراحة وإخلاص في العمل من أجل الأردن وفلسطين، وقد شكلت شخصيته مزيجاً من العسكرية والمقاومة الشعبية والعمل السياسي، إضافة لحب الأرض والابتعاد عن الإقليمية والقطرية.
كان يؤمن بالعمل الجماعي وحذر من دخول الأردن في حرب عام 1967 دون استعداد عسكري كامل، كما نادى بالاعتماد على الذات وعدم الاعتماد على المساعدات الخارجية، شكل خمس وزارات، وعندما كان يتحمل المسؤولية لا يأتيها طمعاً بالكرسي، بل كان يأتيها حاملاً في جعبته قضايا ومخططات تتضمن : إصلاح الجهاز الإداري، إعداد المواطن الصالح، القضاء على الرشوة والمحسوبية، الإعداد لمعركة البناء ومعركة التحرير. وكل هذا كان مبنياً على فكر ودراسات وأرقام.
وعند اختياره لفريقه الوزاري كان يخضعه لشروط قاسية منها : الإيمان المطلق بالأرض وأهلها ونظامها، الكفاءة المطلقة والإصرار على بلوغ الهدف، والسيطرة التامة ضمن حدود الدستور والقانون على كل عمل وحركة حسب متطلبات الخطة الموضوعة.
من مقولاته الخالدة :
” إن المواطن الذي يعيش في أمن حقيقي، هو وحده الذي يعرف كيف يموت بشجاعة من أجل بلده. أما المواطن الذي يعيش في الخوف والرعب والفوضى، فهو لا يملك شيئاً يعطيه لا لبلده، ولا لأحد من الناس. ومن غير القانون لا يمكن لأي مجتمع في هذا العالم، أن يؤمن لمواطنيه أمناً حقيقياً “.
ما قبل الاغتيال

بعد أن خسر الاردن والضفة الغربية في حرب 1967، كثفت حركة فتح في إطار منظمة التحرير الفلسطينية هجماتها ضد اسرائيل من الأراضي الأردنية، مما جعل منطقة الكرامة الحدودية مقراً لها.

وفي 18 آذار / مارس 1968 انفجرت حافلة مدرسية إسرائيلية في بير عورا بالقرب من وادي عربة، مما أسفر عن مقتل شخصين بالغين وإصابة عشرة أطفال.[9] وفي 21 آذار / مارس دخلت وحدات من الجيش الاسرائيلي إلى الأردن وشنت هجوماً انتقامياً على منطقة الكرامة وتطور الهجوم بعدها إلى معركة واسعة النطاق استمرت يوماً كاملاً.

 وقد عانت منظمة التحرير الفلسطينية في المعركة حيث تم إصابة حوالي 200 فدائي وأسر 150 شخص منهم؛ كما قتل 40-84 جندياً أردنياً. وبلغت الخسائر الإسرائيلية حوالي 30 قتيلاً و69-161 جريحاً كما تركوا خلفهم عدة مركبات.

وقد مثلت تلك المعركة انتصاراً نفسياً على الجيش الإسرائيلي، الذي كان ينظر إليه على أنه “جيش لا يقهر” حتى ذلك الحين، ومنها ارتفع التجنيد في وحدات الفدائيين، فقد أعلنت حركة فتح أن 5,000 متطوع تقدموا بطلب للانضمام في غضون 48 ساعة من أحداث الكرامة.

 وبحلول أواخر آذار / مارس كان هناك ما يقرب من 20 ألف فدائي في الأردن من مختلف الدول العربية، وقدِمت العراق وسوريا برامج تدريبية لعدة آلاف من المقاتلين، وقد دفعت دول الخليج برئاسة الكويت أموالاً لهم من خلال ضريبة بنسبة 5٪ على رواتب عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين المقيمين، وجمع صندوق مالي في لبنان 500 ألف دولار من بيروت وحدها، كما بدأت المنظمات الفلسطينية في ضمان الدعم مدى الحياة لأسر جميع المقاتلين الذين قُتِلوا في العمل، وفي غضون عام واحد من معركة الكرامة كان لدى حركة فتح فروع في حوالي ثمانين دولة، وبعد المعركة أعلنت فتح السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية في مصر.

  • جمال عبد الناصر وسيطاً بين ياسر عرفات والملك حسين.

في أوائل تشرين الثاني / نوفمبر 1968 هاجم الجيش الاردني جماعة فدائية اسمها “النصر” بعد أن هاجمت الجماعة الشرطة الاردنية لم يَكُن جميع الفلسطينيين يؤيدون إجراءات تلك الجماعة لكن الرد الأردني كان يهدف إلى إرسال رسالة مفادها أنه ستكون هناك عواقب على تحدي سلطة الحكومة، وبعد وقوع الحادث مباشرة تم التوصل إلى اتفاق النقاط السبع بين الملك حسين والمنظمات الفلسطينية لضبط سلوك الفدائيين الغير قانوني ضد الحكومة الأردنية.

لم تتمكن منظمة التحرير الفلسطينية من الوفاء بالاتفاق، وأصبحت أكثر فأكثر تبدو كدولة داخل دولة في الأردن.، فحلّ ياسر عرفات محل احمد الشقيري رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط / فبراير 1969، الا ان الانضباط في مختلف الجماعات الفلسطينية فقيراً ولم يكن لدى منظمة التحرير الفلسطينية سلطة مركزية للسيطرة على الجماعات المختلفة.

وهكذا أصبحت المنظمة أقوى من الدولة نفسها، وهنا بدأ الخطر وبدأ التوتر في العلاقات بين منظمة التحرير والجيش الاردني، وبدأ الفدائيون الفلسطينيون من سوريا ولبنان يتلاقون في الأردن ومعظمهم في عمّان،  في المخيمات الفلسطينية، ومخيمات اللاجئين ففقدت الشرطة والجيش سلطتهم، وأصبحت مخيمات اللاجئين في الحسين والوحدات كما لو كانا “جمهوريتين مستقلتين” ولديها “استقلال ذاتي إداري” أنشأه الفدائيون بإنشاء حكومة محلية تحت سيطرة مقاتلين من منظمة التحرير الفلسطينية يلبسون الزي الرسمي، فوضعوا نقاط تفتيش هناك وكانوا يأخذون الأموال “الضرائب” من المدنيين محاولين ابتزازهم،] ومن هنا زادت حدة الأمور حيث وقعت هناك الكثير من الاشتباكات العنيفة بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية ما بين منتصف عام 1968 ونهاية عام 1969.

أصبحت أعمال العنف والقتل تتكرر بصورة مستمرة حتى باتت عمان تعرف في وسائل الإعلام العربية بهانوي العرب، زار الملك حسين الرئيس المصري عبدالناصر في شباط / فبراير عام 1970 وبعد عودته أصدر مجلس الوزراء الأردني في 10 شباط / فبراير 1970 قراراً باتخاذ إجراءات تكفل بقيام “مجتمع موحد ومنظم”، وكان مما جاء فيه أن ميدان النضال لا يكون مأموناً وسليماً إلا إذا حماه مجتمع موحد منظم يحكمه القانون ويسيره النظام.

حاول الملك حسين التخفيف من حدة التشنج لدى الجيش الأردني الذي قام عدة مرات بالهجوم على قواعد فصائل فلسطينية رداً على هجمات للمنظمات أوقعت قتلى في صفوف الجيش وذلك بتعيين وزراء مقربين إلى القيادات الفلسطينية إلا أن ذلك لم يفيد، وفي 11 شباط / فبراير وقعت مصادمات بين قوات الأمن الأردنية والمجموعات الفلسطينية في شوارع وسط البلد في عمان مما أدى إلى سقوط 300 قتيل معظمهم مدنيين.

 وفي محاولته لمنع خروج دوامة العنف عن السيطرة قام الملك بالإعلان قائلاً: “نحن كلنا فدائيون”، وأعفى وزير الداخلية من منصبه، إلا أن جهوده باءت بالفشل.

في حزيران / يونيو 1970 قبلت مصر والأردن اتفاقية روجرز والتي نادت بوقف لإطلاق النار في حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل وبالانسحاب الإسرائيلي من مناطق اُحتِلَّت عام 1967 وذلك بناءً على قرار مجلس الامن الدولي رقم 242.

رفضت كلاً من سوريا ومنظمة التحرير والعراق تلك الخطة، وقررت بعض المنظمات الراديكالية في منظمة التحرير الفلسطينية العمل على مواجهة نظام حكم الملك حسين، حيث اعلن جورج حبش زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: “إن تحرير فلسطين يبدأ من عمان وبقية العواصم الرجعية”، وشاركت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بقيادة نايف حواتمة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة احمد جبريل في تقويض نظام الملك حسين الموالي للغرب حسب تعريفهم.

في 6 أيلول / سبتمبر 1970 خطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثلاث طائرات أجنبية كانت قد أقلعت من فرانكفورت (المانيا) وزيورخ (سويسرا) وامستردام (هولندا) متجهة إلى نيويورك فحوّل الخاطفون اتجاه طائرتين منها إلى الاردن وأجبروهما على الهبوط في مهبط داوسون (قيعان خنا)، وهو مطار بعيد في منطقة الازرق الصحراوية شمال شرق الأردن، فيما حوّلت وجهة الطائرة الثالثة إلى القاهرة حيث عمد الخاطفون إلى تفجيرها، وبعد مرور ثلاثة أيام على الحادثة خُطِفت طائرة مدنية أخرى إلى المهبط ذاته، وطلب الفدائيون إطلاق سراح رفاق فلسطينيين لهم معتقلين في سجون اوروبية، وعندما رفض مطلبهم فجروا في 12 أيلول / سبتمبر وتحت أنظار وسائل الإعلام العالمية الطائرات الثلاث بعد إطلاق سراح ركابها، وبعد ذلك بيومين دعت منظمة التحرير إلى إقامة “سلطة وطنية” في الأردن.

 

  • وصفي التل والصدام العسكري مع المنظمات الفلسطينية

تقرر في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية في عمان بضرورة توجيه ضربة استئصالية ضخمة وبقوات متفوقة إلى كل المنظمات الفلسطينية داخل المدن الأردنية، وبدا أن الطريق وصل إلى نقطة اللاعودة، حيث وصلت الفوضى والتسيب التي سببها أعضاء المنظمات الفلسطينية إلى مستوى يفوق تحمل النظام السياسي في الأردن.

كان الملك يرغب بتوجيه ضربة عسكرية محدودة قد تحصر النشاط العسكري للفصائل داخل المخيمات وتعيد هيبة الدولة، بينما كانت المؤسسة العسكرية تنزع إلى توجيه الضربة الإستئصالية القاضية مستغلة التفوق العسكري لديها، وكان يقود هذا الرأي المشير حابس المجالي، ووصفي التل، وزيد الرفاعي، وزيد بن شاكر ومدير المخابرات الأردنية آنذاك نذير رشيد.

 

  • وصفي التل وحابس المجالي

وفي يوم التالي بدأ الجيش بتنفيذ خطة “جوهر”، وحدثت اشتباكات بين الجيش والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أن تم تشكيل حكومة وصفي التل، فأطلقت حركة وصفي التل هجوماً على قواعد الفدائيين على طول طريق عمان جرش في يناير / كانون الثاني 1971، وأخرجهم الجيش من اربد في مارس / آذار، وبدأت الدبابات الأردنية بالقصف المدفعي العنيف على مواقع المنظمات الفلسطينية، وبدأت المجنزرات والسكوتات باقتحام مخيم الوحدات، ومخيم البقعة ومخيم سوف في عمان ومخيم الزرقاء واجتاحت فرق المشاة لشوارع مدن عمان والزرقاء واربد لتنقيتها من المسلحين، حيث حدثت معارك ضارية فيها.

وكان لشدة المقاومة في مخيم الوحدات السبب في دفع القوات الأردنية إلى زيادة وتيرة القصف والضغط العسكري، الأمر الذي ضاعف الانتقادات العربية للأردن والتي قابلها الأردن بالتجاهل، وفي نيسان / أبريل أمر التل منظمة التحرير الفلسطينية بنقل جميع قواعدها من عمان إلى الغابات بين عجلون وجرش، قاوم الفدائيين في البداية لكنهم فاق عددهم وخرجوا يائسين بعد أن تم قصفهم بواسطة الطائرات، وفي يوليو / تموز حاصر الجيش آخر الفدائيين البالغ عددهم 2,000 شخص في منطقة عجلون – جرش، واستسلم الفدائيون أخيراً وسمح لهم بالمغادرة إلى سوريا، وفضل نحو 200 مقاتل عبور نهر الأردن للاستسلام للقوات الإسرائيلية وليس للأردنيين، وفي مؤتمر صحفي عقد في 17 تموز / يوليو، أعلن الحسين أن السيادة الأردنية قد أعيدت تماما، وأنه “لا توجد مشكلة الآن”.

وصل بعض الزعماء العرب يرأسهم جعفر النميري رئيس السودان والشيخ سعد العبدلله الصباح إلى عمان في محاولة إلى وقف القتال وإنقاذ منظمة التحرير، إلا أن أحداً لم يأبه بمحاولاتهم، وبدا أن الجيش الأردني بات يسيطر على الدولة، حيث ألقت قوات الجيش القبض على معظم رؤساء قيادة المنظمات، وفر ياسر عرفات متنكراً بزي امرأة مع وزير الدفاع الكويتي، وبالرغم من أن المخابرات الاردنية وصلت لها معلومات أن ياسر عرفات يحاول الفرار إلى خارج الأردن إلا أن القيادة السياسية في الاردن طلبت تركه وشأنه، ثم سيطرت القوات الأردنية على الأرض واستسلم أكثر من 7,000 من المسلحين الفلسطينيين وقتل الآلاف من المسلحين الفلسطينيين، وبعد مؤتمر القاهرة الذي  عقد في ايلول والذي من خلاله خرجت المنظمات الفدائية من المدن الأردنية كاملة لتتجمع في مناطق أحراش جرش وأحراش عجلون مقابل عدم اعتراض الجيش لأي منهم،] حيث عقد مؤتمرالقاهرة برئاسة الرئيس المصري جمال عبدالناصر والذي اتفق فيه على خروج كل الفصائل الفلسطينية من المدن الأردنية والتوجه إلى الاحراش والغابات الشمالية وتسليم السلاح داخل المدن للجيش الأردني وخروج القيادات إلى خارج الأردن، وانتهت مشاورات المؤتمر إلى مصالحة كل من ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والملك حسين.

وما هي إلا شهور قلائل بعد أن اعتقد الجميع نهاية الحرب إلا أنه سرعان ما دب الصراع مجدداً بعد أن ضاق سكان القرى ذرعاً في مناطق جرش وعجلون من تجاوزات الفدائيين هناك، وبتخطيط من وصفي التل اجتاحت قوات الجيش الأردني وسلاح الجو بالطائرات والدبابات أرياف الشمال وقضت على آخر معاقل منظمة التحرير وبقية المنظمات وعُرِفَت العملية باسم هجوم عجلون (معركة الأحراش)، وقُتِل في العملية عدد كبير من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية منهم ابو علي اياد، ويذكر أن أبو علي إياد قد أمر الفدائيون بقتل وصفي التل قبل وفاته، وقد ورد ذلك في كتابه فلسطيني بلا هوية، لكن في نهاية المطاف قتله وصفي في أحراش عجلون، مما أثار غضب الفدائيين.

من هو الشهيد وصفي التل 

ولد في 1919 م في كردستان، أبوه شاعر الأردن مصطفى وهبي التل المقب بعرار وأمه منيفة ابراهيم بابان، أنهى أبوه دراسته في مدرسة عنبر في دمشق والتحق بقطاع التعليم في العراق، وهناك تعرف بأمه، بعد ولادة وصفي التل عاد أبوه إلى الأردن ليدرس في مدارسه، قضى وصفي بعض طفولته في شمال العراق ليعود إلى مدينة والده اربد بعد بلوغه السادسة من العمر، ويبقى متنقلا مع والده في ترحاله وتدريسه وتقلده مناصب حقوقية في إربد والكرك الشوبك ومعان.

ينتمي وصفي التل الى عائلة التل التي تعود بجذورها الى عشيرة الزيادنة(بني زيدان) وهم من الاشراف قدموا من الحجاز وجدهم الامير ظاهر العمرو الزيداني الذي حكم عكا وحوران وشمال الاردن من عام 1730 وحتى عام 1775 ولكن الحكومة العثمانية قاتلتهم وامرت الجزار بإبادت الزيادنة من بلاد الشام خوفا من امتداد الامارة الزيادنة و مطالبهم قي الاستقلال , فتفرقوا في البلاد وأخذوا يغيرون اسماءهم تخفيا من الجزار وجيشه الذي ارتكب ابشع المجازر في قتل الزيادنة واعوانهم وهم اليوم.

أنهى وصفي دراسته الثانوية من مدرسة الثانوية في العام 1937م ليلتحق بكلية العلوم الطبيعية في جامعة بيروت العربية مع رفيقيه خليل السالم وحمد الفرحان، وتأثر في أفكاره السياسية بحركة القوميين العرب التي كانت على خلاف مع حركة القوميين السوريين.

عند عودته إلى الأردن

  • التحق وصفي بالعمل الحكومي ودرس في عدد من مدارس الكرك وغيرها،
  • انضم إلى الجيش البريطاني ثم سرح من الخدمة
  • التحق بجيش الجهاد المقدس بقيادة فوزي القاوقجي، وحارب في حرب فلسطين في 1948م.
  • استقر بعدها في القدس ليعمل في المركز العربي الذي كان يديره موسى العلمي.
  • التحق بوظيفة مأمور ضرائب في مأمورية ضريبة الدخل وموظفا في مديرية التوجيه الوطني التي كانت مسؤولة عن الإعلام آنذاك مطلع الخمسينات.
  • تزوج سعدية الجابري ذات الأصول الحلبية وتوفيت السيدة سعدية عام 1995 وكانت قد اوصت بتحويل بيته إلى متحف وهذا ما حدث بالفعل، ولم ينجب وصفي اطفالا، فاشرفت وزارة الثقافة على البيت الذي صارا متحفا.
  • في عام 1955م أصبح مديرا للتوجيه الوطني
  • عمل سفيرا للأردن في بون، حتى العام 1961م
  • شكل حكومته الأولى في 28 كانون الثاني 1962 قدمت الوزارة استقالتها بتاريخ 2 كانون الأول 1962م
  • شكل حكومته الثانية 1965
  • شكل حكومته الثالثة 1970
  • تقلد مناصب أخرى حتى اغتياله في العام 1971م على أيدي من أدعوا أنهم أعضاء في منظمة ايلول الاسود.

قرار اغتيال وصفي التل 

28 نوفمبر 1971 هو التاريخ الذي حددته قيادة أيلول الأسود لإعدام رئيس وزراء الأردن وصفى التل بسب الجرائم والمؤامرات التي حاكها ضد الثورة الفلسطينية أثناء مشاركته في اجتماع مجلس دفاع الجامعة العربية بالقاهرة.

 المنفذين هم:
عزت أحمد رباح، منذر خليفة، زياد الحلو، جواد البغدادي.

تقدم عزت رباح من وصفى التل وهو يتجول في ردهة فندق شيراتون القاهرة وافرغ رصاصات مسدسه في جسد التل وسط ذهول حراسه والوزراء العرب الذين سارعوا بالاختباء ، حيث نجحت أيلول في الرسالة التي أوصلتها للعرب جميعا بأن اليد التي ستمتد على الشعب الفلسطيني سيتم قطعها إن آجلا أو عاجلا !! وعلى الفور اعتقل الأمن المصري الشباب المنفذين وشرع في التحقيقات فورا، في الوقت التي أعلنت أيلول الأسود عن مسؤوليتها عن العملية، حيث توجهت أنظار الأمن المصري إلى أبو يوسف النجار وهو الأمر الذي نفاه التحقيق حيث أعلنت صحف القاهرة وعلى رأس الصفحة الأول أن ( المتهم الأول والعقل المدبر للعملية وقائد المجموعة هو المتهم الفار فخري العمري ).

لماذا نحبه؟

وعلى الرغم من مرور 48 عاماً على استشهادهِ، إلا أن نسبة كبيرة جداً من الأجيال ما تزال تتغنى بشخصيتة الفذة، ومواقفة الاجتماعية والسياسية، ومما تناقلوه من أحاديث عن آبائهم، إذ تبحث الأجيال دائماً عن شخصية قوية لتكون نموذجاً لها في الحياة، قدوة “مجبولة من طين هذا البلد”، وهو ما بدا جلياً في هذه الأيام التي تسبق ذكرى وفاته من خلال نشر صوره وأقواله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي أتاحت لهم التعرف على شخصيته أكثر من خلال تبادل المعلومات التاريخية ممن عاصره.

في بيته الذي يحمل الكثير من التفاصيل الثابتة وبُني على ثلاثة مراحل، التي حرصت زوجته سعدية رحمها الله على أن يبقى كما تركه في آخر أيامه، يستطيع الزائر أن يرى مدى بساطة البيت والطريقة التي تم بنائها فيه، والمقتنيات التي تعبر عن شخصية التل، من خلال كتبه الثقافية والروائية التي كان يحرص على قرائتها، واقواله المأثورة ومواقفه التي يسجلها التاريخ.
هذا البيت تحوّل إلى متحف بعد وفاة زوجته سعدية التل في العام 1998، بناءً على وصيتها، إذ أرادت أن يتحول البيت إلى مزار، ليبقى أثيرُه منتشراً بين الأجيال، ومنذ ذلك الوقت أُطلق اسم “متحف الشهيد وصفي وسعدية التل” على المنزل.
في البداية تحت إشراف وزارة الثقافة، وفي العام 2012 تحولت مسؤوليته إلى أمانة عمان الكبرى، وتم عمل بعض الصيانة على المحيط فقط، وبقي البيت كما هو دون تغيير في أي جزء من تفاصيله، حتى ثيابه العسكرية المعلقة، وأواني المياه الصغيرة التي كان يضع فيها التل الماء والقمح للعصافير على شباك مكتبه.

أن حالة التعلق به ترتبط بالوطن وبالمنهج الذي كان يسير عليه، وليس باسم وصفي فقط، فهو شخصية تتمتع بالقرب من الناس “واقعي قريب من مشاكلهم وهمومهم انطلق من مشاريع وطنية قابلة للتطبيق على ارض الواقع، كالزراعة واستثمار الموارد البشرية، فكان يعشق الوطن وترابه ليكون الشخصية النموذج وليس كرئيس وزراء آنذاك فقط”، لذا كان وما يزال حبه متجذرا في قلوب الأردنيين.

الكثير من الصفات في التل، كما يصفها خزاعي صنعت منه صورة “القدوة”، الذي خرج من رحم المجتمع البسيط “الفلاح”، لم يعش حياة البذخ، مكتبه وبيته مفتوح لكل شخص يرغب برؤيتة، حياته تمثل كفاف العيش يسعى لأردن متكامل في اقتصاده وزراعته يعول على البسطاء.

شاب في بداية العقد الثالث من عمره، يضع صورة مطبوعة على زجاج سيارته لشخصية التل، فهو لم يعش يوماً في ذلك التاريخ، ولكنه لا بد وأن سمع عن شخصيتة، في أحاديث متوارثة من الآباء والأجداد، فيما شاب جامعي آخر يرى أن كثرة الحديث واستذكار مناسبة استشهاده في كل عام، دفعته للبحث في ثنايا التاريخ عن اسم وصفي التل والتعرف عليه وتعامله البسيط المتواضع مع ابناء شعبه، وشخصيتة القوية البطولية في ميادين السياسة والحرب، عدا عن اقواله التي أصبح الشباب والفتيات يقتبسونها عبر صفحات مواقع التواصل، ليرسم نموذجاً عربياً ذي “أقوال مأثورة”.

الشاعر الراحل ايضاً حبيب الزيودي تغنى بشخصية وصفي وارسل له دعوات السلام من محبيه وخاطبه شعرياً بقوله:

سلام على وصفي ومنه أزفه               إلى شجر الأردن إذ مات واقفا

سلام على شيحان فوق جبينه         وفي قلبه حوران والقمح هفهفا”

ويرثي الراحل الحبيب حبيب وصفي ويقول:

يا صويحبي يكفي عتب يكفي            يا مهدبات الهدب غنن على وصفي.

 

قالوا عنه :

استاذ العلوم السياسية وناشر وطنا اليوم الدكتور قاسم العمرو: وصفي التل، سنديانة عتيقة، وزيتونة لا شرقية ولا غربية تكاد وطنيتها تضيء في كل مكان، وشجرة حور باسقة الهامة تعلو على الصغائر وتسكن الضمائر، ودالية تمتد فروعها لتحتضن الوطن بأكمله وتلقي بظلالها وفيئها على الجميع،وصفي وليس كل الرجال وصفي، ووصفي كل الرجال
وللتاريخ في ذكر الرجال تأريخ، ولوصفي من التأريخ وافر النصيب.

الخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة: أن القدوة والنموذج هما الوسيلة الأهم في عملية التربية على الصعيد الفردي والجماعي، وتتعلق الأمم والشعوب بنماذج تاريخية شكلت حالات استثنائية في تاريخها وتركت أثراً طيباً من خلال نهجها وطريقة إدارتها، وعادة ما تتحول هذه النماذج إلى نموذج قيمي يحتذى به حتى وأن لم يعايشه الجيل الحالي، ومنهم الراحل وصفي التل الذي شكل حالة ونموذجا شعبويا محليا وعربيا.

هذا التغني، جاء نتيجة حبه لمشروعه القريب من الناس وبساطته، ويذكر ممن عايشوه الكثير من القصص، كما في قصة طلب تقسيط مبلغ ستة دنانير على ثلاثة اشهر آنذاك، وهي تكلفة تركيب ثلاثة اعمدة هاتف لمنزله في الكمالية، كان يساعد في حراثة ارض منزله وزراعتها، وهو الذي وضع جل اهتمامه، الاهتمام بالزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء.

الدكتور حسين الخزاعي:  “كرس التل الهم الوطني لم يفرق بين أردني وأردني إلا بالعمل صاحب مشروع نهضوي حقيقي، ووحد الناس على حب الأردن والقضايا القومية، كان منفتح لكل التوجهات وليس متزمتاً”، لذا بي ايقونة وطنية تحاكي حلم البسطاء.

الشاعر حيدر محمود: إن وصفي استطاع خلال خدمته في مراحل مفصلية من تاريخ الدولة الأردنية، المحافظة على استقرار وامن البلد امام ما كان يحاك ضده من مؤامرات وفتن، مؤكدا ان وصفي كان يتمتع بصفات رجل الدولة القوي، صاحب الانتماء للقيادة الهاشمية.

الدكتور رحيل الغرايبه: ان وصفي كان رجل دولة بكل ما في الكلمة من معنى، ولم يكن قطريا وإنما وطني وقومي وحدوي، اهتم بالهوية الوطنية والدفاع عن القضية الفلسطينية، والتصدي للمشروع الصهيوني استعدادا لمعركة المصير وتحرير فلسطين انطلاقا من فكره الاستراتيجي العسكري وثقافته ومعارفه العسكرية الواسعة.

المعارض الأردني  ليث شبيلات: التل كان صاحب مشروع وطني أردني ولا أحد من رؤساء الوزراء السابقين ينافس الشهيد في إخلاصه للعرش، ولكن إخلاصه كان مستقلا بمشروع لا يتلون.

النائب صالح العرموطي: الشهيد وصفي التل رجل شجاع صاحب موقف وقرار، لم يجامل على حساب قضايا الأمة، لم يفكر بتكوين الثروة والمال والقصور.

الصحفي والنائب السابق نبيل غيشان: يكبر حبنا للشهيد وصفي التل كل لحظة, الاردنيون اليوم اكثر وعيا بمشروع وصفي التل السياسي المقاوم ومشروع البناء الوطني, لماذا احببناه? ماذا ميزه عن غيره?
كان وصفي التل رجلا قريبا من القلب وصاحب رؤية وبرنامج , احبه الاردنيون لانه يشبههم , ولم يتكبر عليهم او يبتعد عنهم , كان نموذجا للقائد الذي يمتلك صفات شجاعة القلب ونظافة اليد, فقاد الكتائب العسكرية في مواجهة العصابات الصهيونية وحارب على الجبهة الداخلية ضد الفساد والمفسدين, وقاد حملات الاعمار والزراعة بيديه , مقدما نموذجا فريدا للقائد الذي يعيش هموم شعبه, لا بل يعيش واقع شعبه ويقدم لمرؤوسيه مثالا يحتذى به.
رئيس جامعة اليرموك الدكتور زيدان كفافي: إن الشهيد رجل لا يغيب عن ذاكرة الأردنيين ويعيش في وجدانهم وقلوبهم رغم مرور 47 عاما على استشهاده، لافتا إلى أن وصفي يعد رمزا عربيا وفارسا أردنيا، وصاحب مشروع نهضوي تقدمي في زمن صعب كان يؤمن بدولة الانتاج، وكرس كل أدوات ومؤسسات الدولة في خدمة الانسان الأردني وبناء الأردن.
واشار الى أن انجازاته ومشاريعه التي قدمها ما زالت تتحدث عن هويته وبصمته، وتعكس في روحها نظرة رجل دولة فرض حضوره في المشهد الوطني بكل مهابة وإجلال، مستذكرا مواقف الشهيد البطل المدافعة عن الحق العربي في فلسطين واستقامته، ونزاهته، وبسالته، وجسارته، وأمانته.
وزير الإعلام الأسبق سمير مطاوع: الى أن الأردنيين لا يتذكرون وصفي لأنه اردني الهوى قومي الانتماء عربي أصيل فحسب، بل لأنه وضع أسس نهضة وطنية أردنية فأصبح رمزا من رموز بناء الدولة الأردنية.
واستذكر مطاوع لبعض المواقف التي تجسد شخصية وصفي القيادية والإنسانية، ودوره في تأسيس الإعلام الأردني الحديث، وإحياء الموسيقى والتراث الفني الأردني، مشددا على أن وصفي كان مفكرا قوميا وسياسيا من طراز رفيع.
ماذا قال نذير رشيد وبماذا ردت عليه عائلة التل والوصفيون الجدد
خرج مدير المخابرات الاردنية ابان اغتيال الشهيد وصفي التل نذير رشيد بتصريحات في بدايات العام الحالي، هذه التصريحات التي زكمت الانوف، لك يكن متوقعاً انتخرج عن رجل عايش وعاصر الشهيد الراحل، ولم يعرف ما هو القصد منها.
يقول رشيد في مذكراته التي نشرت مع بدايات العام 2020، بأن الشهيد وصفي التل كان يمتلك ”أجندة خاصة“ مخالفة للنظام ومناهضة للعمل الفدائي الفلسطيني.
هذه التصريحات اثارت الراي العام الاردني، فاصدرت عشيرة التل بياناً فندت به ما ذهب اليه رشيد، وقال البيان :

أن ما ورد على لسان رشيد من أن القضاء على المقاومة الفلسطينية وإخراجها من المدن تم تنفيذه دون علم وصفي التل، هو تبرئة له من التهمة التي طالما وُجّهت له بأنه هو الذي قضى عليهم.

وأكدت عشيرته في البيان، بأن ما قدمه وصفي التل أثناء رئاسته للحكومة من تضحيات تجاه الأردن وتجاه القضية الفلسطينية والعرب، كان هو السبب في اغتياله.

 

وفيما يلي نص بيان عشيرة التل :

رحم الله الشهيد وصفي التل، الى معالي السيد نذير رشيد، ان ما قلته في حق دولة الشهيد وصفي التل نحن نتفق معك به ١٠٠% ونشكرك بانك خرجت لنا بعد ما بقارب النصف قرن على استشهاد وصفي ولكن هنا لابد لنا ان نوضح بعض الامور التي وردت على لسانك وهي كتالي :- اولا وصفي التل كان له رؤيا بتنظيم العمل الفدائي ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وكان قد عمل جاهدا على هذا المشروع وقد اطلق على عمان اسم هانوي العرب ومعناها ان عمان كانت معقل الاحرار العرب لمقاومة الاحتلال . ثانيا وصفي التل كما جاء على لسانكم انه كان يخفي قرارته عنكم لانه على يقين انكم كنتم ضد مشروعه واي جه او شخص كان ضد هذا المشروع يعتبر ضد القضيه الفلسطينية . ثالثا ان تصرفكم دون علم الشهيد وصفي التل بالقضاء على المقاومه الفلسطينة التي تم التوصل معها لحل يرضي الطرفين وهو خروجها من المدن وبناء معسكرات تدريبيه لها في احراش عجلون وجرش لقيام بعمليات ضد الكيان الصهيوني ما هي الا براءة من الله وروسوله لدولة الشهيد من دماء إخوتنا الفلسطينين رحمهم الله . رابعا ان تصريحكم ومفاده ان الشهيد كان ينتظر الفرصه لتنفيذ مخطط يرسم له كلام عار عن الصحه والجميع يعلم بقصة قيادات الجيش التي زارت دولة الشهيد في منزله وطلبت منه بالانقلاب على النظام ولكنه رفض ذلك وطلب من الحرس باعتقال كل الموجودين ولا احد ينكر بحب وتعلق الشهيد بالنظام الهاشمي . خامسا بما انكم قمتم باخفاء قيامكم بضرب معاقل المقاومة الفلسطينية عن وصفي التل هذا دليل على انكم كنتم تعلمون موقفه وهو الرفض بتنفيذ هذه العمليه . واخيرا التاريخ كتب ويكتب وسيكتب مواقف هذا الرجل الشجاع وما قدمه من تضخية اتجاه الاردن واتجاه القضية الفلسطينيه واتجاه العرب جميعا وهذا كان السبب في اغتياله وهو قدر العظماء . وكما قال الله تعالى في كتابه الكريم وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) صدق الله العظيم

كذلك اصدر الوصفيون الجدد بياناً هذا نصه :

بيان صادر عن (الوصفيون الجدد)

بسم الله الرحمن الرحيم (يا أيها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) صدق الله العظيم. خمسة عقود مرت على رحيل الرمز الخالد، خمسة عقود مرت, وما نسي الأردنيون حرا كان صوتهم ونبضهم وأملهم, وكذلك لم يفعل احرار العرب ومناضلوهم, الذين رأوا بالشهيد وصفي مصطفى وهبي التل, القائد العربي المناضل المنافح عن حقوق الأمة من محيطها الى خليجها, وخاصة فلسطين المحتلة وشعبها المنكوب.

وحيث استشهد وصفي كما عاش, واقفا مقبلا لا مدبرا، واضحا براقا كحد السيف، لا يجامل على حق، ولا يغازل باطلا من اجل مصلحة, نقيا كما مطر الوطن، ولأنه حمل فكره وخطته للتحرر والتحرير الحقيقي، الذي لم يتفق مع التجارة بالأوطان وحروب الشعارات العربية الرنانة التي تعمل على تلميع الشخوص وليس تحرير الأمة والمغتصبات، والتي كانت هي جلّ بضاعة الساسة التجار والقادة الذين امتهنوا التدليس على الأمة مع أبواق اعلامهم التي جوعت سمك البحر دون ان تحمي البر، كان لا بد لهذا الصادق ان يفسح الساحة لاستمرار الكذب والكذابين، وكان لا بد لهذا القمر من الأفول, لتبقى العتمة على قدر ايدي حرامية الشهرة والنرجسيين من باعة الكلام وممتهني تخدير الشعوب.

وكان الثامن والعشرون من تشرين ثاني عام الف وتسعمائة وواحد وسبعين, وكانت جريمة قنص الأسد في ظهره, رغم اقدام وانكشاف صدره وعزيمته, وكانت رصاصة الغدر التي تبعتها رصاصات التمويه والتعمية, ليرتقي الشهيد الى ربه نقيا طاهرا مقداما، غيلة في ارض الكنانة وضيافة الشقيق الأكبر.

ومنذ خمسة عقود مرت، خرج الكثيرون للحديث عن معركة الشيراتون غير المتكافئة، وأدلى الكثيرون بدلائهم بنوايا وأساليب مختلفة تبتعد وتقترب عن الحق والحقيقة والواقع والصحيح، ومن ضمن هؤلاء كان مدير المخابرات ووزير الداخلية الأردني السابق اللواء نذير رشيد، الذي تحدث مرارا وتكرارا مؤكدا انه كان على علم وثيق، بحكم منصبه ومهمته الوظيفية، بوجود محاولة لاغتيال دولة الرئيس وصفي التل في القاهرة، وأكد على انه قد نصح بعدم سفر دولته، مثلما أكد على رفض الشهيد وصفي التل لفكرة النكوص عن مهمة وطنية ذات شأن دقيق ومهم، درءا لخطر عن حياته الشخصية.

وليس غريبا ان يكون الرجال الرجال محط جدل واختلاف، ولكن الغريب ان يخرج نفس النذير، احد موظفي حكومة دولة الشهيد آنذاك، الى الاعلام, ليتكلم بصوت اخر ونسق مختلف لا يتواءم مع ما سلف له من احاديث موثقة، ليلمح حينا ويصرح حينا اخر، بأن صاحب الولاية العامة دولة الشهيد وصفي التل، لم يكن صاحب ولاية، ولم يكن على معرفة بما يدور في الوطن، بل وأن ما يجري من احداث جسام لم تكن بعلمه ولا بإدارة حكومته، وحتى يذهب نذير الى التلميح بأن وصفي التل كان يملك برنامجا خاصا ليس لنا به علاقة، وكان ينتظر فرصة لم تُتح له.

نذير رشيد، تخطى حدود المنطق والمعقول، وتعدى على وعي أصحاب الإدراك، اذ رمى بحديثه الأخير، الشهيد الذي كان يكتب له التقارير الأمنية ويتلقى اوامره التنفيذية، بما لا يمكن ان يحاكي شخصية الشهيد ولا يليق بوطنيته وشخصيته المناضلة السيدة المستقلة، الواعية لأخطار الصهيونية على فلسطين والوطن العربي الكبير.

لقد اكد نذير رشيد في سياق روايته، ان وصفي كان يسعى لجعل الأردن ارض الحشد والرباط من اجل فلسطين، ويتباكى النذير مستنكرا: ونحن لا نملك الامكانيات والمقدرة، وإن لم تكن هذه وسام شرف وفخار يزين صدر وتاريخ وصفي التل، فلا يمكن ان يكون سهم رشيد الا قد طاش وهوى في جعبة من دفعوه للحديث المنفر عن وصفي التل، وبهذا الوقت بالذات الذي تواجه به فلسطين اخر هجمات صهيونية لتصفية القضية وسلب ما تبقى من عروبة فلسطين وارضها المقدسة، كما هي الهجمة على الأردن، الدولة والوطن, لتحميلها وزر وعبء العدوان الصهيوني ومن يدعمه. اما التلميح غير المؤهل لأطماع وصفوية لم يصرح بكنهها نذير رشيد، والتي تفوح منها رائحة الاتهام بأطماع شخصية بالحكم, فهذا ما لا يقبله حتى الادراك الآدمي او يستسيغه صاحب بصيرة، والجميع يعرف مواقف وصفي التل ودعمه اللامحدود للنظام الهاشمي، الذي يفسر ثقة الملك الراحل الحسين، رحمه الله، به وتكليفه بتحمل المسؤولية التنفيذية لخمس مرّات, وفي اصعب الأوقات وأدق الظروف وأخطرها، التي مرّ بها الاردن كيانا ودولة ونظاما.

ونحن نحدس فقط، دوافع هذا التسعيني الذي خبِر سماحة وتسامح الأردنيين ليتسنم اعلى المناصب الأمنية في هذا الوطن، بعد ان كان طريدا مطلوبا لأمن الدولة والقضاء الاردني، بأخطر التهم وأكثرها بعدا عن الوطنية والولاء والانتماء لدولة ونظام، فإنه لا يمكن لعاقل او موضوعي ان يأخذ من حديث نذير رشيد بهذا التوقيت بالذات، ما يدعم مصداقية شاهد على التاريخ او مواكبا للأحداث والحقبة، ولنبحث في عمر الراوي عن عذر يرحم ذاكرته وسنينه، وما علق بهما او غاب عنهما، ولكننا سنبحث في نفس الوقت عمن دفع نذير للحديث في هذا الآن وبهذا النسق غير الصديق للشهيد التل، العسل المسموم الذي حاول نثره الباشا نذير, بعد ان شهد بنقاء ونظافة وإخلاص وصفي التل, لن يخدع احدا, ولن يقدر على تزوير التاريخ ولا بالإطاحة بالنياشين والأوسمة الوصفوية التي لا تعد ولا تحصى، وأجلها ثقة الأردنيين وحبهم وتقديرهم واستذكارهم لأبي مصطفى، بعد كل هذه العقود، ولن تجدي محاولات اغتيال الشهيد المتكررة من بعض الحاقدين وأعداء الوطن والطهارة.

ومن المدهش ان تاتي تصريحات نذير بعد مرور خمسة عقود على رحيل اكثر النجمات لمعانا في سماء الشرق العربي وزينة اقمار الاردن وبعدما ادرك الصغار قبل الكبار الحاجة الى احياء قيم وافكار ونهج الشهيد في ادارة البلاد واستنهاض الهمم وحشد الطاقات وتمتين الجبهة الوطنية لتتمكن البلاد من ادارة نفسها وبلورة هويتها والحفاظ على مصالحها على غير طريقة الترتيبات التي يدعو لها البعض لم يكن وصفي يعرف غير الاردن بلدا، فقد تغنى عرار بكل اوديتها وقلاعها ولم يكن له غير العروبة مذهبا ولم يكن يوما مرتزقا ولا خائنا او مدعيا، فانجازاته في الطفيلة ومعان والكرك والمفرق والاغوار والبادية، وكل زاوية من زوايا الوطن، تتحدث عنه وتشهد له، وتخلد ذكره وفكره.

(من أشدّ الجوانب فجيعة في المأساة الفلسطينية، طغيان المغالطات وألوان الافتراء والتجنّي على التاريخ)، الشهيد وصفي التل ومن نافلة القول ان نكرر التأكيد على ان يعجز بعض اللغو من إطفاء جذوة تمور في ضمائر الأردنيين وتتأجج في وجدانهم، اسمها شيخ شهداء الوطن, وصفي التل، رحمه الله، لن نسمح باغتيال الشهيد مجددا، وكلما طرأ على بال احد او مصلحته، الهرف وبث السم.