فتح أرشيف المدرسة…!!

8 فبراير 2022
فتح أرشيف المدرسة…!!

الدكتورة خالدة مصاروة

لم أشعر خلال سنين دراستي في مراحلها المختلفة وبخاصة المرحلة الابتدائية أن التعليم كان سهلًا ومرتكزًا على الحفاظ على كرامة الطالب، وذلك من خلال التعامل مع الطالب كشخص قادر على التمييز بين الخطأ والصواب، ولم تستطِع المدرسة أن تعلّمني أن لي حرية و لهذه الحرية حدود وعليّ أن أحترم مساحات الخصوصية التي يتمتع بها الآخرين .
عشتُ مرحلة رعب دائم، و إرهاب مستمر، حيث لم أسمع إلا لغة التهديد والوعيد لإجباري على حفظ الآيات والأناشيد والمعلقات التي لا أذكر منها شيئًا، هذا الأسلوب الضاغط ساهم في خسارة طلاب كان من الممكن أن يكونوا مشاريع علمية وطنية ناجحة صاعدة في بناء وتطوير حضارة البلاد .
لم تكن المدرسة مكانًا جاذبًا حيث لا ألوان تزين الصفوف، ولا ألعاب في الساحات، ولا دورات مياه نظيفة، ولا وسائل تدفئة، أذكر الأيدي المنتفخة الحمراء التي لا تستطيع إمساك القلم ومع ذلك تجبر على إمساكه لساعات طويلة، هذا إلى جانب أقدامنا التي لم نكن نشعر بوجودها، أما اليوم الدراسي الطويل المليء بالخوف وعدم الاطمئنان فله قصة خاصة، دائمًا نكون خائفين من المساءلة، المساءلة على أي شيء (مَن كان على الباب، مَن أصدر صوتًا، مَن لم يحفظ المطلوب، مَن لم يقم بواجبه، ومَن لم يقم بحل الأسئلة)، وغيرها من المساءلات التي كنا نخافها حدّ الرعب، وأكثر شيء مرعب مَن لم يقُم بنسخ الدرس أو العقوبة.
يا ليتكم تعلمون كم أعدنا كتابة بعض الجمل، مئات المرات، إما عقوبة أو لتحسين الخط، نعم تحسين الخط، لقد هدرنا وقت حصص كثيرة في عملية النسخ بغاية تحسين الخط، أما حل التمارين والواجبات فهو قضية أخرى يتقدم المعلم/ة وفي يده القلم الأحمر ذلك القلم الممقوت عابس الوجه رافع رأسه والشرار يتطاير من عينيه، ينظر لنا نظرات الوعيد والتهديد، وبصوت عالٍ رتيب يقول وهو يفتش على الواجبات (عظيم، ممتاز أنت، أما أنت ماذا ننتظر منك؟ هكذا أنت، دائم التقصير، كسول، وأنت غير مرتب وغير نظيف) وتتوالى ملاحظاته وتعليقاته دون إدراك منه لمدى تأثير هذه الكلمات فينا. وتتوالى صور الطلبة يتلون مرعوبين وكأنهم ثلة من الجنود والضابط يفتش الطابور.
في اليوم الدراسي، وفي الحصص لا نسمع إلا بأنه علينا أن ننهي المقرر في الوقت الفلاني، نقضي يومًا طويلًا في الحفظ وحل الواجبات، نفتح كتابًا ونغلقه لنفتح آخر، لقد كنا نكره الكتب؛ لذلك لم نتعلم المطالعة، كنا ننتظر نهاية العام حتى نقوم بتمزيق الكتب وتحويلها لقطع صغيرة ثم نلقيها في ساحة المدرسة أو الشوارع المحيطة بها، ولذلك صرنا نكره الكتابة.
نعود إلى البيت الذي سيطول حديثي عنه لاحقًا، كنا نتناول طعامنا على عجل لنجبر على أن ندخل لاستكمال واجباتنا واتمامها لليوم التالي، والطامة الكبرى إذا كان بين الواجبات كتابة موضوع إنشاء، ننام ونحن نشعر بالقلق ونحسب أخماس في أسداس، كيف سيقيّم المعلم موضوع الإنشاء الذي كتبناه بعد معركة طويلة في البيت والأم تصرخ ستكتب يعني ستكتب، وستحصل أيضًا على علامة ممتاز، وأنا أتساءل كيف ذلك؟ ومن أين آتي بالأفكار؟ وكيف أكتب؟ طبعًا لم يقرأ الطالب قصصًا كثيرة، ولم يسنح له وقته ليتأمل الطبيعة، لم يفسح له المجال ليسأل، يسأل فقط هو لا يبحث عن إجابات بقدر حاجته لإخراج ألف سؤال يرد في عقله.
لم نتعلم كيف نخدم أنفسنا، فقط علّمونا أن الأم هي الأيقونة، وهي المسؤولة عن خدماتنا وخدمة الزوج؛ لذلك المرأة مقهورة في مجتمعاتنا، تضحي بحياتها ليحيا الآخرين.
لم نتعلم كيف نستخدم دورات المياه؛ لذلك أكبر معيب لدينا هي مشاهد دورات المياه في كل مرفق عام .
لم نتعلم تجارب السفر، ولا كيف نحافظ على نظافة الشارع أو كيف نتعامل مع نظام السير، كما لم يعلّمونا منذ الصغر كيف نتعامل مع الأشجار والبيئة والمحافظة عليها.
لم نتعلم في المدرسة احترام الآخرين، ولا المحبة، ولا التنفير من التعصب والعنصرية والتنمر. لم نتعلم المشاركة، ولا العمل الجماعي. لم نتعلم كيف نجري التجارب في المختبرات، ولم نتعلم المهارات الحياتية، والاجتماعية، لم نلعب كثيرًا، ولم نضحك طويلًا ولم نثِر أسئلة، ولم نتعلم طرق البحث، ولا حب القراءة، أشياء كثيرة افتقدناها في سنن التعليم التي كان من الأولى أن يكون التركيز عليها، ولهذا نحن بأمس الحاجة لإحداث تغيير وتشكيل صورة لبناء تعليم جديد، تعليم جاذب يرقى بالأمة ويرفعها درجات.
ونحن على أبواب تعليم جديد هل نحن بحاجة إلى إصلاح أم ثورة؟؟ هذا ما سأكتب في المقال القادم.