هل من حقنا أن نشعر بالشفقة تجاه جيل الألفية؟؟

21 نوفمبر 2020
هل من حقنا أن نشعر بالشفقة تجاه جيل الألفية؟؟

بقلم: الدكتورة مرام ابو النادي

*استاذة علم المعرفة جامعة البترا
كثيرون ممن هم في مواقع مختلفة، و في عقودهم الرابعة و الخامسة و السادسة وما يزيد ينظرون بعين الشفقة و فقدان الأمل تجاه جيل الألفية!. وإن أردنا أن نوضح المقصود بجيل الألفية؛ فهم أولئك الأشخاص الذين ولدوا في عام 1984 وما بعده .
هل فعلا يجب أن نشفق على جيل الألفية؟ و لماذا يجب أن نشفق عليهم مثلا؟؟ فهل ينقصهم ما امتلكناه؟؟ أم لديهم ما يفوق ما امتلكناه بكثير ؟ أسئلة كثيرة لا بد من طرحها للوصول إلى تصّور دقيق يجمل ما يعيشه جيل الألفية؛ ولعل هذا التصور قد يجعلنا نقدم يد المساعدة بتطوير أنماط الفكير لديهم و اكتساب سلوكات من شأنها أن تساعدهم على تجاوز الأخطاء التي سببناها نحن له.
جيل الألفية يوصف على أنهم المنقادون و أنهم متهمون بالحصول على كل شيء يريدونه فكما يدّعى بأن من صفاتهم الأنانية و النرجسية و الكسل. ومع ذلك هم ليسوا سعداء وذلك لوجود حلقة مفقودة يمكن تحديدها بأربعة خصائص وهي : الأبوة و الأمومة، التكنولوجيا، الفتور وانعدام الصبر، والبيئة .
أما عن الخاصية الأولى للحلقة المفقودة وهي الأبوة والأمومة ، فيمكن القول أن جيل الألفية خاضعين لاستراتيجيات الآباء و الأمهات الفاشلة عن طريق المبالغة في تقدير ذوات أبنائهم فهم يرونهم مميزين دون وجود ما يميزهم بالفعل، أو عن طريق التعبير لهم بأنهم يمكنهم الحصول على كل ما يريدونه في الحياة، فبعد إنهائهم المرحلة الجامعية ينطلقون إلى العالم الحقيقي الواقعي فيصدمون به؛ أو بالأحرى يصدمون بتوقعاتهم المرتفعة عن أنفسهم ويجدون فعلا أنهم ليسوا مميزين فتتحطم صورتهم عن ذواتهم بالكامل؛ وبذلك ينشأ جيل يفتقر إلى الثقة بنفسه أكثر من الأجيال السابقة.
أما عن التكنولوجيا؛ فقد نشأ جيل الألفية و ترعرع في ظل الشبكات التكنولوجية؛ حيث إظهار الجانب المشرق للحياة حتى وإن كان الواحد منهم يشعر بالإحباط، فيتظاهرون بالقوة و الصلابة؛ لكن في الحقيقة هناك القليل من القوة؛ لذلك عندما يواجهون مشكلة حقيقة أو يتم توجيه أسئلة لهم للتوصل إلى حلول فلن يجدوا جوابا لأنهم لا يمتلكون فعلا القوة الحقيقية وهي إعمال الذهن، فيسترشدون بالناضجين أو أولياءالأمور وحينها سنشعر كأولياء أمور بالسعادة و السيطرة لأن لا مرجع لهم سوانا .
أما عن العامل النفسي و البيولوجي المنبثق عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فيشعر الواحد منهم بالسعادة نتيجة تفاعل الآخرون معه ببساطة لأن الدوبامين يتم إفرازه وهذا أمر طبيعي يحدث لأي واحد منا عندما نشعر بالوحدة أو الإحباط و نتلقى استجابات من الآخرين على ( منشوراتنا) في وسائل التواصل الاجتماعي. وكم يعاني جيل الألفية من الصدمات النفسية فيما لو يتم التفاعل معهم فهذا بالنسبة إليهم يعني رفض الآخرين لهم، و نستطيع أن نقدر مقدار السعادة لهم في حال التفاعل معهم و يظهر هنا تأثير الدوبامين؛ فيلجأون إلى تلك الوسائل التواصلية للشعور بالتقدير و القبول وبالتالي يتحول تأثير هرمون السعادة ( دوبامين) إلى ما يشبه الإدمان .
كيف يمكن أن يكون الراشدون ( أولياء الأمور ) سببا في إدمان أبنائهم من ( جيل الألفية) ؟
كما ذكرت آنفا اللجوء إلى الفيسبوك والانستغرام و سناب تشات وغيرها يسبب نشوة و حالة من السعادة – ومحاولة استجرارها بالرجوع إليها بالتكرار هو إدمان- كتلك التي قد تسببها سلوكات محظورة عليهم كالتدخين، شرب الخمر، التعاطي… فلما نتعامل بصرامة معهم مع هذه السلوكات المحظورة و نضع لهم الكثير من التقييدات و الروادع بينما نتجاهل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بل على العكس من ذلك قد نطمئن كونهم أمامنا في المنزل وهم يدمنونها!!
أما عن الفتور و عدم الصبر؛ فقد نشأ جيل الألفية في عالم قائم على إشباع فوري للرغبات؛ فكل شيء متاح له يمكنه شراؤه أو الحصول عليه بدءا من مشاهدة أفلام سينمائية وحتى شراء كتب أو روايات أو ألعاب عبر الانترنت بذات اللحظة التي فكر بذلك!!
نعم يمكنه الحصول على كل شيء و بسهولة باستثناء أمرين : الرضا الوظيفي و العلاقات الطيبة القوية؛ فالخريجون الجدد الذين التحقوا بوظيفة معينة، قد يبدون تذمرا سريعا بعد زمن قصير من التحاقهم بها، وسيبررون ذلك بأنهم لم يتقدموا فيها أو لم يكونوا مؤثرين؛ فهم لم يمضوا الزمن الذي سيضمن لهم تحقيق ذلك !! فالتسرّع وعدم الصبر جعلهم غير قادرين على التمكن من المهارات في العمل أو حتى المهارات الاجتماعية التي تمكنهم من إنشاء علاقات إيجابية قوية ومتينة مع من يحيطون بهم؛ فهم لا يمتلكون أسس العلاقات الصحية، فالصداقة تعني لهم الصحبة الممتعة؛ لكنهم يدركون أنهم يمكن الإستغناء عنهم بسهولة! عندما يفقدون القيم الإيجابية من معاني الأشياء قد يظهر ذلك في شعور الواحد منهم عندما نسأله :كيف حالك اليوم ؟ ويكون رده: اليوم أنا بخير و يومي كيوم أمس!!
البيئة : آخر خاصية من خصائص الحلقة المفقودة، و يمكن اختصارها بالموقف التالي: عندما نأتي بالشباب اليافع في بداية مشواره المهني و نجعله يعمل في شركة لا تهتم فعليا بهم بقدر ما تهتم بالأرقام و الإنتاج؛ فلن تكون حريصة على تدريبهم على المهارات اللازمة للعمل الجماعي أو ضمن فريق ولن تأبه بتطويرهم ليواجهوا التحديات في هذا العالم، المحزن هنا أن جيل الألفية يلوم نفسه ظنا منه أنه سبب عجزه في الشعور بالرضا و المقدرة على الإنجاز!!!
جيل الألفية.. أقدم اعتذاري منكم، أنتم طاقات أوجدها الخالق؛ لكننا أسأنا رعايتها و توجيهها أنتم الأمانة التي وقعنا في فخ الخيانة معها.
أجدد أعتذاري لأن لا يد لكم فيما أنتم فيه من نزق و عصبية و توتر و إجهاد فنحن من غششناكم فعملنا على توفير طلباتكم لتحصلوا عليها دون عناء، ولم نعلمكم المهارات التي ستصاحبكم في حياتكم العملية في الواقع فاصطدمتم بالإخفافات… فلجأتم إلى الإدمان الرقمي نحن السبب في ذلك كله … جعلناكم تصلوا إلى مرحلة ترددون فيها أن الأمور بخير و تظهرون صلابة وهمية ..فالأمور ليست بخير .. و المحزن أنكم تلومون أنفسكم أنكم لم تحاولوا جيدا … نحن جعلناكم تتعثرون منذ البداية فاعوجت الأقدام ..
لكن لا تقلقوا الحياة لن تقف إلا مع الجبناء وأنتم لستم جبناء لكن عشتم بظروف نحن خلقناها لكم … و الآن حان دوركم لتغيروا الظروف ولصالحكم … عرفتم أين الخلل فصوبوا ما أخطأنا به ولن يكون ذلك إلا بالمحاولة و التجربة و ستصلون إلى القمة قمة ذلك الجبل الذي لم نجعلكم حتى ترونه لكنهم ستصلون إلى قمته وهذا يعني أنكم ستتقدمون على الأجيال السابقة .