المُلهِم يوسف القسوس

5 يناير 2022
المُلهِم يوسف القسوس

 

محمد داودية

تمتد صداقتي بالطبيب يوسف القسوس إلى أواخر السبعينات، عندما اتصلت به من أجل علاج محمد إبن خالي إبراهيم، الذي استعصى علاجه في لبنان ومصر وسوريا.
لقد باع خالي “اللي تحته واللي فوقه”، من اجل علاج فلذة كبده، الذي كان يذوي شهرا إثر شهر.

جلب الدكتور يوسف، الفتى محمد إلى المدينة الطبية بسيارة عسكرية أرسلها إلى معان، يومان زمان فقط وعاد محمد إلى معان “زي الحصان”، وجد أطباؤنا النشامى في الخدمات الطبية الملكية العلة في المعلول، وعالجوها علاجا شافيا تاما.
كتبت حينذاك مقالة في صحيفة الأخبار اليومية، التي كنت أعمل فيها، عن النطاسي الكركي البدوي يوسف القسوس، وعن رفاقه الأفذاذ، أبناء حراثي الضفتين، فاتصلت بي هاتفيا كلُّ الدنيا شاكرة. أتصل بي قائد الجيش الشريف زيد بن شاكر، والطبيب داود حنانيا مدير الخدمات الطبية، وطبعا الطبيب الحلو يوسف القسوس.

كان الكُتّابُ يُنصِفون. وكان المسؤولون يقرأوون.
اتصلَتْ بي أمّ عمر، وكان صوتهـا يتفجر فزعاً، قالت: عمر مثل النار، تعال بسرعة نحمله إلى المستشفى، لا أعرف سبباً لسخونته المفاجئة هـذه، «مشان الله» أترك كل شيء بيدك وتعال.
كان عمر في السادسة من عمره، لكنَّه كان في السادسة عشرة شقاوةً، وصخباً، كان إعصاراً.
كنّا في أيلول 1992 وكنتُ في الدوام بالديوان الملكي، قلتُ لها: سأتصل مع الدكتور يوسف القسوس مدير الخدمات الطبية الملكية، تحرّكي إلى المدينة الطبية، وسأوافيكِ إلیها.
اتصلتُ مع صديقي الدكتور یوسف باشا القسوس، الذي قال مهدئاً من روعي: لا تقلقْ، سأرتّبُ كلَّ شيء.
توجّهـت إلى مكتب الدكتور خالد الكركي رئيس الديوان الملكي، وأبلغته بالطارئ، وغادرتُ متوجهـاً إلى المدینة الطبیة.

على باب الديوان الملكي ضرب الطنان-البيجر المُعلّق بحزامي، فإذا به من أم عمر، اتصلتُ بهـا من مبنى الحرس الملكي، فأبلغتني أنَّ الحرارة قد زالت كليّاً عن عمر، وأنَّها رجعت إلى البيت قبل أن تصل إلى المدينة الطبية، وأضافت: هـا هو عمر “ينطنط” مثل العفاریت.
توجّهـتُ إلى المنزل، فإذا بالإعصار قد استردَّ طاقته وشقاوته، فاتصلتُ مع الدكتور القسوس وشكرته، وطلبتُ تفسيراً لحالة عمر، فقال: ما بنشتغل «عن بعد»، هات لي عمر “أَقلّبه”.
الفريق الطبيب يوسف القسوس يواصل عطاءه منذ أن علّق السماعة في رقبته، في سيرة عطرة، ومسيرة ملهمة لأجيال وفيالق الأطباء الأردنيين. رحلة “أبو طارق”، سطّرها في كتابه “بين الجندية والطب- رحلة عمْر ومسيرة وطن” الذي أصدره أخيرا، والذي “سأُقلِّبه” ذات يوم “عن قرب”