الى اين ياخذون الاردن ؟

17 ديسمبر 2021
الى اين ياخذون الاردن ؟

 

لميس اندوني

أصاب إعلان مبادئ لاتفاقية تبادل بين إسرائيل والأردن تحلية مياه من البحر الأبيض المتوسط مقابل الطاقة الشمسية من صحراء وادي عربة، بتمويل إماراتي، الأردنيين بذهول وغضب، عكس فقدان الثقة بالدولة وكذلك العداء لإسرائيل، وتعبيراً عن خوف غير مسبوق من ارتهان الأردن للمخططات الصهيونية وفشل القيادة في حماية المصالح الوطنية الأردنية.

صحيحٌ أنّ هذه ليست أول اتفاقية تعاون بين الأردن وإسرائيل منذ معاهدة وادي عربة عام 1994، لكنّ ترويج الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، مخطط تصفية القضية تحت مسمّى “صفقة القرن” إضافة إلى أنّ الاتفاقيات التي قامت على المعاهدة الإبراهيمية التي أطلقتها إسرائيل مع دولة الإمارات، قبل أكثر من عام، زادت قناعة الأردنيين بأنّ بلدهم مستهدف، خصوصاً أنّ الملك عبد الله بن الحسين نفسه كان قد رفض إعلان القدس عاصمة موحدة للدولة الصهيونية، لكنّ الاتفاقية الجديدة تتعلق بأحد أهم أسس البقاء الاستراتيجي للأردن، وهو المياه، فالمسألة ليست في قبول تزويد إسرائيل بالمياه فحسب، بل في استمرار نهب ممنهج للمياه بدأته إسرائيل في عام 1951، منذ قامت بتحويل مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا بعيداً عن الأراضي الأردنية، مروراً بمعاهدة وادي عربة (1994) التي لم تُعِد إلى الأردن مياهه المسروقة، بل تعاملت مع إسرائيل وكأنها تتكّرم بمنح الأردن جزءاً يسيراً من مياه ليست لها أصلاً، وما تبع ذلك من تراجعات عن الالتزام “بحصّة الأردن” المقرّة بالاتفاقيات، ثم الدخول في لعبة ابتزاز، تقرّر فيها إسرائيل إمداد الأردن بالمياه أو الامتناع وفقاً لمزاجها وشروطها.

 

الغريب أنّ صانع القرار لم ينتبه إلى تصاعد العداء لإسرائيل الذي رصدته المراكز الصهيونية في أميركا، ولا إلى قلق الشعب الأردني من موسم جفاف قاس، والحديث الرسمي المتكرّر عن شحّ المياه، وجديدها أزمة جفاف السدود التي أثارت الشكوك بأنّها كانت مفتعلة، وكلها كانت مؤشّرات خطرة إلى أنّ كل ما يجري هو تمهيد لفرض الاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة القرن بمسمّيات أخرى، وإن مغادرة ترامب البيت الأبيض لا تعني ثقة أغلبية الشعب الأردني بالإدارة الأميركية الجديدة، فلا ارتياح ولا راحة في الشارع الأردني، وكيف يكون ذلك في أجواء من كبت الحريات والاستهتار بمعاناة فئات واسعة من تدهور الوضع المعيشي. وأخيراً وليس آخراً، تعديلات دستورية مرتقبة تنسف دور مجلس النواب، بل الحكومة وكلّ مؤسسات الدولة، وتركز الصلاحيات في يد الملك.

لكن كيف جاءت هذه الاتفاقية التي زادت الناس ذعراً على ذعر؟ كانت إدارة بايدن واضحة من البداية في أنها لن تقدّم اقتراحا “لحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي” لكنّها سوف ترتكز على توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية وتعميقها، فهذه الاتفاقيات التي لم تأخذ بعين الاعتبار، حتى ولو كذباً، مقرّرات مجلس الأمن والأمم المتحدة، تجعل إسرائيل دولة “أصيلة” في المنطقة، وبالتالي تزيل القضية الفلسطينية التي تراها الولايات المتحدة وإسرائيل عقبة أمام دمج إسرائيل وتطور “علاقات طبيعية بين العالم العربي والدولة الصهيونية”.

 

عليه، بدأت تتبلور مفاهيم ليست جديدة، وعناوين للبناء على هذه الاتفاقيات وإزالة عراقيل أمام تطبيع عربي – إسرائيلي شامل كامل، يعزل الفلسطينيين وقضيتهم لدفعهم إلى استسلام نهائي وكامل، وبدأنا نقرأ ترويجا لفكرة مواجهة التغير المُناخي، وهي قضية جدّية للإنسانية، غطاءً للتطبيع ولمشاريع تضمن الهيمنة الإسرائيلية تحت قيادة وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، الذي أصبح مبعوث الإدارة الأميركية لشؤون التغير المُناخي، فبدأت تتردّد مقولة بعدم السماح للماضي، أي النكبة الفلسطينية، بالتأثير على فرص إنقاذ شعوب المنطقة من ويلات التغير المناخي. وكما يفعل دائماً، انبرى الكاتب الأميركي، توماس فريدمان، مدافعا ومبشّرا بصفحة جديدة، تتعاون بها الطبيعة (والمناخ) مع إدارة بايدن في حل الخلافات، ووضع أرضية للسلام من خلال مشاريع لحلّ أزمة،.  جفاف وتداعيات التغير المُناخي في المنطقة، فعادت الضغوط الأميركية “الناعمة” على الأردن، خصوصا بعد أن عطّلت إسرائيل مشروع قناة البحرين (الميت والأبيض المتوسط) الذي انتظرت الأردن تنفيذه طويلا أملا في تحلية مياه وإنقاذ البحر الميت الذي يواجه خطر الاندثار. ورافق تلك الضغوط التي جاءت على شكل رغبة في مساندة الأردن، تحريك لدور منظمة إسرائيلية – فلسطينية – أردنية تطبيعية، اسمها Eco Peace Middle East لتروِّج في جولة أميركية إنشاء مشاريع تعزّز الترابط الاستراتيجي لمصادر الطاقة بين الأطراف الثلاثة، فيما أنيط دور تمويل مشاريع تنفيذ هذا “الترابط” إلى الإمارات بهدف “كسر التطبيع البارد”، وفقا لمقال على الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن الصهيوني، الذي رحّب بالاتفاق الأردني – الإسرائيلي أخيرا بوصفه مدخلا لتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية.

 

كان الأردن منشغلا بنقاش مشاريع أخرى، مثل ناقل المياه الوطني، لكنّ كلّ شيء تغير، وفقاً لمسؤول سابق، بعد زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، عمّان في أغسطس/ آب الماضي، بعدها انهمك القصر بفكرة تمويل إماراتي يستفيد من تحلية إسرائيل مياه البحر الأبيض المتوسط مقابل الاستفادة من الطاقة الشمسية في صحراء وادي عربة، في مفاجأة لخبراء كان القصر يشاورهم في وضع خطط لحلّ أزمة المياه في الأردن. لذا ما إن أُعلِن عن الاتفاق، حتى اعترض خبراء مياه في الأردن، مذكّرين بتجربة الأردن المريرة مع إسرائيل، خصوصا أن المطلوب تحلية مياه من البحر الأحمر، وإنقاذ البحر الميت بمعزل عن إسرائيل، فالوضع في الأردن تغير منذ معاهدة وادي عربة، ولا ثقة بوعود سلام أو ازدهار، لكنّ الاتفاق فجّر أيضاً غضباً كامناً من استفراد الملك بالسلطة وتضييق المشاركة، غضباً لا يقتصر على الشارع والمعارضة، بل على النخب القريبة من الدولة، فالأغلبية تشعر بخديعة الوعود بالانفتاح والإصلاح، بل تتوالى حلقات مسلسل هزلي من لجان ملكية لتحديث الحياة السياسية، وثم رمي مخرجاتها، على الرغم من أنّها صيغة للتحكم في الحياة السياسية، وتأسيس مجلس أمن وطني، تحت إمرة الملك، في سخرية مهينة من الشعب الأردني. بل تبدو الأبواب مفتوحة للإمارات، تحت رعاية بايدن، لفرض تطبيع مع الدولة الصهيونية على الشعب الأردني، فحاول وفد إماراتي في جولة على جامعات أردنية إغراء طلبتها بوعود ببعثات دراسية، لكنّ انكشاف الشريك الإسرائيلي استفزّ ردة فعل غاضبة بين الطلبة على الوفد، بل كان الرد بالقمع والاعتقالات، في وقتٍ كان الملك يدعو الشباب للانخراط في الأحزاب. كان الحكام الإداريون يسلطون سلطتهم المتجاوزة للقوانين لكمّ الأفواه وسلب الحريات، فيما يبدو صانع القرار في انفصال تام عن حالة الاستياء والغليان. والسؤال: على ماذا يرتكز صنّاع القرار؟ فإدارة بايدن ماضية في تحقيق ما بدأه ترامب، والغضب في الأردن أوسع وأعمق مما تشهده أيّ احتجاجات، وإلى أين يأخذون الأردن؟