التقويم المدرسي الشامل

8 نوفمبر 2021
التقويم المدرسي الشامل

بقلم الدكتور محمود المسّاد
مدير المركز الوطني لتطوير المناهج

يُعدّ التقويم المدرسي الشامل العامل الأساس في مساعدة المدرسة، ودعمها لمعرفة مستوى الفعالية التي هي عليه، وتقديم ما من شأنه الوقوف على مستوى تحقيق النتاجات، مقابل المعايير المحدّدة الواضحة والمؤشرات الإجرائية، سواء أكان ذلك كميا أم نوعيا. لهذا يصدق على التقويم المدرسي الشامل بأنه عملية تأمل في الممارسات التي تتم بشكل منهجي منظم بهدف تحسين تعلم الطلبة في نهاية المطاف، وأمّا عن وصف التقويم بالشامل، فمرد ذلك إلى أنه يطال الخطط والأداء، وبيئات التعلّم، ونواتج التعلّم وبصفة خاصة ما يتصل بالطلبة من معارفه ومهارات واتجاهات.

لهذا، فالتقويم المدرسي يُعدّ عملية تكوينية مستمرة تُمكّن المدارس من مراجعة أدائها، وتحديد نقاط القوة والنجاحات لديها، ومجالات الضعف وكيفيات تطويرها ومراجعة ذلك من جديد (التغذية الراجعة المتعددة loop feedback) فيما يتصل بالعمليات عبر رحلة العمل المدرسي ابتداءً من التخطيط ووصولًا لنواتج التعلم.

ولا يفوتنا التركيز على فحص مستويات المناخ المدرسي وقياسه، وأجواء التواصل واستمرارها، ودفئها التي تشكل القاعدة الأساسية للبدء بالتعلم والإبداع. والتركيز من جانب آخر على أطراف العمل المدرسي ووصولهم للقناعة التامة إلى تحقيق جدوى التقويم وأثره على تجويد العمل والتعلم وتنامي الخبرات.

إن خلق ثقافة تقبل التقويم على أنها تجويد للعمل ،وإثراء لبيئات التعلم وتحسين للنواتج، وأنها جميعًا تنعكس بآثارها الإيجابية على جميع الأطراف المشتركة في الفعل التربوي (مدير، معلم، طالب، مساعد) ومَن هم أصحاب مصلحة من أولياء الأمور والمجتمع عمومًا، والنظام نفسه بما فيه مؤسسة المدرسة، كل ذلك سيساعد كثيرًا بل يدعم غايات التقويم المدرسي الشامل، ويعظم آثاره الإيجابية.

وهنا أؤكد من جديد على بُعدين: الأول؛ أن التقويم عملية تشاركية تبدأ بعد الاقتناع بها وبجدواها، وليس هدفها تصيّد الأخطاء وتوجيه العقوبات، والآخر؛ اتخاذ الإجراءات على نتائج التقويم والتغذية الراجعة المدعومة بالأدلة والبحث، بما يمكن أن يؤدي إلى التغيير الفوري في إطار العملية المستمرة، دون الاكتفاء بالحدث الواحد.

إن بداية التقويم المدرسي الشامل الناجحة يسبقها تفكير مستفز بمجموعة من التساؤلات لدى كل فرد من أفراد المدرسة،

وهذه التساؤلات هي:

ما مدى جودة أدائنا؟

كيف نُعلّم؟

كيف يمكننا أن نتحسّن؟

إن تكوين صورة ذهنية حول شكل المدرسة الفعّالة وكوادرها التي تحقق الطموح، قد تكون مشتقة من رؤية الوزارة، وهذا الشكل أين هو الآن من شكل المدارس الأخرى؟ وإلى أي مستوى سيصير إليه بعد عملية التقويم؟ ولا ننسى أن المدرسة الفعّالة التي رسمنا لها هذه الصورة الذهنية هي مدرسة فعالة بجميع طلبتها بغض النظر عن خلفياتهم، وقدراتهم وسرعتهم في التعلم. ومن المفيد حقا معرفة أن كل معلم وإداري وطالب في المدرسة يعرف نقاط القوة للمدرسة ويقتنع بها ويتبنّاها، وهنا، لا بدّ من معرفة الأدلة التي تدعم قوة هذه النقاط، وكيف نحافظ عليها؟ وكيف نطورها من أجل البقاء في المقدمة دائما؟

إن عمليات التقويم المدرسي الشاملة تتم عَبر عدة أشكال بغرض جمع الأدلة، والوقوف على مدى تحقق المؤشرات الكمية والنوعية، وإن تم استخدام شكل واحد لجمع الأدلة، فهذا يعني ضعفا أو تصورا قد يؤثر على صدق النتائج وموضوعيتها. وبناء عليه، فكلما تعددت أشكال التقويم والبحث عن الأدلة كانت النتائج أفضل ومستوى الجدية فيها أعلى، وأثر برامج التقويم العلاجية والتعديلية أبلغ.

ومن هذه الأشكال الآتي:

استطلاعات رأي المتعلمين والمعلمين والقادة وأولياء الأمور.

تحليل البيانات الكمية.

ملاحظات حية لمواقف تعليمية ولأيام سير العمل.

المقابلات ومجموعات التركيز (Focus Group) من المتعلمين، والمعلمين، والقادة، وأولياء الأمور.

التمعّن في العمل ومراجعة الكتب (ملف المدرسة السنوي الموثق).

أعداد (أرقام إحصائية) لعدد الأبحاث الإجرائية، ومشروعات العمل الابتكارية، والمسابقات، والرحلات والأنشطة، إضافة إلى تقويماتها النوعية.

قياس اتجاهات العاملين والطلبة، وأولياء الأمور (مستوى الرضا).

قياس مُناخ المدرسة واستشعاره: (هناك مقاييس، وملاحظة، ورصد لمناخ العمل السائد).

تحليل أسئلة الاختبارات الشهرية واليومية، والواجبات، واستخلاص توجهات التعليم والتعلم منها.

ويبقى هناك طرائق ومبادرات وتقنيات إبداعية موثقة لدى المدرسة تؤخذ بعين الأهمية، وربما هناك أمور وشعارات للمدرسة تفتخر بها، وتعمل من أجلهاللتمكن من تقويمها وتعزيزها.

ومن ناحية عملية، فقد تستفيد المدرسة كثيرًا من عمليات التقويم والنقاش التي تتم، خاصة عند البحث عن الأدلة، وربما تستمر إلى ما بين تقويمين، قبل البدء بعملية التقويم، وخاصة حين تُطرح مثل الأسئلة الآتية:

ما مدى قوة الأدلة ودقتها؟

ماذا تخبرنا هذه الأدلة؟

ما الذي لا تخبرنا به هذه الأدلة؟

ما الأسئلة التي تثيرها هذه الأدلة؟

من المعروف أن التقويم يأخذ نماذج متعددة منها:

تقويم تفتيشي يبحث عن الأخطاء، ويشهّر بها، وتصبح معها كوادر المدرسة رافضة لفكرة التقويم، وما يمتّ إليه بصلة، سواء أكان ذلك سرّا أم جهرا.

تقويم ذاتي، وهذا وحده باهت، وربما يقود إلى الاستهتار وضعف الجدية.

تقويم الخبراء التطويري.

تقويم متمازج، يجمع بين نموذجين أو أكثر من هذه النماذج.

وحقيقة الأمر أن أي نموذج متقلا وحده لا يقود لتحقيق الأهداف المنشودة، بل يحتاج إلى توظيف عدة أشكال معًا بحسب موضوع التقويم، مع إظهار الجدية وصدق التوجيه للتطوير، والتحسين. ومن جانب آخر اقتناع كوادر المدرسة بأن من يقوم بالتقويم من خبراء ومقومين قادرون على الإفادة، ويتمتعون بالكفاية والسمعة الطيبة.

وتعدّ الرسالة الأساسية التي تقوم عليها عمليات التقويم المدرسي الشامل هي الداعم الرئيس، والمطور ومقدم خلاصة الخبرات المبنية على احتياجات المدرسة الحقيقية المشخصة بشكل دقيق، والذي يُقرّ به المعنيون بالمدرسة من جانب، ومن جانب آخر يقترحها ويتقدم بها خبراء مشهود لهم بالرأي الحقيقي، والخبرة الناجحة والصدق فيما يقولون ويفعلون.

وعليه، فمن الممكن أن تتضافر عمليات التقويم الخارجي مع التقويم الذاتي الفعال، والدعم المستمر الذي يقود بالأدلة والشواهد إلى تحسين جودة المدرسة، وإحداث التغييرات المطلوبة في عمليات التدريس، والتقدم في نواتج تعلم الطلبة. وهذا الأمر صحيح إذا رافقه من المدرسة بعض الأفعال الطوعية من

مثل:

رصد تنفيذ التغذية الراجعة ومتابعتها، وتوصيات الخبراء، وما اجتمعت عليه أطراف عمليات التقويم بأنه أفعال تطورية، قادرة على إحداث التطوير وفقَ ظروف المدرسة وإمكاناتها، وقدرات هيئاتها الإدارية التدريسية.

الإفصاح والشفافية في عرض المشكلات، وتقديم الأدلة، مع إظهار الميل والشغف لأي حلول منطقية تقود للتحسين، وتحقيق أهداف المدرسة.

جدولة مَواطن الضعف والقصور، ووضعها في سياق الإمكانات على سُلَّم الأولويات، ووضع الخطط العلاجية ومؤشرات التقدم، وتحديد زمني لخطط المتابعة والمخاطر، وتسمية شخوص المتابعة، وإعداد التقارير اللازمة.