حمده .. عذراً …

5 نوفمبر 2021
حمده .. عذراً …

بقلم بلال الطوالبة

أتعلمين أن “توماس سانت” أول مخترع لماكنة الخياطة عام ١٧٩٠ ولم يستخدم الإبرة التي اخترعها الألماني واينستاين . أتعلمين أن  “إلياس هاو” مخترع الماكنة الحديثة عام ١٨٤٦، قد رفع قضية على  “إسحاق سنجر” الذي صمم ماكنة بذراع ودواسة للرجل، واتهمه “هاو” بأنه اعتمد تصاميمه للحصول على ماكنته .
أعلم يا حمدة، أن هذا التاريخ لا يهمك، و لا يهم الكثيرين، حتى أرباب المصانع و الأعمال، فلا يهمهم تاريخ هذه الماكنة، قدر اهتمامهم بإنتاجية هذه الماكنة. حتى أنتِ يا حمدة، لا يهمك إلا مدى سهولة التعامل معها، وتقضين الساعات تلاعبينها؛ لتحصلي على ما تريدين من إتقان للعمل.
أنا أعلم أن هنالك علاقة جميلة بينك وبين الماكنة التي تشتغلين عليها، وتقضين معها ما يقارب ٨ ساعات يوميا،  وأعلم أن هنالك حوارات ونقاشات كانت تدور بينكما. فهذا حالنا جميعاً كل في موقعه ومكانه.
حتى الفاسدين الذين يستغلون وظائفهم يحبونها ويخلصون إليها؛ لأنها مصدر فسادهم و رزقهم ،
دعيني أحدثك عن الفساد الإداري والفساد الفكري، الذي نتعرض له ليل نهار،  هل تعلمين من هي الدكتورة سناء قموة؟ هذه الدكتورة شغلت فيما مضى مكانا مرموقا في مؤسسة الغذاء والدواء، تعرضت فيما سبق لحملة من وزير الصحة السابق “المواجدة”، أطاحت بها  بعد أن اكتشفت ملفات فساد، ومخالفات في المؤسسة وفي وزارة الصحة، هذه الدكتورة تقوم بأبحاث تهتم بشؤون غذائنا، إذ اكتشفت أن هناك مواد مسرطنة تدخل في طعامنا.
اليوم، يوجه إليها القوم الشكاوي؛ لتدميرها بدل احتواء أبحاثها ومراجعتها للوقوف على ما يفيد غذائنا.
أعلم يا حمده، أنني أزعجتك في ذكر الفساد الذي ينخر مفاصل الدولة، وأعلم أنك تريدين إخباري بأن القطاع الخاص يعاني المشكلة نفسها .
اليوم بعد أن تواردت إلينا الأخبار عن سبب مقتلك، وعن حجم المعاناة التي مررت بها، ويمر بها الكثيرون من زملائك العاملين في مصانع عدة، ولسان حالهم ينطق: أليس تحقيق الرفاه، وضمان العيش الكريم للمواطن هو واجب على الحكومة، وهو نص دستوري يجب ألا يتم التعدى عليه؟!.
كما أعلم أن الحقوق لديكم منقوصة، وأن ارتفاع أصواتكم فيه قطع أرزاقكم، وأعلم أن مطالبكم مرفوضة مهما كانت على بساطتها، وإن اعتراض أحدكم يعني إنهاء عمله،  وأن بعض الدنانير التي تجنونها لا تسمن ولا تغني، ولكن هو الرضى و القبول.
حمده أصبحت قضيتك قضية رأي عام، فنحن معشر الرأي العام لم نلتفت إليكم إلا بعد حدوث الفاجعة، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تتناقل ما حدث وتطالب بإنصافك.
عذراً هل يفيدك الإنصاف الآن فقد غابت هذه المواقع عنكم وعن معاناتكم اليومية.
ولكن جميعنا نردد أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي،
اعلم أنك غير مقتنعة بهذا القول الغبي، ولكن هذا حالنا نشرعن قلة حيلتنا و بؤسنا.
أعلم يا حمدة،  أن الحياة ستسير وستعود إلى سابق عهدها فنحن نملك ذاكرة كذاكرة السمك. اليوم ستلتقي بطلاب مدرسة في عمر الورود، تم مكافأة المسؤول عن وفاتهم بتعيينه سفيرا،  وستمرين بقتلى مستشفى السلط، وستسمعين بالقاضي زعيتر ثم سترين  ضحايا سفارة الكيان الغاصب في عمان.
الجميع هناك ينتظرونك وسيسألونك ماذا جرى بحقنا؟ أخبريهم أنا نسيناهم، ولم نعد نذكرهم، عدا صفحات من الفيس بوك تذكرنا بهم لحظة تكرار التاريخ! .
حمده أرجو أن تعذري عجزنا فلدينا قانون صارم يكمم الأفواه ويسجن كل من ينتقد أو يتحدث بما يجول في خاطره.
فرئيس  وزرائنا سجن بائع الشاي الحر كميل الزعبي .
رحم الله ضعفنا و قلة حيلتنا .
رحمك الله يا حمده .