الكفاية العالميه والهوية الوطنية

26 أكتوبر 2021
الكفاية العالميه والهوية الوطنية

الدكتور محمود المساد

للوهلة الأولى وعندما نتمعن العنوان لا نجد الترابط بين الكفاية العالمية التي تتحدث كما يبدو بالظاهر عن العالم وبين الهوية الوطنية التي تتحدث حقيقة عن الوطن والثقافة المحلية، بل أحيانًا قد يذهب التفكير في هذه المسألة إلى التضاد، فإما أن يكون الفرد محليا ويركز في أولويات تفكيره على وطنه الصغير أو يقتنع أنه إنسان عالمي بدواعي الانفتاح والعولمة والهم الإنساني العالمي. مع أننا عندما ندقق وننظر إلى هذه المفاهيم ككفاية واحدة لدى شخص واحد نتأكد من صدق مقولة “فكر عالميا واعمل محليا” أو “الانفتاح يرفع من درجة التحصين” لدى أي فرد.

إن التفكير بتأمل وتبصر يقود بالضرورة إلى مقارنة الذات مع الأخرين، فعندما يُجيب طلبة الصف الواحد على اختبار، ويعرف كل منهم نتيجته، يُدرك كل منهم لوحده أن علامته قريبة أو بعيدة من توقعاته هو، وإن كانت أبعد يعرف سبب ذلك، وإن كانت أعلى يعرف السبب، وإن تدنت يعرف السبب أيضًا. لكن لن يعرف بنفس الوقت أين هو من الآخرين، هل هو في الخُمس الأعلى أم في الخمس الثاني أو الأخير. وعليه فإن اعتزاز الفرد بنفسه ووطنه يزداد ويكبر عندما يرى ويعرف أنه مقابل الآخرين في الصفوف الأولى، أو إنه يتقدم عامًا بعد آخر. على مدرج المقارنة التصنيفي.

لذلك تعتبر الدراسات المقارنة التي تقع في جوهر هذه المنهجية وتعتمد في دراسة المفاهيم والقضايا المستهدفة في الكفاية العالمية الأساس في تقدير الذات والوطن مقابل ذوات الآخرين والدول. فغالبًا ما تسمع بعضهم يتحدث عن وطنه أنه الأول على مستوى العالم في إنتاج النفط أو الفوسفات، أو الذهب، أو الأسماك، أو أنه هو كشخص الأول على مستوى العالم في سباق (1000 م) أو رفع الأثقال، أو قيادة السيارة، أو أن نظام دولته التعليمي فوق المتوسط العالمي في الاختبار الدولي الخاص بمبحث الرياضيات. لهذا فإن الاعتزاز الوطني وحب ما يعتز به من موارد وممتلكات وطنية يزداد كلما كانت أفضل على مدرج التصنيف المقارن.

إن الهوية الوطنية راسخة في الذات والإطار الفكري لكل فرد في وطنه، وتقوى عند المقارنات اعتزازًا أو حافزًا للتحسين، وأن الوقوف من خلال التشخيص على كل موطن قوة أو موطن ضعف لا يؤثر على حجم الإنتماء والولاء للوطن، بل يدعمه ويعزز البحث والعمل في كل ما من شأنه أن يُعظم هذه القيم ويرسخ هذه الاتجاهات على طريق مسايرة العالم والتقدم في كل أمر على مدرج التصنيف العالمي المقارن.